الجمعة 21 أيار , 2021 12:52

هزيمة إسرائيلية في المعركة الاعلامية

بالتوازي مع العدوان الاسرائيلي الميداني على غزة والقدس والضفة، وردود المقاومة على امتداد جغرافيا فلسطين ودول العالم، تبرز حرب من نوع آخر ساحاتها وسائل الاعلام المختلفة وفي طليعتها مواقع التواصل الاجتماعي وجوهرها بث الوعي حول حقيقة ما يجري وخلفياته ونتائجه وتداعياته على مختلف الصعد مقابل الدور الاعلامي الذي تقوم به الجهات الداعمة لكيان الاحتلال بدءً من الولايات المتحدة الاميركية التي تمسك بشكل كبير وتتحكم بعالم الانترنت والشركات الفاعلة فيه وصولا الى الادوار الاعلامية لمؤسسات تابعة لبعض الانظمة الخليجية والعربية.

لا شك ان الصراع الثقافي والتوعوي هو احد ابرز الادوار التي يجب التركيز عليها في العمل الاعلامي في الحرب الدائرة اليوم بين محورين احدهما تتزعمه واشنطن ومعها كيان الاحتلال الاسرائيلي وغيرها من الانظمة الغربية والعربية، مقابل محور المقاومة ومن معه من أحرار العالم لأي فكر او بلد او عقيدة انتموا، ففي حين نرى ان محاولات اميركية واسرائيلية متواصلة لتغيير المفاهيم وتبديل المصطلحات وخلق أعداء وهميين مقابل الاعداء الحقيقيين وكيّ الوعي في الفكر العالمي بشكل عام وإيهام الغرب بوجود مخططات معينة ضده او بالسعي لإظهار كيان الاحتلال الاسرائيلي كـ"دولة" مؤسسات وقانون، ولها المشروعية مقابل دول تحكمها الانظمة الاستبدادية في المنطقة، او وجود جماعات لها أفكارها وعقائدها التي لا تتواءم مع الفكر الغربي، مقابل كل ذلك نرى اعلام محور المقاومة وغيره من الجهات الاعلامية تؤدي دورا فعالا في تبيان الخداع الاميركي والاسرائيلي وتبيان الحقائق كما هي والبحث في ما وراء الاحداث للكشف عن المحرك والخلفيات لأي شيء قد يحصل في المنطقة والعالم.

خفض تصنيف فيسبوك بسبب فلسطين

وفي ظل العدوان الاسرائيلي على غزة لعبت شركات اميركية مثل فايس بوك وانستغرام وغيرها أدوارا غير نزيهة بالانحياز لكيان الاحتلال الاسرائيلي على الرغم من الفظائع والجرائم الواضحة والعلنية التي يرتكبها في قطاع غزة خاصة عبر استهدافه المنازل والابراج المدنية بما فيها مكاتب وسائل إعلام عالمية واقليمية في محاولة لمنع نقل حقيقة ما يجري في غزة، ما دفع الاحرار في العالم بمن فيهم في الوطن العربي والاسلامي لارسال تقييماتهم السلبية بوجه الشركات المنحازة للاحتلال بما يساعد على تخفيض تصنيفاتهم العالمية، وبالتالي انخفاض نسب الارباح التي يحصلون عليها على بعض المنصات وبشكل اساسي على موقع "غوغل"، وهنا يسجل لاعلام المقاومة في مختلف الدول حضوره الفعال لتبيان حقيقة ما يجري في القدس وحي الشيخ جراح وبقية الاراضي المحتلة، بالاضافة الى قيام انصار المقاومة ومحبي فلسطين لاستخدام حساباتهم الخاصة على مختلف المنصات لتوضيح ما يجري ولايصال الصوت الى العالم كله حول همجية كيان الاحتلال وممارساته المروعة.

ولا شك ان الشعب الفلسطيني قد لعب بصموده ومقاومته دورا فعالا في تجييش الرأي العام العربي والاسلامي وتحويل الأزمة والعدوان الى فرصة لاعادة تصويب الامور في مختلف الاتجاهات بالاضافة الى الاطلالات الاعلامية لقيادة المقاومة الفلسطينية التي تلعب دورا هاما في الحرب النفسية بمواجهة الاحتلال ومستوطنيه، وهنا لا بد من التأكيد على فشل كي الوعي وتحوير الحقائق على عدة مستويات:

الجيل الثالث في فلسطين يصنع النصر

على مستوى الداخل الفلسطيني: استطاع الشعب الفلسطيني والدور الاعلامي المقاوم على مختلف الساحات والوسائل الى اعادة قضيته الى واجهة الاحداث والى رأس الاولويات لدى كل المكونات الفلسطينية أينما كانت سواء في القدس او الضفة او الداخل المحتل وفي قطاع غزة اوحتى في دول الشتات سواء المحيطة بفلسطين او في مختلف دول العالم، حتى ان الامر وصل الى داخل الكونغرس الاميركي الذي صدحت فيه كلمات النائب الديمقراطية عن ولاية ميشيغان رشيدة طليب ممزوجة بدموعها وهي تستعرض جرائم القوات الإسرائيلية في غزة خلال جلسة للكونغرس، حيث كانت ترتدي الكوفية الفلسطينية، واللافت والمدهش ان من يتصدر المشهد الفلسطيني اليوم من حي الشيخ جراح الى اللد والناصرة وصولا الى غزة هم الشباب الفلسطيني ممن لم يتجاوزوا العشرين من عمرهم، هؤلاء من الجيل الثالث بعد "نكبة فلسطين" واحتلالها ممن راهن عليهم الاحتلال ان الزمن سينسيهم قضيتهم الأم وقضية الآباء والاجداد.

