الجمعة 26 أيلول , 2025 03:40

رواية النصر في معركة أولي البأس: الحلقة السابعة والأخيرة

لبنانيون يحيون الذكرى السنوية لاستشهاد السيد حسن نصر الله في منطقة الروشة

تظهر خلاصة المواجهة في معركة أولي البأس، أن المقاومة الإسلامية في لبنان - حزب الله مر بثلاث مراحل رئيسية خلال الحرب ضد الكيان المؤقت. المرحلة الأولى تمثلت بالصدمة الناجمة عن المفاجأة وشدة الضربات الأولى. تلتها المرحلة الثانية، حيث تم احتواء الصدمة وبدء التعافي عبر إعادة تنظيم القدرات الميدانية والقيادية وصولاً إلى المرحلة الثالثة التي شهدت التعافي واستعادة الحضور، وهو تطور يُعد سابقة في تاريخ الحروب الحديثة، إذ تمكنت قوة مقاومة من ترميم نفسها والانتصار في خضم حرب وجودية طاحنة.

على صعيد العمليات العسكرية، نفذت المقاومة الإسلامية منذ انطلاق معركة "طوفان الأقصى" في 8 تشرين الأول / أكتوبر 2023، مرورًا بمعركة "أولي البأس في 17 أيلول / سبتمبر 2024، وحتى المراحل الأخيرة للعدوان الإسرائيلي وفق بيانات غرفة العمليات، أكثر من 4637 عملية خلال 417 يومًا، بمعدل وسطي يقارب 11 عملية يوميًا. ومنذ انطلاق أولي البأس وحدها، بلغ عدد العمليات 1666 عملية، بمعدل يومي 23 عملية، شملت استهداف مواقع وثكنات عسكرية ومدنا ومستوطنات من الحدود اللبنانية - الفلسطينية حتى ما بعد تل أبيب، إلى جانب صد التوغلات البرية الواسعة داخل الأراضي اللبنانية.

وتميزت سلسلة عمليات "خيبر" بنقلة نوعية، إذ نُفذت 105 عمليات استراتيجية استهدفت للمرة الأولى قواعد ومراكز عسكرية إسرائيلية حساسة باستخدام صواريخ بالستية ودقيقة ومسيرات هجومية وصلت إلى عمق 150 كلم داخل أراضي فلسطين المحتلة. أما الخسائر الإسرائيلية منذ بدء التقدم البري في 1 تشرين الأول / أكتوبر 2024، فشملت مقتل أكثر من 130 جنديًا وضابطًا وبحسب بيانات المقاومة 900 قتيل، وإصابة نحو 1250 آخرين وتدمير 59 دبابة ميركافا، و11 جرافة عسكرية، وآليات مدرعة متعددة، إضافة إلى إسقاط 9 مسيرات. وهذه الحصيلة لا تشمل الخسائر داخل القواعد والمدن المستهدفة.

على المستوى الميداني فشل الجيش الإسرائيلي في تحقيق أهدافه البرية، إذ لم يتجاوز بلدات النسق الأول الحدودية ولم يتمكن من السيطرة الكاملة عليها. كما تكبد خسائر فادحة في محاولاته التقدم نحو بلدات النسق الثاني، وتحولت محاولات التوغل في البياضة وشمع إلى مقبرة للدبابات وجنود النخبة، تحت ضغط عمليات المقاومة الدفاعية. بالمقابل، حقق جيش الاحتلال الاسرائيلي "إنجازاً" تمثّل في تدمير البنى التحتية المدنية والزراعية، دون تحقيق أي مكسب عسكري في قرى الخط الأول.

واجه حزب الله وحيدا كيان الاحتلال الإسرائيلي المدعوم بشكل مباشر من الولايات المتحدة الأمريكية، عسكريًا واستخباراتيا وسياسيا وناريا، إلى جانب دعم غربي واسع، ما جعل الحرب أقرب إلى حرب كونية ضد المقاومة في لبنان. وعلى الرغم من ذلك، استطاعت المقاومة الصمود والتكيف وتحقيق الإنجازات الميدانية.

وأحد أبرز إنجازاتها كان، استعادة القيادة والسيطرة وأداء القوة الصاروخية وسلاح الجو المسير، اللذين كسرا احتكار العدو للتفوق الجوي وغيرا معادلات الاشتباك، وصمود المجاهدين على الحافة الأمامية. كذلك تمكنت المقاومة من تجاوز مرحلة الانكشاف وحماية ما تبقى من قياداتها، وتوقيف الاغتيالات، واستعادة القدرة على التواصل والتحكم والسيطرة والتشغيل.

إن استمرار المقاومة في الصمود وقدرتها على استنزاف العدو وإفشال أهداف الحرب المضمرة، وصولاً إلى مسارعة العدو نفسه لطلب وقف إطلاق النار أولاً، يُعد الإنجاز الأهم حيث منع الوصول إلى الليطاني أو تكرار سيناريو احتلال بيروت عام 1982 عبر الصمود البري المتماسك وإدارة المعركة بكفاءة عالية.

أخيرا، فإن صمود جمهور المقاومة وإيمانهم بخيارها واحتضانهم لها، إلى جانب التزامهم بوصية السيد الشهيد نصر الله بالثبات على طريق المقاومة، إلى تماسكهم قيادة ومجاهدين وشعبا، كانت عناصر حاسمة في تحقيق الإنجاز التاريخي. كما أن المجاهدين المخلصين العابدين العاشقين الثابتين المتولين لأوليائهم، والمتبرئين من أعدائهم، الأقوياء، الأشداء، المجهزين الموحدين، المنظمين، المطيعين المبتلين الفدائيين المؤثرين الداعين بالشهادة، الحسينيين هم الذين رسموا معالم الرواية ونتائجها التي وعدهم الله بها، وهي: "النصر من عند الله".

أمّا فريق الانهزام في عالمنا العربي والإسلامي، والذي اختار منذ عقود خيار الاستسلام والرضوخ لأمريكا وشريكتها إسرائيل، فيكفي أن يتأمل بما حصل مع قطر خلال العدوان الإسرائيلي عليها في 09 أيلول / سبتمبر 2025، وكيف تملّصت الإدارة الأمريكية برئاسة دونالد ترامب، من حماية الدولة التي تضم أكبر قاعدة جوية في منطقة غربي آسيا وربما في العالم ومن توجيه أي استنكار ضد إٍسرائيل بل عمد مسؤولوها الى الدفاع عن الكيان.

وعليه ما بين خيار المقاومة وخيار الانهزام، مهما كانت تضحيات وتحديات الأول، ستكون أكثر فعاليةً وأكثر تأثيراً واقعياً، بمعادلات القيم والمادّة أيضاً.


الكاتب: غرفة التحرير




روزنامة المحور