الإثنين 14 حزيران , 2021 02:46

يائير لابيد...من مقدم برامج إلى وزير خارجية الاحتلال

يائير لبيد وزير خارجية الاحتلال

مع انخراطه في عالم السياسة، وبعد نحو 10 سنوات، يواصل يائير لبيد مسيرته السياسية، خصوصا بعدما كلفه الرئيس الإسرائيلي، رؤوفين ريفلين، بتشكيل الحكومة المقبلة في الخامس من شهر أيار المنصرم، بعدما أخفق نتنياهو في المهمة.

حدد لبيد لنفسه هدفا معلنا هو طرد رئيس الوزراء الأطول عهدا في تاريخ كيان الاحتلال من منصبه، بعدما وُجهت إليه التهمة في قضية فساد. وعشية الانتخابات لم يتردد يائير لبيد في انتقاد حزب الليكود، حيث قال "هناك خياران فقط، إما حكومة يش عتيد قوية، أو حكومة مظلمة وعنصرية ستأخذ أموالا من العاملين وتحولها لمن لا يعملون". مضيفًا "حكومة الوحدة ليست حلا وسطا أو الملاذ الأخير، لكنها هدف. هذا ما نحتاجه".

فمن هو يائير لبيد؟

"يائير لبيد، مذيع إخباري ومذيع تلفزيوني سابق، يدخن السيجار، ويصفف شعره المجعد إلى الحد الذي أصبح علامته التجارية وغالبًا ما يحاول الظهور على أنه بارد أو صعب" بهذه العبارات تصف الصحافة العبرية يائير لبيد.

هو مقدم البرامج التلفزيونية السابق ومؤسس حزب "هناك مستقبل" الوسطي، هو الزعيم السياسي الذي تسامى بذاته أكثر من أي زعيم آخر ليشكل الائتلاف الذي سيتناوب فيه منصب رئاسة الوزراء مع منافسه السابق وشريكه الحالي من الجناح اليميني، نفتالي بينت، القومي المتدين المؤيد لإقامة المستوطنات. وتقوم سياسة لبيد على التقليل من أهمية الأيديولوجيا حيث تركز على العمل البراغماتي المجدي وتعمل على استعادة صحة المؤسسات الديمقراطية في "إسرائيل" التي تضررت كثيراً في عصر نتنياهو.

النشأة:

ولد لبيد في 5 تشرين الثاني من عام 1963 في تل الربيع (تل أبيب حسب المصطلح الإسرائيلي)، وهو يتمتع بمهنة غير نمطية، بعيدًا عن الجامعات الكبرى ومآثر الأسلحة. جاء لبيد من خلفية ميسورة، ذهب إلى مدارس الإعدادية، حيث التحق بالمدرسة الثانوية في قاعة الألعاب العبرانية في هر تسليا، لكنه كان يعاني من صعوبات التعلم، والتي كما يقول، كانت سبب تركه المدرسة الثانوية من قبل الحصول على شهادته.

نشأ لبيد في كل من تل أبيب ولندن، فكان منزل طفولته في تل أبيب في حي ياد إلياهو، في مبنى سكني يعرف باسم "مقر إقامة الصحفيين"، حيث كان العديد من الصحفيين البارزين يعيشون هناك. كما بدأ خدمته العسكرية الإلزامية في قوات الاحتلال الإسرائيلية اللواء ٥٠٠ (سلاح المدرعات).

مسيرته الإعلامية

خلال سنوات طويلة عمل يائير لبيد صحفيا، مقدم برامج تلفزيونية، منتجا وأديبا، حيث أصدر 12 كتابا احتلت صدارة المبيعات في الكيان، برز من بينها "ذكريات بعد موتي" الذي يتناول سيرة حياة والده.

في عام 1988، تم تعيينه محررا لصحيفة إيتون تل أبيب المحلية الصادرة عن مجموعة يديعوت أحرونوت. وبدأ في كتابة عمود أسبوعي في عام ١٩٩١ بعنوان "أين المال" في ملحق نهاية الأسبوع من صحيفة معاريف، ونشر مقالات في مجلات أدبية، ثم في وقت لاحق عمل لصالح يديعوت أحرونوت، الأوسع انتشارا بين الصحف الإسرائيلية، ما سمح له أن يصبح اسمه معروفا في كيان الاحتلال.

