الأربعاء 24 أيلول , 2025 12:36

انقسامات بنيوية في الكيان المستورد: تدخلات سعودية لاحتواء أزمة الرئاسي

منذ الإعلان عن تشكيل مجلس القيادة الرئاسي في أبريل/نيسان 2022، بدا واضحاً أن هذا الكيان لم يكن نتاج عملية سياسية يمنية داخلية، بل جاء بقرار وإخراج سعودي من الرياض، حيث جرى نقل صلاحيات الرئيس السابق عبد ربه منصور هادي إلى مجلس مكوّن من ثمانية أعضاء يمثلون قوى متنافرة في الأهداف والمشاريع. هذه الولادة التي جرت خارج حدود البلاد حملت معها بذور أزمتها البنيوية، إذ تأسس المجلس على قاعدة توافق هشّ مرتهن لإرادة إقليمية أكثر من استناده إلى تفاهمات وطنية.

هذا التأسيس الخارجي جعل المجلس يفتقد منذ البداية للشرعية الاجتماعية والسياسية في الداخل اليمني. فبينما رُوّج له باعتباره إطاراً جامعاً لإدارة المرحلة الانتقالية عسكرياً وسياسياً، سرعان ما ظهر الانسلاخ العميق بين أجندته التي وُضعت في الرياض وبين الواقع المعيشي والأمني والاجتماعي لليمنيين والجنوبيين تحديداً. فالمجلس لم يقدم حلولاً ملموسة للأزمات المتفاقمة: من انهيار الخدمات الأساسية وتردي الوضع الاقتصادي إلى التدهور الأمني في المناطق الخاضعة لنفوذه. هذه الفجوة العميقة غذّت حالة نقمة متنامية ضده، ليس فقط بسبب فشله في الإنجاز، بل لكونه يُنظر إليه باعتباره كياناً مستورداً لا يعكس الإرادة الوطنية.

من الناحية السياسية، تكشف الانقسامات الأخيرة حجم المأزق. فالمجلس ضم منذ البداية أطرافاً بمشاريع متناقضة: الانتقالي الجنوبي يسعى للانفصال واستعادة "دولة الجنوب"، بينما أطراف أخرى تسعى لإعادة إنتاج نفوذها التقليدي، في حين تحاول شخصيات مختلفة تكريس مكاسب شخصية على حساب أي مشروع جامع وطني. هذا الخليط جعل المجلس عاجزاً عن إدارة الخلافات داخله، حيث تكررت الأزمات وصولاً إلى قطيعة علنية وتوقف الاجتماعات لعدة أشهر.

الأزمة الأخيرة التي أثارها عيدروس الزبيدي بقراراته الانفرادية في وزارات وسلطات محلية ليست إلا مثالاً على الانفجار الداخلي. فقد تحولت تلك التعيينات إلى ساحة صراع على النفوذ داخل مؤسسات الدولة، بدل أن تكون إجراءات تنظيمية. الردود الغاضبة من بقية الأعضاء لم تعكس حرصاً على التوافق بقدر ما أبرزت حالة سباق غاضبة لإعادة تشكيل موازين القوى. اللافت أن الرياض سارعت لاستدعاء أعضاء المجلس في محاولة لاحتواء الأزمة، ما يوضح أن الحلول لا تزال تأتي من الخارج، بينما يبقى الداخل اليمني متفرجاً على إعادة توزيع الأدوار فوق أرضه.

هذه الحالة ليست مجرد انعكاس لصراع تقليدي بين قوى، بل لها تبعات مباشرة على حياة الناس. فشل المجلس في تحسين الأوضاع الاقتصادية والأمنية عزز الإحباط العام، بينما انشغاله بالمحاصصة والصراعات الداخلية كشف أن أولوياته لا تمت بصلة لهموم اليمنيين. وبدل أن يكون إطاراً لتوحيد القرار، تحول إلى عنوان للشلل والتعطيل، مع غياب شبه دائم لستة من أعضائه وتآكل القدرة على اتخاذ قرارات مشتركة.

يمكن القول إن المجلس يمثل نموذجاً لفشل "الهندسة السياسية الخارجية"، حيث تُفرض صيغ فوقية لا تنبع من الداخل الوطني. هذه الصيغ قد تخلق توازناً شكلياً في البداية، لكنها سرعان ما تنهار أمام واقع الاختلافات العميقة والمصالح المتضاربة. وهو ما يفسر أن الخلافات داخل المجلس لم تكن طارئة، بل ملازمة له منذ لحظة التأسيس.

السيناريوهات المطروحة أمام المجلس تبدو محدودة. فإما استمرار التماسك الهش تحت وصاية إقليمية إلى حين نضوج تسوية سياسية برعاية خارجية، وإما تفكك فعلي يفتح الباب على مزيد من التعقيد والفوضى. في كلا الحالين، يظل العامل الغائب هو القدرة على إنتاج مشروع يمني خالص يعكس أولويات الداخل لا إملاءات الخارج.

أن مجلس القيادة الرئاسي يقف اليوم على المحك، لا بسبب قرارات متفرقة أو خلافات شخصية فحسب، بل لأنه كيان تأسس خارج سياق الإرادة الوطنية. ومع اتساع الهوة بين أجندته المفروضة وبين واقع اليمنيين المعيشي والأمني، يتآكل ما تبقى من رصيده السياسي والاجتماعي. والنتيجة أن المجلس، الذي قُدّم كأداة لإدارة المرحلة الانتقالية، بات في نظر قطاعات واسعة عبئاً إضافياً على المشهد، أكثر مما هو مدخل لحل الأزمة اليمنية.


الكاتب: غرفة التحرير




روزنامة المحور