السبت 31 أيار , 2025 01:35

معهد الأمن القومي الإسرائيلي: مستقبل العلاقات الإسرائيلية الأميركية لا يبشر بالخير!

ترامب وعلمي إسرائيل وأميركا

العلاقات الأميركية الإسرائيلية لا تبشّر بالخير، هذا ما خلصت إليه دراسة لمعهد الأمن القومي الإسرائيلي، في مقال ترجمه موقع الخنادق، يحدد فيه ثلاث ركائز أساسية "ظهرت فيها الشقوق على مر السنين وهي تتسع باستمرار. بعضها ينبع من التحركات الإسرائيلية، في حين أن بعضها الآخر هو نتيجة لعمليات محلية أميركية وعالمية تؤثر على العلاقات الثنائية".

أما الركائز التي تتصدّع وتتآكل فيحددها الكاتب بالروح المشتركة، والمصالح المشتركة، والجالية اليهودية في الولايات المتحدة، ويتحدّث عن التحول في كل ركيزة، والتغيرات التي طرأت عليها بما يهدد العلاقة الإسرائيلية الأميركية في المستقبل.

النص المترجم للمقال

هل "ما كان هو ما سيكون" عندما يتعلق الأمر بالعلاقات الإسرائيلية الأميركية؟ إن التآكل الواضح للركائز الأساسية لهذه العلاقات لا يبشر بالخير.

إن الواقع الأميركي الداخلي والإقليمي والعالمي يشهد حالياً تغيرات دراماتيكية. هل ستبقى العلاقات الإسرائيلية الأميركية بمنأى عن الاضطرابات وعواقبها المتنوعة؟ هل ما كان هو ما سيكون (مع مراعاة التعديلات الظرفية)؟ هل ستتفوق أصول إسرائيل على العبء الذي قد تشكله على الولايات المتحدة؟ وفي الإجابة على هذه الأسئلة، فإن التآكل الواضح في طبقات "العلاقة الخاصة" ــ الأخلاق والمصالح المشتركة، فضلاً عن الشقوق في الجسر الذي يربط المجتمع اليهودي الأميركي بإسرائيل ــ لا يبشر بالخير.

في إسرائيل، الافتراض السائد هو أن ما كان سوف يكون فيما يتصل بالعلاقات مع الولايات المتحدة. وعلى النقيض من ادعاء رئيس الوزراء البريطاني في القرن التاسع عشر، اللورد بالمرستون، بأن (بريطانيا) ليس لها أعداء أبديون ولا أصدقاء أبديون، بل مصالح أبدية، وهذه تتغير بتغير الظروف، فإن النموذج الذهني الذي يوجه تفكير القادة الإسرائيليين لأجيال وغالبية الجمهور مختلف، وخاصة في سياق العلاقات مع الولايات المتحدة. وينشأ الانطباع بأن القيادة والجمهور على حد سواء يفترضان أن التغيرات والاضطرابات الجيوسياسية والسياسية الداخلية ليس لديها القدرة على تغيير طبيعة العلاقات بين الدول. وبذلك، تستطيع إسرائيل أن تستمر في تحدي الولايات المتحدة، بل وحتى الإضرار بمصالحها في الشرق الأوسط، من دون أن تتخلى الإدارة الأميركية عن دعمها المبدئي لها. يمكن دعم هذا التقييم لسنوات عديدة.

ولكن هل ستتمكن إسرائيل من تحقيق أهدافها في المستقبل، إذا كان السعي لتحقيقها يتم مع الإضرار بالتفضيلات الاستراتيجية للإدارة الأميركية ودون الإضرار بأسس العلاقات بين البلدين؟

للإجابة على هذا السؤال، يُستشهد بمقولة الكاتب الأمريكي إرنست همنغواي: "كيف أفلست؟ بطريقتين. تدريجيًا، ثم فجأةً". إن جوهر هذا التأكيد هو افتراض أن العمليات تحدث على مدى فترة من الزمن ويمكن مراقبتها أو تجاهلها، ولكن عندما تنضج العملية، فإنها تنتهي بفعل أو حدث مفاجئ على ما يبدو، وحينها فقط يتم طرح الأسئلة حول أسباب ذلك وما إذا كان من الممكن منعه. إن الهجوم الذي شنته حماس في السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023 ينطبق عليه هذا الوصف، كما أن العلاقة بين إسرائيل والولايات المتحدة لديها القدرة على أن تنطبق عليها هذا الوصف أيضاً.