بدأت مسيرة لبيد في البرامج الحوارية التلفزيونية مع تقديمه لبرنامج شعبي مسائي على القناة الإسرائيلية الأولى عام 1994، ولاحقا برامج حوارية على القناة الثانية والثالثة من العام 1999 حتى عام 2012.

دخوله الساحة السياسية

في الثامن من كانون الثاني عام 2012، أعلن لبيد أنه يعتزم اعتزال الصحافة المهنية لدخول السياسة وتأسيس حزبه "يش عتيد" (هناك مستقبل)، حيث اتهمه منتقدوه باستغلال شعبيته كمقدم برامج ناجح لكسب تأييد الطبقة الوسطى. الأمر الذي جعل الكنيست يناقش مشروع قانون يطلق عليه "قانون يائير لبيد"، والذي يهدف إلى إلزام الصحفيين بالانتظار ستة أشهر بين الخروج من الصحافة والدخول في السياسة.

اختار لبيد عقد المؤتمر التأسيسي الأول لحزب "يش عتيد" في مستوطنة "آرييل"، ثاني أكبر المستوطنات في الضفة الغربية، ليعلن برنامجه الانتخابي. وفي ذلك رسالة سياسية واضحة تعكس فحوى برنامجه الحزبي الذي تبنّى الدفاع عن "حق المستوطنين في البناء في التجمعات الاستيطانية الكبيرة"؛ فأعلن دعمه لدفع عجلة المفاوضات مع الفلسطينيين، وأيّد حل الدولتين، وأن تكون "الدولة الفلسطينية" منزوعة السلاح، بالإضافة إلى إبقاء الكتل الاستيطانية تحت السيطرة الإسرائيلية، واعتماد التعويض المالي بدل حق عودة اللاجئين الفلسطينيين، والحفاظ على القدس عاصمة موحدة لـ "إسرائيل".

خاض "يش عتيد" أوّل انتخابات كنيست عام 2013، وفاز بـ 19 مقعداً، ليصبح ثاني أكبر حزب في الكنيست. ورغم أن الحزب يعتبر نفسه وسطياً، إلا أنه سرعان ما انخرط في حكومة برئاسة بنيامين نتنياهو التي يسيطر عليها اليمين الاستيطاني، فحصل على حقيبة وزارة المالية. وعمل لبيد خلال وزارته على زيادة ميزانيات الاستيطان.

في العام 2014 طرد نتنياهو كل من وزير المال يائير لبيد ووزيرة العدل تسيبي ليفني بسبب الخلافات حول إجراءات الميزانية والمستوطنات ومشروع قانون القومية اليهودية الإسرائيلية المثير للجدل، الأمر الذي أدى إلى حدوث انقسامات داخل الائتلاف آنذاك.

في العام 2015، خاض حزب "يش عتيد" الانتخابات للمرة الثانية ليخسر سبعة مقاعد ويصبح رابع أكبر حزب في الكنيست. ورد لبيد على النتائج بشكل إيجابي، معتبرا أن أداء الحزب في الانتخابات يشير إلى أن "يش عتيد موجودة لتبقى". خلال السنوات التي تلت، ظل لبيد شخصية رئيسية في المعارضة، فهو لم يركّز بشكل أساسيّ على مهاجمة رئيس الحكومة والحزب الحاكم، وإنما يتخذ خطوات لتوسيع قاعدة لكسب تأييده وتأييد حزبه، في محاولة منه للمنافسة على منصب رئاسة الحكومة.

في العام 2018، ومع انهيار حكومة نتنياهو، ذهبت "إسرائيل" إلى انتخابات مبكرة ليتحالف كل من لبيد وبني غانتس لتشكيل حزب أزرق أبيض، بهدف إزاحة نتنياهو عن رئاسة الحكومة. لكن بعد انضمام غانتس إلى حكومة وحدة الطوارئ بقيادة نتنياهو، انقسم حوالي نصف أعضاء أزرق-أبيض، بما في ذلك لبيد، ودخلوا المعارضة تحت اسم يش عتيد-تيلم.

