يعتبر الصحفي المتخصص بشؤون الطيران العسكري بيل سويتمان، في هذا المقال الذي نشره موقع "The strategist" التابع للمعهد الأسترالي للسياسات الاستراتيجية وترجمه موقع الخنادق الإلكتروني، أن الأسبوع الماضي كان حافلاً بالأحداث. من قرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب تسمية وزارة الدفاع لتصبح "وزارة الحرب". وفي المقابل الصين التي نظّمت عرضاً عسكرياً ضخماً وجولة جوية مبهرة، هدفها الواضح – بحسب سويتمان - التأكيد أن قواتها المسلحة قد بلغت مستوى التكافؤ التقني مع الولايات المتحدة الأمريكية وربما تجاوزتها. واستدلّ سويتمان على هذا الأمر، من خلال استعراض بعض التفاصيل المهمة في العرض العسكري الصيني.
النص المترجم:
كان الأسبوع الماضي حافلاً بالأحداث. فقد أعاد الرئيس الأميركي دونالد ترامب تسمية وزارة الدفاع لتصبح "وزارة الحرب". وفي بكين، نظّمت الصين عرضاً عسكرياً ضخماً وجولة جوية مبهرة، هدفها الواضح التأكيد أن القوات المسلحة الصينية باتت قد بلغت مستوى التكافؤ التقني مع الولايات المتحدة وربما تجاوزتها.
رسالة بكين لم تمرّ مرور الكرام على معهد ميتشل التابع لجمعية القوات الجوية الأميركية، الذي أصدر الجمعة تقريراً يقارن بين قدرات سلاح الجو الأميركي ونظيره الصيني. اللائحة القاتمة من المقارنات – بما فيها الشكاوى المعتادة من شيخوخة أسطول المقاتلات الأميركية، وتقدير بأن الصين تنتج 120 مقاتلة شبحية ثقيلة من طراز J-20 Chengdu سنوياً – اختُتمت بالدعوة إلى رفع إنتاج مقاتلات F-35 إلى 72 مقاتلة سنوياً للقوات الجوية الأميركية.
لكن الاحتمال ضئيل. فقد أنهى الأسبوع تقرير لموقع "بوليتيكو" يشير إلى أن المراجعة الاستراتيجية الجارية في البنتاغون ستركّز على التهديدات الداخلية ونصف الكرة الغربي، فيما يتم خفض أهمية الردع في مواجهة الصين.
في المقابل، أظهرت الصين في عرضها في 3 أيلول/سبتمبر أنها غير معنية مطلقاً بأن يتم ردعها. كان ذلك العرض بمثابة الظهور الأول في بكين للمقاتلة الشبحية الثانية J-35 Shenyang بنسختيها البرية والبحرية، وكذلك النسخة ذات المقعدين J-20S والنسخة المطوّرة J-20A، إلى جانب طائرة الإنذار المبكر KJ-600، وهي نسخة طبق الأصل تقريباً من طائرة E-2 الأميركية العائدة إلى 60 عاماً مضت. كما استعرضت الصين للمرة الأولى محركات توربينية محلية عالية الكفاءة على متن ثلاث طائرات نقل Y-20B.
على الأرض، برز السلاح الباليستي الجوي الضخم والفريد JL-1 المخصص للقاذفة H-6N، إلى جانب مجموعة من الطائرات المسيّرة القتالية بتصاميم مختلفة، بعضها تقليدي وبعضها عديم الذيل بالكامل.
المهم لم يكن العتاد وحده بل الرسائل السياسية والاستراتيجية. العرض لم يكن مجرد استعراض عضلات على الطريقة السوفياتية، بل كان إعلان تقدّم، ورسم ملامح استراتيجية، وعرضاً للتفكير الابتكاري.
على سبيل المثال، معظم تشكيلات المقاتلات قادتها طائرات الدعم: فالصين ترى القوة الجوية منظومة متكاملة لا تقل فيها طائرات الإنذار المبكر أو التزود بالوقود أهمية عن المقاتلات نفسها. مجموعات سلاح الجو قادتها طائرات التزود بالوقود وطائرات الإنذار المبكر من طراز KJ-500 وKJ-200 وطائرات الاستطلاع الإلكتروني والبحري.