إن العلاقة الخاصة بين إسرائيل والولايات المتحدة ترتكز على ثلاثة ركائز أساسية، ظهرت فيها الشقوق على مر السنين وهي تتسع الآن. بعضها ينبع من التحركات الإسرائيلية، في حين أن بعضها الآخر هو نتيجة لعمليات محلية أميركية وعالمية تؤثر على العلاقات الثنائية. فهل يمكن معالجة الشقوق، أم أننا نواجه نهاية مرحلة وبداية مرحلة جديدة في العلاقات، والتي ستكون أقل قرباً و"خصوصية"؟

الركيزة الأولى هي الروح المشتركة وإدراك الولايات المتحدة لنفسها باعتبارها أمة ذات مهمة عالمية تسعى إلى الخير. وكان الدليل على ذلك، على سبيل المثال، دخول الولايات المتحدة في الحرب العالمية الأولى، كما قال الرئيس وودرو ويلسون، بهدف جعل العالم مكاناً آمناً للديمقراطية. منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، وخاصة منذ نهاية الحرب الباردة، أصبحت الولايات المتحدة زعيمة العالم الغربي وزعيمة النظام الليبرالي/الرأسمالي، مسترشدة بمبادئ الحفاظ على النظام الديمقراطي، وقيم سيادة القانون، والحقوق المدنية. لقد تم النظر إلى إسرائيل على أنها تسترشد بأخلاقيات مماثلة لتلك التي توجه المجتمع الديمقراطي الأمريكي وباعتبارها جزءًا من العالم الغربي، ومن هنا جاءت الرغبة في الانضمام إليها ومساعدتها.

ومع ذلك، فإن الولاية الثانية للرئيس دونالد ترامب تعكس تصوراً كان واضحاً خلال ولايته الأولى، وهو مختلف تماماً عن التصور الذي قادته معظم الإدارات الأميركية السابقة. وتتمثل نقاطها الرئيسية في التخلي عن النظام الليبرالي، والتحدي لأهمية التحالفات على الساحة الدولية، و"أميركا أولا" (وفي الوقت نفسه "ترامب أولا"). وفي الوقت نفسه، أدخل ترامب تغييرات كبيرة في سلوك الإدارة، والتي تعكس جهدا حثيثا لتقويض النظام الديمقراطي وتحريكه نحو نظام استبدادي شعبوي. وفي إسرائيل أيضاً، هناك عملية واضحة تهدد بتقويض أسس الديمقراطية ــ في اتجاه مماثل لما يحدث في الولايات المتحدة. وبعبارة أخرى: لقد حدث تآكل في قاعدة القيم الليبرالية، التي كانت تشكل أحد الركائز الأساسية للعلاقات بين البلدان. ويجب أن نضيف إلى ذلك التآكل المستمر في الدعم لإسرائيل داخل صفوف الحزب الديمقراطي، وتحول الدعم لإسرائيل من قضية داخل الإجماع الأميركي إلى قضية مثيرة للجدل ــ ويرجع هذا جزئياً إلى السياسة الإسرائيلية التي تعكس التماهي مع الحزب الجمهوري.

أما الركيزة الثانية فهي المصالح المشتركة، التي تشكلت خلال الحرب الباردة وصراع بينغوشي. تميزت هذه الفترة بتطابق المصالح في مواجهة العدو المشترك - الاتحاد السوفييتي وشركائه في الشرق الأوسط، الذين سعوا إلى تدمير إسرائيل. وقد نظرت الولايات المتحدة بعد ذلك إلى إسرائيل باعتبارها حليفاً في الجهود العالمية والإقليمية الرامية إلى التصدي للاتحاد السوفييتي. لقد أفسح نهاية الحرب الباردة ونهاية التهديد السوفييتي المجال لتهديد مشترك جديد - الإرهاب الإقليمي في الشرق الأوسط والإرهاب على الساحة الدولية. ولذلك ظلت إسرائيل مصممة على مكافحة الإرهاب، وظلت ذات أهمية بالنسبة للمصالح الأميركية. ومع ذلك، فقد تم النظر إلى المساعدات الإيرانية للمنظمات الإرهابية - حماس، وحزب الله، وميليشيا الحوثي وغيرها من الميليشيات المدعومة من إيران - على أنها تهديد مباشر لإسرائيل وليس تهديدًا للمصالح الأمريكية في الشرق الأوسط.

أما بالنسبة لإيران، فيبدو ظاهريا أنها تشكل تهديداً مشتركاً، وإن كان محدوداً. في حين يرى كثيرون في إسرائيل أن التهديد الإيراني يشكل تهديداً وجودياً، فإن الأمر ليس كذلك في الولايات المتحدة. وتنظر الولايات المتحدة إلى إيران باعتبارها تهديداً لحلفائها في المنطقة، وبالتالي فإنها تعمل على تقويض المصالح الأميركية فيها. ومن بين التهديدات الثلاثة التي تشكلها إيران لإسرائيل ــ التهديد النووي، والتهديد الصاروخي، والتخريب ــ تُعتبر القضية النووية قضية مركزية من منظور واشنطن، سواء من حيث الجهود الرامية إلى منع انتشار الأسلحة النووية بشكل عام أو في سياق التداعيات الإقليمية المحتملة الناجمة عن حيازة إيران للأسلحة النووية. إن حالة عدم اليقين والغموض الحالية فيما يتصل بموقف الولايات المتحدة من القضية الحاسمة المتمثلة في تخصيب اليورانيوم، إلى جانب رغبة ترامب في تعزيز الصفقات الاقتصادية والتكنولوجية والعسكرية من دون استخدام القوة، تشكل مصدراً محتملاً للاحتكاك مع الولايات المتحدة من وجهة نظر إسرائيل، التي تسعى إلى التراجع بشكل كبير عن المشروع النووي (لأنه لا يمكن القضاء عليه تماما).

