رغم خضوع النظام السوري لإسرائيل منذ الأيام الأولى لاستلام الحكم، وتقديم فروض الطاعة لها، بل والتعبير عن الاستعداد لمواجهة الأعداء المشتركين، إلا أن كيان الاحتلال الإسرائيلي يستبيح بشكل غير مسبوق الأراضي السورية وبكل الأساليب والوسائل، ووصل به الامر الى قصف قصر الرئاسة وتدمير مبنى هيئة الأركان.
أمّا قبيل فجر اليوم الخميس، فكان الاعتداء عبارةً عن إنزال عسكري نفذه جيش الاحتلال الإسرائيلي في ثكنة عسكرية بمنطقة الكسوة بريف دمشق، وأمضى عشرات جنوده أكثر من ساعتين في منطقة الإنزال. وكان بحوزة الجنود الإسرائيليين عددا من معدات البحث، وشاركت 4 مروحيات في عملية الإنزال، ولم يسجل الحدث أي اشتباك بين القوات الإسرائيلية والقوات العسكرية السورية. وقد وُصف هذا الإنزال الجوي الإسرائيلي بأنه الأول من نوعه في سوريا (عملية إنزال علنية بهذا الشكل)، منذ سقوط نظام الرئيس بشار الأسد في 8 كانون الأول / ديسمبر 2024.
وجاءت عملية الإنزال بعد ساعات من اعتداء جوي جديد شنته إسرائيل على ثكنات عسكرية في جبل المانع بالقرب من الحرجلة في منطقة الكسوة، كان الثاني من نوعه خلال 24 ساعة، مستهدفة ثكنات عسكرية.
أجهزة مراقبة وتجسّس
ولا يكتف جيش الاحتلال الإسرائيلي بتنفيذ الغارات على سوريا، بل يعمد عناصره الى زرع منظومات تجسس في العديد من مناطقها. وآخر ما تم الكشف عنه في هذا السياق، هو ما نقلته وكالة الأنباء السورية (سانا) عن مصدر حكومي كشف لها، بأن عناصر الجيش السوري الجديد عثروا قرب جبل المانع في منطقة الكسوة في 26 أغسطس/آب الجاري على أجهزة مراقبة وتنصت. ومضيفاً بأن جيش الاحتلال قام بمهاجمة الموقع من الجو، أثناء تعامل أفراد الجيش السوري مع أجهزة المراقبة، مما أسفر عن سقوط قتلى ووقوع إصابات وتدمير آليات. وبعد تمكن الجيش السوري من سحب قتلاه، في ظل تحلّيق الطيران الحربي الإسرائيلي لمدة ساعة في سماء المنطقة المستهدفة، أغار الأخير مرةً أخرى فيها، وهذا ما يثير التساؤلات حول نوعية الأهداف الموجودة.
لا انسحاب
وبالرغم من كشف العديد من الجهات، عن قرب وصول إسرائيل والدولة السورية برئاسة أحمد الشرع الجولاني، الى اتفاق أمني بين الطرفين بالحد الأدنى، إلا أن هناك العديد من المصادر التي تحدّثت بأن المباحثات السورية الإسرائيلية لا تتقدم بسبب جبل الشيخ والتدخلات الخارجية. وأما بما يتعلق بقضية الممر الإنساني نحو السويداء، فقد أصر النظام السوري على أن يتم نقل المساعدات عن طريق دمشق حصراً.
وكانت هيئة البث الإسرائيلية قد كشفت بأن الجانبان أحرزا تقدما كبيرا على صعيد توقيع الاتفاق الأمني بينهما، مع بقاء بعض نقاط الخلاف. ونقلت عن مصادر سورية لم تسمها، بأنه تم الاتفاق على نحو 80% من المحاور الأمنية، وبقاء بعض نقاط الخلاف، أبرزها طلب كيان الاحتلال إبقاء قواته في عدة مواقع استراتيجية داخل الأراضي السورية، أهمها محطة الرادار على جبل الشيخ وتل رئيسي في القنيطرة.
والتقدم في الوصول الى اتفاق بين الطرفين، أكّده أيضاً أحمد الشرع خلال لقائه مع وفد إعلامي عربي. وكشفت مصادر إعلامية أن الشرع عين مندوبا جديدا لسوريا في الأمم المتحدة، ليقود مفاوضات مع الجانب الإسرائيلي والأمريكي استعدادا لعقد لقاء يوصف بالتاريخي بينه وبين نتنياهو، في نهاية أيلول / سبتمبر بواشنطن، ويتم خلاله توقيع اتفاق يقتصر على الجوانب الأمنية لتخفيف التوتر، وليس اتفاق سلام شامل في المستقبل القريب.
وعليه يبدو أن تصاعد الاعتداءات الإسرائيلية، ما هو الى تفاوض إسرائيلي بالنار، للحصول على مكاسب إضافية من الجولاني، مع الإشارة الى أن إسرائيل ومنذ 7 أشهر تحتل جبل الشيخ وشريطا أمنيا بعرض 15 كيلومترا في بعض المناطق جنوب سوريا، بمساحة 600 كم مربع.
فإلى متى سيبقى الجولاني يرهن سيادة بلاده وحريته وكرامتها بضمان بقائه في السلطة، ومن سيضمن له البقاء في السلطة أصلاً بعد حصول التوقيع؟!
الكاتب: غرفة التحرير