في انتخابات آذار 2021 خاض حزب يش عتيد الانتخابات بشكل منفصل عن حزب أزرق أبيض وتفوق على حزب غانتس كثيرًا، لكنه جاء في المركز الثاني بفارق كبير عن حزب الليكود.

الأيديولوجيا والفكر

يُعرف لبيد بأنه وطني، ليبرالي، علماني، يتعرض لانتقادات في الأوساط اليهودية الأرثوذكسية.

لوحظ لبيد في أكثر من مرة وهو يصرّح تصريحات متناقضة، وكذلك كثيرا ما اتضح أن بعض الحقائق التي عرضها كانت خاطئة أو كاذبة. قيل أيضًا في الانتقادات الموجهة ضده أنّه يتجنّب اتخاذ خطوة حقيقية في المواضيع المهمّة مثل قضية الدولة الفلسطينية ويتجنّب التصريحات الشديدة التي من شأنها أن تجعله متضامنا مع جمهور معيّن ومثيرا للعداوة بينه وبين جمهور آخر. إنه المرشح الذي لا يتمتع بخبرة سياسية ولا تعليم يمكن الحديث عنه، والرصيد الوحيد الذي يتمتع به هو سنواته العديدة في عالم الشهرة، فـ "يائير"، هو التجسيد النهائي لمجال سياسي مهووس بالنجومية.

يجسد لبيد نموذج الإسرائيلي الجديد، حيث يعتمد -منذ أن انتقل إلى السياسة- على وسائل التواصل الاجتماعي إذ يحرص على التواصل مع أتباعه على صفحة "فايسبوك" الخاصة به، حتى أصبح محط انتقاد السياسيين الإسرائيليين أنه يدير وزارة المالية من خلال "فيس بوك" ولا يحضر الجلسات المهمة في البرلمان، خاصة تلك التي تطالب المعارضة الإسرائيلية بإقامتها لاستجوابه على أدائه. ومما جاء في صفحة "فايسبوك" الخاصة بلابيد عن رؤيته الاجتماعية، متأثرا بالاحتجاجات الشعبية التي ظهرت في كيان الاحتلال عام 2011، "السنوات الأخيرة أوضحت لنا (الإسرائيليين) انه يتعين علينا أن ننشئ بنية جديدة للتعايش المشترك، لا تستند فقط إلى ضرورة الصمود في وجه أعدائنا... يجب علينا بناء نظام مدنيّ جديد".

يسعى لبيد لنشر تعليقات مؤثرة تؤيد جنود الجيش الإسرائيلي، كما وينجح مرارا وتكرارا في التوجه إلى فئات أوسع وأكثر اعتدالا، بالإضافة، إلى إثارة إعجاب الكثير من المتصفّحين في إسرائيل بفضل موهبته وقدرته على الكتابة. كما يكثر لبيد من التجوّل في العالم، وقد حظي باللقب الساخر "وزير خارجية نفسه"، في أعقاب الأنشطة الإعلامية التي يعمل عليها لصالح إسرائيل.

أبرز تصريحاته

- "لقد اختل التوازن المقدس بين اليهودية والديمقراطية، بين إسرائيل كدولة قومية لليهود والقدرة على التعددية، والاستماع، والاحترام، بشكل رهيب في العامين الماضيين وخاصة مع الهيمنة الكاملة لهذا الحكم المتطرف المتشدد".

- "الفصل يعني حل الدولتين، إنه مجرد فعل انفصال باتجاه حل الدولتين. هذا هو الشيء الوحيد المعقول، الحقيقي الوحيد القابل للتنفيذ. إليكم سبب اختلافي عن اليمين الإسرائيلي وعن اليسار الإسرائيلي، أنا أختلف عن اليمين الإسرائيلي لأنني أقول حل الدولتين؛ يجب أن يحصل الفلسطينيون على اعتراف بأنفسهم، أعتقد أنه أكثر أمانًا للإسرائيليين، لا أريد أن يظل أطفالي عالقين مع ملايين الفلسطينيين غير السعداء".