وهناك نقطة خلاف أخرى تتعلق بالقضية الفلسطينية، التي اكتسبت مؤخراً بعداً إضافياً من الإلحاح على خلفية الحرب في قطاع غزة والخطط بعيدة المدى للرئيس ترامب لتشكيل الشرق الأوسط على أساس تحسين العلاقات مع دول الخليج (ولصالح المصالح الاقتصادية لعائلته، كما اتضح خلال زيارته للخليج في مايو/أيار 2025). وتشكل الحرب الدائرة في قطاع غزة بشكل عام، وقضية الرهائن الإسرائيليين المحتجزين لدى حماس بشكل خاص، عقبة أمام جهود الرئيس الرامية إلى إرساء واقع جيوسياسي جديد في المنطقة، والذي سيتجسد في تحالف موالٍ لأميركا كثقل موازن لإيران وحلفائها، بما في ذلك روسيا والصين. ومن بين الأهداف المرحلية في هذه الخطة إقامة التطبيع بين السعودية وإسرائيل، إلا أن العقبة الكبرى أمام تقدمه هي رفض إسرائيل اتخاذ خطوات نحو تنفيذ حل الدولتين. وفي هذا الصدد، تقف إسرائيل في الوقت الراهن عائقاً أمام سعي الرئيس ترامب إلى توسيع دائرة "اتفاقيات إبراهيم"، وتشير تصريحاته خلال زيارته إلى السعودية إلى أنه قرر التخلي عن هذا الهدف في الوقت الراهن. وعلاوة على ذلك، فإن مركزية المملكة العربية السعودية في سياسة ترامب في الشرق الأوسط قد تؤدي إلى تآكل مركزية إسرائيل كحليف مهم في المنطقة. إن وضع العراقيل في طريق ترامب لإنهاء الحروب، كوسيلة لتسهيل تقدمه في الصفقات الاقتصادية، قد يؤدي إلى تركه لإسرائيل بمفردها. وسيكون أحد الاختبارات التي ستحدد مدى أهمية إسرائيل الاستراتيجية في نظر الإدارة الأميركية هو القرار الذي ستتخذه بشأن المساعدات الأمنية لإسرائيل في السنوات المقبلة.

أما الركيزة الثالثة للعلاقة فهي الجالية اليهودية في الولايات المتحدة، والتي ينظر إليها باعتبارها جسراً بين المجتمعين والبلدين. وقد ظهرت فيه أيضًا شقوق في السنوات الأخيرة. وقد أثار تحول إسرائيل إلى قضية خلاف بين الأحزاب جدلاً واسعاً أيضاً بين أفراد المجتمع اليهودي، الذي لا يزال معظمه يصوت للحزب الديمقراطي على الرغم من مواقفه الانتقادية تجاه السياسة الإسرائيلية في سياق القضية الفلسطينية. ويواجه المجتمع بأكمله حالياً ضرورة التعامل مع تصاعد معاداة السامية منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول واندلاع الحرب في قطاع غزة، مع استمرار الاتجاه نحو تحويل الظهر لإسرائيل من قبل الجيل الأصغر سناً في المجتمع، وهو ما يثير القلق بشكل خاص.

وفي الختام، يمكن القول إن الواقع الأميركي الداخلي والإقليمي والعالمي يشهد حالياً تغيرات دراماتيكية. فهل ستبقى العلاقات الإسرائيلية الأميركية بمنأى عن الاضطرابات وعواقبها المتنوعة، وهل ما كان سيكون (مع مراعاة التعديلات الظرفية)، وهل ستتفوق أصول إسرائيل على العبء الذي قد تشكله على الولايات المتحدة؟ وفي الإجابة على هذه الأسئلة، فإن التآكل الواضح للركائز الثلاث التي تشكل "العلاقة الخاصة" ــ الأخلاق والمصالح المشتركة، فضلاً عن الاتجاهات السياسية بين المجتمع اليهودي الأميركي ــ لا يبشر بالخير.


المصدر: معهد دراسات الأمن القومي

الكاتب: شمعون شتاين




روزنامة المحور