الثلاثاء 25 أيار , 2021 04:12

فائض القوة لدى حزب الله

دائماً ما تقاس قوة الدول، ومدى قدرتها على التأثير في صناعة السياسات العالمية، من خلال القوة العسكرية لهذه الدولة. فكيف إذا كان موضوع القياس، هو "حزب الله" الذي يمتلك جناحاً عسكرياً، خاض المقاومة ضد الاحتلال الإسرائيلي بجدارة، فحقق اول انتصار عربي على كيان الاحتلال عبر التحرير عام 2000. ثم اتبعه بانتصار في تموز 2006، عندما منع هذا الكيان عبر قدرات وتكتيكات متطورة، تماثل ما تمتلكه جيوش الدول، من الانتقام وإعادة لبنان والشرق الأوسط إلى الوصاية الأمريكية المباشرة (مشروع الشرق الأوسط الجديد لرئيس أمريكا وقتها جورج بوش).

ما أدى إلى تطور في أدوار حزب الله، وجعله لاعباً إقليمياً يشارك في وضع السياسات في المنطقة. فكانت مشاركته الاقليمية الأولى، حينما ساند الجيش السوري في التصدي للجماعات الإرهابية التي غزت بلده. وبرزت حينها قدرات الحزب العسكرية بشكلها الكامل، متمكناً في فترة قصيرة من إثبات قدرته على الجمع بين تكتيكات حرب العصابات وتكتيكات الجيش الكلاسيكي. وبالتزامن مع تواجده في سوريا، شارك بدور عسكري استشاري في العديد من الدول الأخرى كالعراق، لمساعدته على تحرير المناطق التي احتلها تنظيم داعش عام 2014.

هذا الحضور الإقليمي زاد من قوة وتأثير الحزب الإستراتيجي، بل أصبح لديه فائض قوة كبير، نسبة الى حجم وقدرات الأحزاب الأخرى في لبنان. لكن على الرغم من وجود هذا الفائض عند الحزب، والذي يمكنه من فرض السياسات الداخلية التي يريدها بكل سهولة، نجد أن الحزب لم يستعمله لذلك، بل يظهر كلاعب ثانوي لا يستطيع فرض آراءه حتى على أقرب حلفاءه. حتى أن البعض من البيئة الشعبية الحاضنة له، يستغرب عدم استخدامه لهذا الفائض ليحكم مباشرة أو أقله ليفرض سياساته على أجهزة الدولة، في مواضيع مختلفة مثل مكافحة الفساد أو حتى في تشديد أحكام العقوبات، على عملاء "إسرائيل" (قضية العميل عامر الفاخوري).

القوة للعدو فقط، أما في الداخل فالأولوية للسلم الأهلي وبناء الدولة

لا ينطلق حزب الله في ممارسته السياسيّة من مصالحه الضيقة كحزب أو مصلحة مؤيديه، بل من الأهداف التي يجتمع عليها كل لبناني. فهو لا يسعى أصلاً للإبقاء على سلاحه، بل يهمه قيام الدولة القوية والعادلة، التي تقوم بواجب حماية الشعب والارض، حتى وإن كان قيامها سيعني تخليه عن سلاحه. فقد أعلن الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله سابقاً، أن المقاومة مستعدة لتسليم سلاحها فقط، للدولة القوية القادرة على حماية الوطن كله. وبما أن هذا المسار طويل حتى يتحقق هذا الهدف، فإن الحزب يحصر وظيفة سلاحه (قوته)، في حماية لبنان من الاخطار الإسرائيلية، أما في الشؤون السياسية فيحتكم لما يجمع عليه كل الشعب، وهو النظام الديمقراطي. حتى أنه لم يتدخل في موضوع مفاوضات ترسيم الحدود البحرية، وما يشكله من ملف سيادي، مؤيداً كل ما تقره الدولة بمؤسساتها وسلطاتها، معلناً جاهزيته للمساعدة متى طلبت منه ذلك. فسلاح المقاومة يشكل عامل ردع لكيان الاحتلال، من أن يفكر بالاعتداء على هذه الثروات.

أما في المواضيع الداخلية والخلافية، فإن حزب الله يشجع على أن يكون الحوار بين جميع الأطراف هو المسار. فالحوار سيؤمن السلم الأهلي، كما أنه سيشجع على قيام حياة سياسية ديمقراطية تكفل تنوع الآراء، وتحتكم إرادة الشعب.


الكاتب: غرفة التحرير




روزنامة المحور