الثلاثاء 27 أيلول , 2022 04:18

محطات جدلية في مسيرة الداعية القرضاوي

الشيخ يوسف القرضاوي

أثارت وفاة الداعية الشيخ يوسف القرضاوي جدلاً واسعاً في الأوساط العربية، نظراً للحيثية التي يمثلها والتجربة الطويلة التي عايشها، كمؤسس للاتحاد العالمي للعلماء المسلمين، وراعياً -في بداياته- للحوار بين المذاهب الإسلامية. اذ ان التغيرات السياسية التي شهدها العقد الأخير تركت بصمة دامغة في مسيرته وشكّلت نقطة تحوّل أثّرت بشكل مباشر على شعوب المنطقة، والمسلمين خصوصاً الذين يتأثرون به وبالفتاوى الصادرة عنه.

ولد يوسف عبد الله القرضاوي في 9 أيلول/سبتمبر 1926 في قرية صفط تراب في مصر، ويعتبر من الشخصيات الفكرية البارزة في تاريخ حركة الاخوان المسلمين، التي انتسب إليها عام 1949.

عام 1977 قام بتأسيس كلية الشريعة والدراسات الإسلامية في قطر، وظل عميداً لها إلى نهاية العام الجامعي 1989-1990. كما شارك طوال عقود في إنشاء الكثير من الهيئات والمؤسسات الإسلامية في المجالات العلمية، والدعوية، والاقتصادية، والإعلامية. وله ما يقارب 170 كتاباً تناول فيها العديد من أبواب الشريعة والفقه والشعر والتصوف والأدب.

منتصف عام 2010، مُنع القرضاوي من دخول بريطانيا بسبب تأييده للعمليات في فلسطين والتي كان يصفها بـ "الاستشهادية".

لم يطل المقام هذا طويلاً، حيث شكّل الربيع العربي نقطة تحوّل في مسيرة القرضاوي. اذ ان التغيّر الذي حصل في مواقفه وآرائه، لم يقتصر على الفترة التي تلت مطلع العام 2011، بل عمد إلى التحول عن رؤيته فيما سبق من مسيرته. لسنا في صدد تقييم خلفيات هذا التحول واسبابه ونتائجه وتداعياته وآثاره على المنطقة وشعوبها، إلا اننا نعرض هنا بعضاً من مواقفه الجدلية التي اثارت انقساماً حاداً، بين مؤيد ومعارض حتى اعتُبرت مصدر تغذية للفتنة بين المذاهب الاسلامية ولا شيء غيرها:

-عام 2004 زار الداعية القرضاوي سوريا والتقى الرئيس بشار الأسد: انها "المرة الثالثة التي أزور فيها سوريا والمرة الأولى التي أزورها جهاراً نهاراً بعد أن زرتها مرتين متنكراً متخفياً، واحدة عام1952 والثانية عام 1972... تحيّة إلى الشعب السوري وتحيّتنا إلى القائد بشّار الأسد... سوريا هي التي وقفت لأميركا وقالت "لا"، لذلك قَنّنوا لها القوانين من أجل عقوبتها، ولكن إن شاء الله ستظلّ سوريا مرفوعة الرأس قوية الأساس"، ثم أشاد بحزب الله وقال: "قاد حزب الله في لبنان حرباً، كان بحمد الله هو المُنتصِر فيها، على ما يُسمّى القوّة التي لا تُقهَر والشوكة التي لا تُكسَر، وقد كُسِرَت هذه الشوكة أمام حزب الله ومَن أيَّده".

إلا انه عاد وأفتى عام 2011، بقتل الرئيس الأسد، وبجواز تدخّل حلف شمال الأطلسي "الناتو" لقتله. وأعلن فتوى "الجهاد بالنفس والمال والسلاح"، لقتال حزب الله، واصفاً إياه بحزب "الشيطان".

في 28 نيسان/ ابريل 2013 شكر القرضاوي الولايات المتحدة على تقديمها السلاح "للمقاتلين بقيمة 60 مليون دولار" وقال "اننا نطلب المزيد.. على امريكا ان تدافع عن السوريين وان تقف وقفة رجولة، ووقفة لله".