على مستوى الداخل الاسرائيلي: كل ما يجري في فلسطين اليوم أعاد الامور الى حقيقتها بأن هذا الكيان يعيش على أرض متحركة غير ثابتة ولا استقرار فيه مهما طال الزمن، وأن الرحيل عن فلسطين هو الأضمن لكل المستوطنين الذي استقدموا للعيش هنا وخدعوا بوعود الامن والامان والرفاهية والاستثمارات وغيرها من الاحلام الوردية التي رسمت لهم ليتركوا اوطانهم الحقيقية، والكذب الاسرائيلي مستمر حتى خلال العدوان عبر تصريحات القيادات السياسية او العسكرية التي وعدت ولا تزال تتحدث عن انجازات يتم تحقيقها على الارض، بينما الواقع يدل ان كل ما تفعله قوات الاحتلال هو إحداث اكبر رقعة ممكنة من التدمير بدون أي نتائج عملية سواء على قدرات المقاومة الصاروخية او على التحكم والقيادة والتواصل بين الرأس والقاعدة او على الاطلالات الاعلامية لقيادات المقاومة. 

سقوط صفقة القرن و عمليةالتطبيع

على مستوى العالمين العربي والاسلامي: ما يجري في الاراضي المحتلة اكد ان الشعوب العربية والاسلامية منحازة لفلسطين والقدس وترفض التطبيع مع كيان الاحتلال، وان من يقيم العلاقات معه هم قلة من الحكام والمستفيدين ممن يعتقدون ان تطبيع العلاقات قد ينفعهم سواء في البقاء لمدد طويلة على كراسيهم او في تحقيق صفقات وأرباح تضاف الى حساباتهم وأرصدتهم.

على مستوى العالم: ما جرى في القدس سواء بمحيط وداخل المسجد الاقصى او في حي الشيخ جراح عبر مواجهة الشعب الفلسطيني بـ"اللحم الحي" لآلة القتل والاعتداء الاسرائيلية ساهمت بمزيد من تعرية كيان الاحتلال القائم على ادعاءات غير واقعية، فهذا الكيان على الرغم من كل ما يرتكبه يحرص على الظهور بمظهر "الديمقراطي والمحب لحقوق الانسان" وغيرها من العناوين التي تهم الرأي العام الغربي، خاصة ان هذا الكيان يعيش على الدعم والمساندة الاميركية والغربية بشكل اساسي ولا يملك الدعم والمشروعية الشعبية الحقيقية، فهو إن فقد الدعم الرسمي من الانظمة الغربية سيفقد الكثير من قدراته وحضوره، ومن هنا يمكن فهم بعض الاصوات الرسمية الاميركية التي باتت تطالب بضرورة وقف العمليات العسكرية خاصة بعد ان اعطيت مهلة وعجزت عن تحقيق أي انتصار او انجازات بل بالعكس ساهمت بتهشيم صورة كيان الاحتلال عبر ما نشر من صور لمجازر ارتكبت بغزة او انتهاكات في القدس وغيرها من المناطق المحتلة.

واللافت ان الاصوات الفلسطينية تخرج من قلب القدس عبر شبان يحملون ايضا الجنسية الاميركية ومع ذلك يحاولون ايصال رسائلهم الى العالم بإظهار ان كيان الاحتلال هو كيان فصل عنصري قائم على التمييز ولا صدقية لمزاعمه حول احترام حقوق الانسان ايا كان عرقه او لونه او دينه.

وعن حقيقة هذا التمسك الفلسطيني بالقضية والقدس والأرض وبقية الحقوق وعلى رأسها حق العودة، تقول امرأة فلسطينية تعيش في لبنان ان الطفل الفلسطيني (اينما وجد في غزة او الضفة او القدس او بقية الاراضي المحتلة او في مخيمات الشتات في لبنان وسوريا والاردن او في بقية دول العالم) عندما يسأل انت من أين؟ يجيب من فلسطين، ولفتت الى ان أساس هذا الوعي هو ان الام الفلسطينية تزرع في طفلها وترضعه منذ صغره وتربيه على حب فلسطين والقدس، وهذا ما لا يمكن لأي قوة في العالم ايا كانت قدراتها الاعلامية ان تواجهه او تغيره لانه حب ينشأ ويترعرع ويكبر مع الانسان حتى موته، ففلسطين مع اولادها وفي قلوبهم وعقولهم من المهد الى اللحد.


الكاتب: غرفة التحرير




روزنامة المحور