الخميس 25 أيلول , 2025 03:19

رواية النصر في معركة أولي البأس: الحلقة السادسة

مواطنون لبنانيون يتحدّون الاحتلال ويصلون الى قراهم

كشفت حرب أولي البأس عن نمط متغير في نتائج الصراع بين الكيان المؤقت وحزب الله، فبدل أن تؤدي الجولة إلى تفكيك بنية الحزب أو تقويض إرادته، استطاع حزب الله إعادة تأهيل نفسه كقوة صلبة مستمرة، مع قدرات ميدانية متقدمة ومرونة عالية في التكيف السياسي والعسكري. في المقابل عمل كيان الاحتلال الاسرائيلي وفق نموذج جولات الردع الهادف إلى تقويض إنجازات المقاومة في الحرب.

في فجر يوم الأربعاء 2024/11/27، وعلى عكس التوقعات الإسرائيلية، عادت العائلات اللبنانية إلى قراها في جنوب لبنان مرفوعة الرأس، في مشهد يبرز التناقض بين حالة المدنيين في الجنوب اللبناني ووضع المستوطنين في شمال فلسطين المحتلة، فعلى الرغم من عدم وجود مناخ" حربي" شمالي فلسطين كما هي الحال في لبنان، فإن العودة هناك كانت لا تزال غير مكتملة. وتبين أن من بين أكثر من 60 ألف مستوطن تم إخلاؤهم من مستوطنات مثل كريات شمونة (الأكثر تضرراً) ونهاريا وشلومي والمطلة، إضافةً إلى مستوطنات الجليل الأعلى لم يعد حتى حزيران / يونيو 2025.

تتجسد عناصر ثبات مجتمع المقاومة وقوته بصموده وصبره، في معركة "أولي البأس"، وشجاعته وإقدامه بعد انقضاء مهلة الستين يوما من وقف إطلاق النار، لتحرير قراه الأمامية باللحم الحي والصرخة العاتية، وصبره وعنفوانه عند استعادة جثامين أبنائه التي ذابت كالشموع العاشقة في أحضان تراب الأرض.

ولقد أظهر مجتمع المقاومة، رغم الخسائر الجسيمة والضغوط السياسية والإعلامية الداخلية، مواقف العز والإباء والثبات، والصبر والوفاء والعشق والولاء، بمعنويات عالية وثقة راسخة بوعد الله ونصره، ليبهر العالم بأسره. فبيئة المقاومة، كما خاطبها سيد شهداء الأمة، كانت ولا تزال أشرف الناس وأطهرهم، ولائقة بحمل الأمانة الإلهية، وبتحقق النصر الموعود على يديها، مواجهة أهداف كيان الاحتلال الاسرائيلي المتسلح بكل قدرات العالم المستكبر، ورافعين الرأس في كل المحطات. وسارع مجتمع المقاومة إلى لملة جراحه والتحضير لعملية الكشف عن الأضرار.

وفي العودة إلى الفجر نفسه وفي الحدود الشرقية للبنان، بدأت تحركات جماعة هيئة تحرير الشام وسقط النظام السوري بعد 12 يوما في 8-12-2024، ضمن مخطط إقليمي ودولي يهدف إلى قطع شريان الدعم الأساسي عن حزب الله ومنعه من إعادة ترميم قدراته العسكرية واللوجستية بعد الحرب، إذ رأت إسرائيل وحلفاؤها أن أي استقرار أو قوة متجددة في سوريا يشكل بيئة حاضنة لاستمرار فاعلية المقاومة وتطوير تسليحها. لذلك جرى العمل على ضرب سوريا سياسياً وأمنياً وعسكرياً لحرمان حزب الله ومحور المقاومة من العمق الاستراتيجي الذي وفرته له سوريا طوال العقود الماضية.

وضمن سلسلة استثمار العدوان، لجأ الاحتلال إلى إجراءات ميدانية واستخباراتية تمثلت بتمديد فترة الانسحاب المقررة لـ 60 يومًا مخترقا اتفاق وقف إطلاق النار والذي حدد أنه لا ينبغي أن تتجاوز الخطة المحددة والمفصلة للانسحاب والانتشار التدريجي في المناطق المحددة 60 يوماً. كما نفّذ الاحتلال توغلات إضافية واغتيالات وتدمير البنى التحتية في المناطق الحدودية، مع عمليات تضليل للمجتمع الدولي ومحاولة شرعنة برنامجه العدواني الجديد من خلال خرق تفاهمات القرار 1701 واحتلال التلال الخمسة: الحمامص، والعويضة، وجبل بلاط، واللبونة، والعزية. كما أراد الاحتلال والأمريكي فرض واقع ميداني جديد، فرغم وضوح الاتفاق وآلية تطبيقه، أبرما اتفاقا جانبيًا مُنح الإسرائيلي فيه "حرية الحركة في لبنان". وقد بلغ عدد الخروقات الإسرائيلية للسيادة اللبنانية أكثر من 4000 خرقاً حتى تموز / يوليو 2025.

في موازاة ذلك، تسير الإدارة الأمريكية في تنفيذ خطة "اليوم التالي" للبنان، بدءًا من الضغط لانتخاب رئيسي الجمهورية والحكومة بدفع سعودي، وصولاً إلى تعطيل إعادة الإعمار، وربطها بمطالب نزع سلاح حزب الله مع التهديد بسحب الغطاء والدعم المالي. كما تتكامل الضغوط الاقتصادية عبر استهداف مؤسسة القرض الحسن بتهم تبييض الأموال، إلى جانب حملة إعلامية نفسية مركزة لتشكيل بيئة رديفة تضغط على المقاومة وحاضنتها الشعبية. وتظهر في هذا السياق استراتيجية أمريكية شاملة، تعتمد على أدوات اقتصادية (حصار غير معلن شروط على المساعدات، ضغط من دول الخليج)، وعسكرية (إطباق استخباري، دعم الجيش، شرعنة الاعتداءات الإسرائيلية)، وسياسية التحكم بالتعيينات، تهدف إلى تقويض المقاومة وتفكيك علاقاتها الإقليمية، وتفريغ الدولة اللبنانية من قدرتها على الاستقلال في القرار.

يتبع


الكاتب: غرفة التحرير




روزنامة المحور