الجمعة 09 تموز , 2021 04:05

الحصار الأميركي وتجويع اللبنانيين.. الأسلوب والأدوات!

لا يختلف اثنان ان لبنان يتعرض لحصار اقتصادي من قبل الإدارة الاميركية أوصل البلد الى الانهيار وأفقر الشعب اللبناني، ولهذا الحصار أسبابه وأدواته، فالأسباب واضحة لا تخفيها واشنطن، وهي تتعلق بمحاربة المقاومة و"خنق" بيئتها اقتصاديًا في محاولة لتجييشها على حزب الله، خاصة ان هذه الحاضنة الشعبية أثبتت لسنوات طويلة أنها متلاصقة تمامًا مع المقاومة، وتتماهى معها في التضحيات لا فرق بينها وبين الشهداء والجرحى وعوائلهم.

والإدارة الاميركية تسعى من وراء كل ذلك للوصول الى غايات ومصالح تتمحور حول تحقيق ما عجزت عنه بالحروب العسكرية والأمنية، فكانت الحرب الاقتصادية هي عنوان المرحلة لعلها تستطيع من خلالها "دق إسفين" بين المقاومة وشعبها وبين المكونات اللبنانية المختلفة، ومن ثم الوصول الى زيادة مكاسب واشنطن في الداخل اللبناني ولو اضطرها ذلك في الفترة المقبلة للتخلي عن بعض او كل حلفائها من الطبقة السياسية.

أما عن الأدوات والوسائل التي تمتلكها الادارة الاميركية وتجعلها لاعبًا اساسيًا ومحركًا لكل ما يجري من أزمات معيشية وحياتية في لبنان، فيمكن الاشارة الى ان:

-الإدارات الأميركية المتعاقبة هي حليفة غالبية أهل السياسة والاقتصاد من الفاسدين في لبنان، لا سيما منذ ما بعد اتفاق الطائف وحتى اليوم.

-ان اميركا حليفة أساسية للأنظمة الخليجية التي تسيطر و"تمون" على فئة وازنة من الطبقة السياسية والاقنصادية التي حوّلت لبنان بعد "اتفاق الطائف" الى مركز لتقديم الخدمات السياحية والمصرفية منذ مطلع التسعينات وحتى بدء الأزمة الحالية في خريف العام 2019، واميركا عبر منظومة كان يديرها الرئيس رفيق الحريري (وهو حليف الغرب من فرنسا الى اميركا وحليف دول الخليج وبالتحديد السعودية) عملت على جعل لبنان صاحب اقتصاد ريعي من ألفه الى يائه بدون وجود أي شي منتج لا صناعيًا ولا زراعيًا، وأغرقت خزينة بديون باهظة حتى وصلنا الى ما نحن عليه اليوم.

-اميركا كما لها أذرعها السياسية والاقتصادية، لها أذرعها الأمنية والعسكرية حيث زرعت الكثير من القيادات الأمنية والعسكرية في المؤسسات الرسمية اللبنانية وفي مناصب ورتب متنوعة تتوزع من أعلى الهرم الى أسفله، وهؤلاء هم إما يكونوا حلفاء حينًا او أدوات أحيانًا اخرى، وهذا الأمر ليس فقط منذ بداية تسعينات القرن الماضي بل وربما يمتد لما قبل الحرب الأهلية اللبنانية، وهنا يمكن التذكير بكلام للسفير والأمني اللبناني الأسبق جوني عبده الذي قال في إحدى إطلالته الإعلامية إن "كل الضباط (العسكريين والأمنيين) الذين يخرجوا الى الولايات المتحدة وغيرها من الدول في دورات طويلة نسبيًا تمتد الى أشهر او أكثر من سنة أحيانًا، هؤلاء هم بالحد الأدنى أصدقاء لأميركا..."، وهذا الكلام يدلل على ماهية العلاقة التي تقيمها الولايات المتحدة وأجهزتها مع الضباط الذين ينتظمون في دورات مع إمكانية تجنيدهم لصالح أجهزة معينة، وهذا الامر يطبق بشكل كبير من قبل الاميركيين مع كثير من الحالات حول العالم.  

-أميركا عبر حلفائها ورجال الاعمال التابعين لهم، تسيطر على المفاصل الاقتصادية الاساسية في لبنان، وهي بذلك تحتكر الكثير وربما كل السلع والمواد الأساسية على رأسها المشتقات النفطية من البنزين والمازوت والغاز، بالاضافة الى الإسمنت والترابة وصولا الى السلع الغذائية والادوية وحليب الاطفال والمستلزمات الطبية وغيرها من المواد، فهذه السلع بغالبيتها من يملك قدرة إدخالها الى لبنان هم جزء قليل ينتمي مباشرة او يتبع الطبقة السياسية وبالتحديد اكثر يتبعون لعدد من الزعماء الذي يحتكرون لقمة عيش الناس.

-اميركا تعمل بشكل مستمر على نسج أفضل العلاقات اليوم مع قيادة الجيش اللبناني، وهي كانت ولا تزال تروّج انها تدعم المؤسسة العسكرية بينما الواقع يظهر انها تدعمها بأمور لوجستية واسلحة خفيفة فقط، ولا تدعمها بأسلحة وازنة وقادرة على حماية البلد كالسلاح المضاد للطائرات او تقوية سلاح الجو وغيرها من الاسلحة النوعية والدقيقة.