-21 شباط/ فبراير عام 2011: أفتى بقتل الرئيس الليبي معمّر القذافي: "من استطاع أن يقتل القذافي فليقتله ومن يتمكّن من ضربه بالنار فليفعل، ليريح الناس والأمّة من شرّ هذا الرجل المجنون".

-بعد 31 عاماً من منعه من الخطابة في مصر، أمّ صلاة الجمعة في ساحة التحرير بعد سقوط نظام حسني مبارك في 18 شباط/ فبراير عام 2011 وأيد "ثورات الربيع العربي" واصفاً إياها بأنها "منحة إلهية لتغيير مسار شعوبها"، وفي ازدواجية واضحة، أدان القرضاوي، بشدة الثورة الشعبية في البحرين وطالب باستخدام العنف لقمعها معتبراً انها "ثورة طائفية" مبرراً ذلك بأن غالبية المتظاهرين من المذهب الشيعي.

-2 كانون الأول/ ديسمبر 2013، استقال الشيخ القرضاوي من عضوية هيئة كبار العلماء في الأزهر، وبرر استقالته بالقول ان "الأزهر الآن أصبح غير الأزهر الذي بناه صلاح الدين الأيوبي ومن بعده، بعد أن أصبح يسير في الركاب، ويمسح الأعتاب، لكل فاجر كذاب". معتبراً في خطاب الاستقالة أن استقالته هي موقف "العلماء الأحرار". مهاجماً إمام جامع الأزهر، الشيخ أحمد الطيب، واعتبر منصبه "مغتصباً بقوة السلاح".

-تشرين الثاني/ نوفمبر عام 2016، تراجع الداعية القرضاوي عن فتوى الجهاد ضد إسرائيل في فلسطين، مبرراً ذلك بـ "زوال الضرورة". وهي الخطوة التي علق عليها، المتخصص بالشؤون العربية في القناة، تسيفي يحزقيلي، بالقول إن "المستجدات التي أوجبت تغيير الفتوى لا تتعلق بوضع الفلسطينيين، وإنما نتيجة تراجع مكانتهم لدى دول الخليج والتغيير الذي حدث فيها". فيما أفتى بنقل العمليات "الاستشهادية" من فلسطين إلى دمشق!.

-27 كانون الثاني/ يناير 2016: نقلت صحيفة الشرق الأوسط عن الداعية القرضاوي قوله أنه: نادم على سنوات قضاها في محاولة التقريب بين السنة والشيعة"... وأضاف "إن علماء السعودية أنضج منه في موقفهم من الشيعة... وفكرة التقريب صبّت لصالح الشيعة ولم يستفد السنة منها شيئاً" وفق قوله.

-3 تشرين الثاني/ نوفمبر عام 2018 عقد "اتحاد علماء المسلمين"، اجتماعاً في تركيا، ألقى الداعية القرضاوي -الذي يحمل الجنسية القطرية- خطاباً أسماه لقاء الوداع، وتنحى فيه عن رئاسة الاتحاد. وعرّج إلى القول -بعد احباط الرئيس التركي رجب طيب اردوغان للانقلاب ضده-: "الله مع الرئيس رجب طيب أردوغان وإخوانه، الله هو الذي شدّ إزرهم، وكتب نصرهم، وأنقذهم من شرور الآخرين، وتركيا اليوم تقوم العالم الإسلامي".

-1 كانون الثاني 2007 أدان الداعية القرضاوي إعدام الرئيس العراقي صدام حسين واعتبر محاكمته أميركية، مطالباً الامام السيد علي الخامنئي بالتدخل لمنع الفتنة في العراق ولحماية أهل السنة، فيما عاد وشن هجوماً لاذعاً على إيران واصفاً إياها "بأم الإرهاب" بعد الحرب الكونية التي شنت على دمشق بعد عام 2011. إضافة لمباركته احتلال تنظيم داعش الإرهابي للعراق، محرضاً "اهل السنة على الجهاد" والالتحاق بهم ضد "النظام الطائفي".

