في الذكرى السنوية الأولى للحرب التي شنها الاحتلال الإسرائيلي على لبنان، واغتال خلالها الأمين العام لحزب الله الشهيد السيد حسن نصر الله، إلى جانب عدد من القيادات العسكرية في أيلول/ سبتمبر 2024. وأعلن بعدها الأمين العام الجديد الشيخ نعيم قاسم عن انطلاق معركة "أولي البأس" التي كان هدفها إلى جانب إسناد غزة الدفاع عن لبنان وشعبه بسبب الحرب المباشرة عليه. خلال هذه الفترة، تمكنت المقاومة من الحفاظ على قوتها العسكرية وروحها القتالية، رغم غياب القائد الذي شكل الأب الروحي لهذه الحركة، ونجحت في الاستمرار بحرب أولي البأس ضد العدو الإسرائيلي. هذه القدرة على الصمود أثارت اهتمام مراكز الدراسات الغربية والإسرائيلية، التي حاولت فهم بنية حزب الله التنظيمية واستنتاج كيفية التعاطي معه. ولفهم أسباب هذا الصمود، لا بد من العودة إلى المبادئ التي رسخها الشهيد السيد نصر الله والقيم التي زرعها في قادة ومقاتلي المقاومة.
لطالما كان كان السيد نصر الله وخلال مسيرته يركز على شرح مفهوم الشهادة كما يفهمها الأفراد والمجاهدين في حزب الله، وكما كان يقول: "الشهادة عندنا فوز، هي انتصار ليست هزيمة وليست موتاً وهذه هي نقطة قوة المقاومة". هذه الرؤية أعطت المقاومين قدرة على التعامل مع استشهاد أي شخص في موقع المسؤولية دون أن تهتز روحهم القتالية. وبعد استشهاد أي قائد كان السيد يوضح دائماً أن المسيرة ستستمر، وأن دماء الشهداء ستغذي أهداف المقاومة وتضمن استمرارها، وأن الاغتيالات لن توقف المسيرة. هذا التأسيس المعنوي والعقائدي شكل نقطة القوة الأساسية التي سمحت للمقاومة بمواجهة التحديات الكبيرة بعد فقدان قائدها.
الانضباط العسكري
أما السبب الأول لنجاح المقاومة في الحفاظ على انضباطها العسكري فهو الوعي الذي رسخه القادة في صفوف المقاتلين حول التعامل مع أي تصعيد من قبل العدو. هذا الانضباط لا يعتمد فقط على القوة المادية أو العدد، بل على القدرة على الرد غير المتماثل، والحفاظ على الصمود في البر والاشتباك، والتأقلم مع مختلف السيناريوهات العسكرية. استشهاد السيد نصر الله لم يكن هزيمة للمقاومة، بل شكل شحنة معنوية جديدة أطلقت قوة روحية في صفوف المقاتلين، ما دفعهم إلى الصمود بشكل أكبر والالتزام بمبدأ الاستمرارية في مواجهة العدو، مهما بلغت شراسة الهجمات. هذه التجربة أكدت أن المقاومة ليست مجرد جيش تقليدي، بل منظومة متكاملة تعتمد على الوعي المعنوي بقدر ما تعتمد على الاستراتيجية العسكرية.
المرونة والاستجابة
ثانياً، طبيعة حزب الله كحركة مقاومة متطورة أعطته القدرة على المرونة في التعامل مع أي تهديد أو ضربة محتملة. الحزب يمتلك خططاً جاهزة للتعامل مع كل التصعيدات، ويتيح للمقاتلين مجالاً للإبداع الفردي ضمن سقوف تنظيمية محددة، ما يضمن التنسيق والانضباط في الوقت نفسه. هذه الميزة، التي تجمع بين الانضباط والتنظيم من جهة، والإبداع الفردي والقدرة على التكيف من جهة أخرى، جعلت المقاومة قادرة على التعامل مع متغيرات الحرب دون أن تفقد القدرة على المبادرة أو الرد المناسب. وشاهدنا في الحرب الأخيرة وصول الطائرات المسيرة إلى منزل نتنياهو في قيسارية وهذا يعكس العمل ضمن البيئة التي ذكرت.
بالإضافة إلى ذلك، أثبت حزب الله أنه حالة فريدة من نوعها في المنطقة. ووجدت مراكز الدراسات الغربية والإسرائيلية نفسها دائماً أمام تحدٍ لفهم كيفية عمل حزب الله، وتحليل بنيته التنظيمية، ومعرفة أساليب اتخاذ قراره العسكري والسياسي. هذه الفهم العميق الذي يسعى إليه المحللون يدل على أن حزب الله نجح في بناء آليات داخلية تسمح له بالتكيف مع الظروف الصعبة والحفاظ على فعالية المقاومة في جو من التمويه والتضليل للعدو. هذه المرونة هي نتاج خبرة تراكمية وتخطيط طويل المدى، ما جعل الحزب قادراً على الحفاظ على استقراره الداخلي واستمرارية عملياته العسكرية.
في النهاية، يمكن القول إن نجاح المقاومة في الحفاظ على روحها العسكرية بعد استشهاد السيد نصر الله يعود إلى مجموعة من العوامل المترابطة: الرؤية المعنوية التي رسخها القائد حول الشهادة والانتصار، الانضباط العسكري المدعوم بالوعي الاستراتيجي، والمرونة التنظيمية التي تجمع بين الابتكار الفردي والانضباط المؤسسي. هذه العوامل، مع الدعم الشعبي والقدرة على التكيف مع التصعيدات المختلفة، مكّنت حزب الله من التعامل مع هذه المرحلة الصعبة بكفاءة عالية، وضمان استمرار المسيرة العسكرية والسياسية للمقاومة حتى مع غياب القائد النوعي لهذه المقاومة.
الكاتب: غرفة التحرير