-الفيتو الاميركي واضح لمنع لبنان بالتوجه الى دول اخرى تدعمه وتستثمر فيه سواء روسية او ايران والصين وحتى بعض الدول الاوروبية، وسبق لشركة سيمنز الالمانية بالتزامن مع زيارة المستشارة أنجيلا ميركل الى بيروت في العام 2018، ان قدمت عرضا لتأمين حاجة لبنان خلال 6 اشهر بكلفة 800 مليون يورو ولكن العرض قد رفض، علما ان عروضا عديدة قدمت من إيران والصين وروسيا في هذا الاطار، وآخرها ما قدمه الوفد الروسي الذي زار لبنان مؤخرا عارضا بناء محطات كهرباء ومصفاتي نفط وإعادة إعمار مرفأ بيروت.

-السفيرة الاميركية دوروثي شيا رفضت قبل أيام بصراحة ووضوح على إحدى الشاشات اللبنانية العرض الإيراني الدائم في ملف النفط الذي جدد الحديث عنه الامين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله، واعتبرت ان "هذه العروض لا تحل المشكلة.."، وكلامها هذا فسر بأنه "كلمة السر" لمن يعنيهم الأمر برفض العرض الايراني.

-اميركا -عبر سفارتها او جهات تابعة لها في لبنان- تنسج علاقات مع شبكة واسعة من الوسائل الاعلامية المرئية والمسموعة والمكتوبة والمنصات الالكترونية المختلفة، بهدف تضييع الحقائق وتغيير الوقائع وبث الفتن والتهم هنا وهناك، بهدف تلمييع صورة واشنطن وحلفائها وتشويه صورة المقاومة ومحورها، وإبعاد "اسرائيل" عن صورة الاحداث والاضرار التي تصيب لبنان والمنطقة في مختلف الملفات، وكلام جيفري فيلتمان واضح في هذا المجال عندما ذكر انه دفع 500 مليون دولار لتشويه صورة المقاومة.. ومن ثم ما قاله ديفيد هيل عن دفع 10 مليارات دولار لدعم "النشطاء" وجمعيات ما يسمى "المجتمع المدني" التي تصنعه اميركا او تتحالف معه للوصول الى الاهداف نفسها، ولذلك نشاهد الكثير من الكتابات والبرامج والفعاليات التي تحاول تحميل سلاح المقاومة مسؤولية كل المصائب في هذا البلد.

-اميركا لديها قنواتها الفاعلة داخل المؤسسة القضائية والتي أدت الى إطلاق سراح عدة عملاء للعدو الاسرائيلي بينهم من يحمل الجنسية الاميركية وعلى رأسهم العميل عامر الفاخوري والعميل جعفر غضبوني، وهذا يدلل على مدى تأثير واشنطن وأدواتها في مختلف المؤسسات الرسمية اللبنانية.

-اميركا تتدخل بشكل مباشر وتزيد الحصار على لبنان في محاولة لتركيع بيئة المقاومة وهي لا تتوانى بإعلانها رفض دعم اي حكومة فيها حزب الله ما يظهر السبب الحقيقي لعدم تشكيل الحكومة وزيادة الضغط على لبنان وتدهور الاوضاع المعيشية، وبالتزامن يسجل زيارة السفيرة الاميركية برفقة نظيرتها الفرنسية آن غريو الى السعودية للبحث تحديدا بالملف الحكومي والازمة في لبنان، ما يؤكد المؤكد ان اليد الاميركية طويلة في كل ما يجري.

-اميركا منذ سنوات طويلة كانت تضيّق على كل مصرف يتعامل مع "بيئة" المقاومة ورجال أعمال من طائفة معروفة، وذلك تحت مزاعم دعم حزب الله، وبهذا الاطار تم إغلاق الكثير من الحسابات وصولا لاغلاق مصارف وتصفيتها كبنك الجمّال او البنك اللبناني الكندي، وكل ذلك كان بتنسيق مباشر مع "رجل اميركا الاول" في لبنان حاكم مصرف لبنان رياض سلامة الذي كان يتشدد اكثر من الاميركيين في تطبيق القوانين التي ضربت السرية المصرفية وألحقت الاضرار الكبيرة بالاقتصاد والنظام المصرفي في لبنان وساهمت بهجرة الكثير من الرساميل اللبنانية والاجنبية الى الخارج، حتى ان بعض المصادر تتحدث ان جزءا من "لعبة" المصارف وسرقة اموال المودعين كانت بسبب ان النسبة الاكبر من هذه الودائع هي لمودعين من بيئة المقاومة ما سيؤدي حكما الى زيادة الضغط عليها.

-اميركا ومن خلفها "اسرائيل" تلاحق عبر العالم اللبنانيين من بيئة المقاومة وتلاحقهم لاسباب سياسية وغير سياسية وبحجج واهية بهدف زيادة الحصار والضغط على الاهالي والعوائل المؤيدة للمقاومة وحزب الله، ومن الامثلة على ذلك ملاحقة بعض رجال الاعمال اللبنانيين في اميركا وافريقيا وحتى بعض العاملين في دولة الامارات، كما ان اميركا عملت على فرض عقوبات على حلفاء للمقاومة وحزب الله وعلى رأسهم رئيس التيار الوطني الحر النائب جبران وباسيل و"المعاون السياسي للرئيس نبيه بري" النائب علي حسن خليل والوزير السابق يوسف فنيانونس القيادي في تيار المردة والمقرب من رئيسه سليمان فرنجية.

ولائحة التدخلات والممارسات الامركية تطول...


الكاتب: غرفة التحرير




روزنامة المحور