- اما حول العدوان السعودي الاماراتي الأميركي على اليمن، فلم يصدر عن الشيخ القرضاوي موقفاً يدين هذه الحرب، أو قتل الأطفال والنساء وارتكاب السعودية للفظائع والجرائم التي ترقى الى مستوى الإبادة، رغم انه لم تربطه علاقات جيدة مع السعودية، ورغم موقفه الرافض لنشر القواعد الأميركية في المنطقة.   

قناة الجزيرة منبر القرضاوي المفتوح

تقول منصةEuropean eye on radicalization  الأوروبية في تقرير نُشر في 29 نيسان/ ابريل عام 2019 إن "القرضاوي، أحد أكثر الدعاة السنة نفوذاً في العالم، قد نشر أفكاراً متطرفة لعقود عديدة تشكل أجزاءً رئيسية من الأسس الأيديولوجية للسلفية الجهادية، الاسم المناسب للحركة السلفية الجهادية. عقيدة التشدد العنيف التي تمارسها داعش والقاعدة والجماعات المماثلة. ولدى القرضاوي دور منتظم لنشر هذه الأفكار على قناة الجزيرة". ويمكن القول بأن الداعية، قد خاض إلى جانب القناة معركتها الإعلامية لإسقاط النظام في سوريا، التي تنطلق من المقاربة القطرية للأزمة حينها.

ثمة من يعتقد ان الحركة الإسلامية بمعناها الواسع التي تشمل مختلف التيارات (السنية)، كان عليها الاستفادة بشكل أفضل من التحولات الجيواستراتيجية التي شهدها القرن الواحد والعشرين، وتحديداً مع إعلان الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، القدس عاصمة لكيان الاحتلال، بغية شد عصب المواجهة التحررية. وبمعزل عن مناقشة حيثيات هذا الرأي، فإن المتابعة الحثيثة لوقائع ما جرى منذ الأيام الأولى للربيع العربي، وانقلاب بعض الدعاة على قضاياهم التي ألزموا بها أنفسهم، كالتراجع عن فتوى إجازة العمليات الاستشهادية في فلسطين، ووجوب نقلها إلى مكان آخر، يجعل من تفسير ما جرى أمراً يسيراً. ففي الوقت الذي كانت تشهد فيه "الامة الإسلامية" تحديات واسعة بشتى الدول، وبأمسّ الحاجة لخطاب الوحدة، كان الدكتور يوسف القرضاوي، الشخصية البارزة والأكثر الهاماً لهذه الحركات والجماعات، ينقل البندقية من كتف إلى آخر.

نعي القرضاوي

عقب وفاته تقدّمت العديد من الشخصيات البارزة من مختلف الدول بنعي الداعية القرضاوي. وجاء البعض منها وفاءً لمسيرته الأولى بوقوفه إلى جانب فلسطين، حيث قالت حركة المقاومة الإسلامية "حماس" في بيان لها: "إن منابر الأمة وساحاتها عرفت الشيخ القرضاوي، وشهدت له مؤسسات العام والتربية والتعليم في العالم، ووضع بصمته المميّزة، في مسيرة كل محافل الدفاع عن الإسلام".

حركة الجهاد الاسلامي: "لقد كرّس الفقيد الدكتور يوسف القرضاوي حياته مدافعاً عن القضية الفلسطينية ودعم حق الشعب الفلسطيني في المقاومة، وظل يتحدث عن فلسطين والقدس والأقصى في دروسه وخطبه ويجعلها في طليعة اهتماماته، حتى لقي الله".

الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين -في بيان- مؤسسه الشيخ يوسف القرضاوي، مؤكدًا أن "الأمة الإسلامية فقدت عالمًا محققًا من علمائها المخلصين".

نائب رئيس الوزراء القطري، محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، نعى القرضاوي بتغريدة على موقع تويتر قائلا إن الراحل "أفنى عمره في خدمة دينه وأمّته".


الكاتب: غرفة التحرير




روزنامة المحور