-" نحن بحاجة إلى المضي قدمًا في حل الدولتين. ستكون هاتان الدولتان، دولتين مستقلتين، واحدة بها أقوى جيش في الشرق الأوسط، والأخرى منزوعة السلاح تمامًا. سوف يكون هناك صراع بين هذين البلدين حول قضيتين رئيسيتين، إحداها القدس، لأننا لن نوافق على تقسيم القدس لنفس السبب الذي يجعل الولايات المتحدة لن توافق على تقسيم واشنطن؛ وبالطبع لن نوافق على حق العودة".

- "هناك انتخابات في إيران في شهر حزيران، قد يفقد الإصلاحيون سلطتهم، لكن هذا ليس من شأننا. ما نريده هو أن يكون الإسرائيليون آمنين أينما كانوا، وألا تتعرض إسرائيل للهجوم دون رد إسرائيلي قوي."

- "لا يمكن لإسرائيل تجاهل طلب وقف عملية حارس السوار، ونواجه تحديات أخطر بكثير من غزة، وهي إيران والاتفاق النووي والتوتر في سوريا وتفعيل دور "حزب الله"، وكل ذلك ينتظرنا في المستقبل، ونحتاج في كل هذه المسائل إلى التنسيق الوثيق مع الأمريكيين".

- "الأطفال في الشمال موجودون في ملاجئ لسبب واحد: لأن بيبي [نتنياهو] انتهك سياسة الغموض الناجحة قبل الانتخابات، هذا ما يحدث عندما يلعب رئيس الوزراء السياسة على حساب الأمن".

- "هناك حاليا نحو ألف شخص يحفرون أنفاقا إرهابية في قطاع غزة، بعضها تحت الحدود وإلى داخل إسرائيل".

- "الاستفزازات وخروقات القانون الدولي والاستعدادات تحدث كل يوم من قبل حماس في الجنوب وحزب الله في الشمال بدعم إيراني".

- "إيران ليست ديمقراطية، إيران ليست ضحية الإرهاب، لكنها الدولة التي تمول وتسلح حزب الله في لبنان، والحوثيين في اليمن، والجهاد الإسلامي الفلسطيني، وقائمة طويلة من المنظمات الإرهابية الأخرى. لا تظهر إيران "حسن النية والنوايا السلمية"، لأنها لو فعلت ما كانت سترسل الحرس الثوري لمساعدة الديكتاتور السوري بشار الأسد في قتل أكثر من نصف مليون شخص في سوريا وخلق أكثر من 11 مليون لاجئ من خلال استخدام البراميل المتفجرة والأسلحة الكيماوية".

- "إيران ليست مهتمة "بتعزيز السلام والاستقرار والتقدم والازدهار في المنطقة" لأن المرشد الأعلى علي خامنئي، وصف إسرائيل في وقت سابق من هذا العام بأنها "ورم سرطاني" و "كيان مزيف" يحتاج إلى أن يتم تدميرها. وفي مناسبة أخرى أعلن أن إيران ستدعم كل من يهدف إلى "محو إسرائيل من الخريطة".

- "وقعت إيران على خطة العمل المشتركة لأن العقوبات كانت تهدد بتدمير اقتصادها وإضعاف نظام آية الله. لو أرادت إيران الاستقرار الإقليمي، لما اكتشفنا في عام 2002 أن إيران بنت مفاعلين نوويين سريين في نطنز وأراك. كما أننا لم نتعرض لتقرير الوكالة الدولية للطاقة الذرية لعام 2011 الذي أوضح أنه في انتهاك لجميع الاتفاقيات التي وقعتها إيران، استمرت في تخصيب اليورانيوم وإجراء التجارب التي كان هدفها الوحيد هو تطوير سلاح نووي. قد تكون هذه حقيقة غير مريحة، لكنها على الأقل الحقيقة."

- "المشكلة المركزية مع النظام الإيراني أنه لم يغفل، ولو للحظة، عن الرغبة في التحول إلى قوة نووية مهيمنة وبث الفوضى في الشرق الأوسط. أعضاؤها لاعبون متطورون ولذا فهم يفهمون أن الطريق إلى تحقيق طموحاتهم لا يمر فقط من خلال مفاعلات تحت الأرض، ولكن أيضًا من خلال مجالات الإعلام والدبلوماسية. هذه طريقتهم في شراء الوقت وتقوية مركزهم، ولن يتوقفوا حتى يتم إيقافهم."


الكاتب: غرفة التحرير




روزنامة المحور