اختتمت طهران جولتها الأخيرة في الرد على العدوان الإسرائيلي–الأمريكي عليها، برسالة واضحة مفادها: الكلمة الأخيرة في هذه الجولة لنا، والردّ حق لا نتنازل عنه، والقرار الميداني بأيدينا. ففي تمام الساعة 6:59 صباحاً، وقبل دقيقة واحدة فقط من دخول وقف إطلاق النار حيّز التنفيذ عند الساعة 7:00، وصلت آخر موجة صاروخية إيرانية لتدك عمق الكيان. وتسجّل بذلك نهايةً مدوية لثلاثة عشر يوماً من المواجهة العسكرية المتفوقة ضد "إسرائيل".
الضربة الأخيرة: خمس جولات في دقائق
في مشهد يعكس دقة الإعداد وتكامل الرسالة، نفّذت إيران ضربة مركبة قبيل وقف إطلاق النار، امتدت على خمس جولات متتالية بين الساعة 6:00 و7:00 صباحاً. شملت الضربة صواريخ باليستية متطورة وطائرات مسيّرة انتحارية من طرازات مختلفة، أُطلقت من مسارات متعددة داخل إيران، لتُصيب أهدافاً استراتيجية داخل الكيان. من بين أبرز النقاط التي استُهدفت: مستوطنة بئر السبع التي تعرضت لضربات مباشرة خلّفت قتلى ودماراً واسعاً، إضافة إلى قاعدة “رامات دافيد” الجوية، جاءت الضربة متدرجة زمنياً ومُتقنة، لتُربك الدفاعات وتمنع اعتراضها، وتؤكد أن لا سلام مع هذا الكيان وعلى مستوطنيه وقياداته أن يحتفظوا بهذه الصور التي تذكرهم بقدرة إيران.
الرسائل التي أرادت إيران إرسالها
-بضرباتها المركّزة قبيل وقف النار، أرادت طهران أن تختتم الجولة بنقطة تفوّق واضحة، لتقول إن الكلمة الفصل في الميدان لا تزال بيدها، وأنها هي من يقرّر متى يبدأ الرد ومتى يتوقف.
-الرد ليس قابلاً للتفاوض من خلال توجيه موجة جديدة بعد الاتفاق المبدئي على وقف إطلاق النار، أرادت إيران التأكيد أن الرد على العدوان الأمريكي والإسرائيلي حق سيادي لا يُساوَم عليه، حتى وإن كانت التفاهمات السياسية قد بدأت بالتشكّل.
-القدرة على التحكم بالإيقاع فالخمس جولات التي نُفّذت خلال أقل من ساعة تعكس قدرة طهران على ضبط إيقاع التصعيد، وتوجيه ضربات مركّبة ومدروسة في الوقت الذي تختاره، ما يبرز تكتيكاً متقدّماً في إدارة الحرب.
-إثبات الفشل الدفاعي للكيان من خلال الضربات الدقيقة التي أصابت أهدافاً حساسة مثل مستوطنة بئر السبع وقاعدة رامات دافيد أظهرت هشاشة المنظومات الدفاعية للكيان، وأكدت أن لا مكان آمن حتى في المناطق الخلفية.
-منطق الردع مستمر بعد الحرب حتى مع انتهاء الجولة الحالية، أرادت إيران التأكيد أن حالة الردع لم تتراجع، وأن التهديد بالتصعيد سيبقى قائماً ما دامت جذور العدوان لم تُقتلع، خصوصاً فيما يتعلق بأي تهديد يطال البرنامج النووي والدفاعي الإيراني.
خلاصة الجولة الأخيرة
جاءت الضربة الأخيرة لتؤكد أن القدرات العسكرية الإيرانية ما زالت بخير، وأن العمل الميداني يتم وفق تنسيق محكم حتى اللحظة الأخيرة، بل واستمر التنفيذ بعد دخول وقف إطلاق النار حيز التنفيذ، وهو ما يُظهر ذكاءً وتنبهاً استثنائياً في إدارة التصعيد. لم يكن إحداث الدمار الكبير في الضربة الأخيرة صدفة، بل خياراً مقصوداً يهدف إلى ترك أثر نفسي دائم في وعي المستوطنين، ليظل عالقاً في الذاكرة، ويزرع الشكوك حول فعالية المنظومات الدفاعية. فالحرب مع إيران ليست لعبة تدخلها وقت تشاء وتخرج منها متى تريد وهذه الرسالة باتت مفهومة جيداً في تل أبيب.
لم يعتد الكيان أن يخوض حرباً مع دولة ففي الغالب كان يخوض حروباً مع منظمات وفصائل مقاومة، فكانت حساباته ناقصة منذ اللحظة الأولى. وعندما أعلن نتنياهو مع بداية العدوان أن "التهديد الإيراني سينتهي خلال أسبوعين"، لم يدرك أن توقيت المعركة لن يُضبط في تل أبيب. فبعد أسبوعين تماماً، وعلى عكس ما ادعى، كانت إيران هي من ختمت الجولة الأخيرة، راسمة نهاية لا تشبه توقعاته. بذلك، أثبتت طهران أن من يبدأ الحرب لا يملك وحده قرار إنهائها، وأن موازين القوة في الإقليم تغيّرت جذرياً، وبات على الكيان أن يعيد حساباته من جديد قبل الدخول في أي جبهة جديدة.
الكاتب: غرفة التحرير