أما مجموعة البحرية، فقد شملت مقاتلات J-15 محملة بمجسمات صواريخ PL-15 جو-جو بعيدة المدى، تسير خلف KJ-600، بينما قادت نسخ الحرب الإلكترونية من عائلة Shenyang Flanker تشكيلات J-20 وJ-35 في سلاح الجو والبحرية على السواء.
عملياً، يدعم هذا نظاماً قتالياً حيث لا تقتصر مهمة طائرات KJ المجهزة برادارات صفيف المسح الإلكتروني النشط (AESA) على الإنذار المبكر، بل تمتد إلى إدارة المعركة وتوجيه الصواريخ، فيما تملك طائرات الحرب الإلكترونية قدرة قريبة من المقاتلات على المناورة والسرعة رغم حمولتها الثقيلة.
أما المقاتلة J-20S، فتُعدّ مهمة لأنها – وفق محللين صينيين – مخصصة لدمج الطائرات المسيّرة ضمن التشكيلات المأهولة. كون المسيّرات المعروضة قابلة للاستعادة (وليس للاستخدام الانتحاري) يوحي بأن الصين تميل نحو هذا الاتجاه. وبالنسبة لها، لا تشكّل عمليات الانتشار والصيانة العقبات نفسها التي تواجه الولايات المتحدة، فالصين تملك مساحة شاسعة وبنية تحتية ضخمة ورثتها من أيام قواتها الكبيرة ضعيفة التجهيز ومقاتلات الـ"ميغ" المقلّدة.
القاذفة H-6 مختلفة بدورها. فتصميمها الأساسي قديم بقدم B-52 الأميركية، لكنها لا تزال تُنتج بنسخ مطوّرة قادرة على حمل صواريخ كروز أو الصاروخ الباليستي الجوي الضخم JL-1.
أما ظهور طائرات Y-20B فقد شدد على تطوّر آخر: نجاح الصين المتزايد في إنتاج محركات محلية عالية الأداء. وقد كان هذا تحدياً معقداً، ليس تقنياً فحسب، بل أيضاً بسبب اعتماد المحركات الغربية الحديثة منذ السبعينيات على سلسلة توريد ضخمة مدعومة بصناعة الطيران المدني – وهو ما تفتقر إليه الصين. لكنها رغم ذلك تحقق تقدماً ملحوظاً.
ومع هذا كله، فإن الابتكار في مجال الطيران الصيني يتسارع. إلى جانب الموارد الهائلة والالتزام الوطني، هناك سببان رئيسيان لذلك:
1)أن الجيش الصيني يمتلك رؤية واضحة للتطوير التكنولوجي، بحيث لم يُسمح لمشروع واحد باحتكار الموارد، ولم تُحصر تقنيات التخفي في مدرستين كما في الولايات المتحدة (مفهوم لوكهيد مارتن المشتق من F-117، ومفهوم نورثروب العائد إلى B-2.
2)منذ التسعينيات، انطلقت برامج طائرات عسكرية متعددة في الصين. حتى النسخ والتطويرات أمدّت المهندسين بخبرات ثمينة. هؤلاء المهندسون الذين تخرجوا في مرحلة خروج الصين من الماوية، أصبحوا اليوم في مواقع القرار.
على سبيل المثال، مصمم J-20 "يانغ وي" عُيّن مديراً للتصميم في "تشنغدو" بعمر 38 عاماً، بعد أن قاد تطوير المقاتلة JF-17 وعمل على J-10، ويبدو أنه خرّج العديد من التلاميذ الموهوبين.
وفي المقابل، يوصي معهد ميتشل – الذي يهيمن عليه ضباط أميركيون متقاعدون – بأن تراهن القوات الجوية الأميركية بالكامل على تصميم قديم هو F-35، وأن تلتزم مجدداً ببرنامج مقاتلة واحدة جديدة فقط هي F-47 فهل يبدو ذلك خياراً صائباً؟
بيل سويتمان صحفي مخضرم حائز على جوائز، ومدير تنفيذي في صناعة الطيران والفضاء. وهو مؤلف كتاب "حطام قطار بتريليون دولار: كيف حطمت طائرة إف-35 سلاح الجو الأمريكي".
المصدر: The Strategist
الكاتب: غرفة التحرير