الثلاثاء 16 آب , 2022 03:57

إيران في منظّمتي شنغهاي وبريكس: كسر الأحاديّة الغربيّة

شنغهاي وبريكس

أحدث قبول منظّمة شنغهاي للتعاون، لإيران عضواً كاملاً فيها، قبل عام تقريباً، صدمة إيجابية لدى الإيرانيين وحلفائهم، وسلبية لدى كيان الإحتلال والولايات المتحدة وبعض الدول الإقليمية، والتي تدّعي أن نجاح إيران في فك عزلتها الدولية سوف يشجّعها على الاستمرار في سياساتها "المتطرفة" تجاه دول المنطقة!

وقد فاقمت حالة القلق الغربي و"العربي" من "التوسع" الإيراني، السياسي والاقتصادي والأمني، على مستوى الإقليم والساحة الدولية، المساعي الإيرانية الأخيرة للانضمام إلى منظمة "بريكس" التي تضم روسيا والصين والهند والبرازيل وجنوب إفريقيا، من خلال تقديم إيران طلباً رسمياً بذلك لإدارة المنظمة.

إن انخراط إيران في تلك المنظمات، وهي ذات طابع دولي من الناحية الواقعية، لا يعني فقط كسرها قسراً لقيود الحصار الغربي المفروض عليها منذ عقود؛ بل يعني كذلك إطلاقاً لعملية تحوّل تاريخي لا رجعة فيها، وبالتآزر والتكامل، السياسي والاقتصادي، وحتى العسكري والأمني، مع دول كبرى وإقليمية صاعدة (روسيا، الصين، البرازيل، الهند..)، تُكسر فيها الأحاديّة الغربيّة، بشكل واضح وحاسم.

إيران في منظّمة شنغهاي: أبعاد استراتيجية واقتصادية

أوّلاً: المواقف الإيرانية الرسمية

 كشفت المواقف الإيرانية الرسمية التي صدرت بعد قبول عضوية إيران في منظّمة شنغهاي للتعاون، عن حماسة إيرانية كبيرة (وربما مبالغ بها) لهذا الإعلان، والذي يُعدّ بنظر القيادة الإيرانية بمثابة تحوّل تاريخي ومتقدّم في سياق محاولات إرساء نظام عالمي جديد متعدد الأقطاب، ومختلف بشكل جذري عن النظام الأحادي الأميركي الراهن.

ففي منتصف أيلول / سبتمبر من العام الفائت، أعلن المتحدث باسم هيئة الرئاسة في البرلمان الإيراني، نظام الدين موسوي، تعليقاً على قبول إيران عضواً كاملاً في منظّمة شنغهاي، أنه "بانضمام إيران إلى حلف شنغهاي اكتملت أضلاع مربّع القوّة في الشرق".

وأضاف موسوي: "نشهد إقامة نظام عالمي جديد حيث تُعتبر رباعية القوّة في الشرق من أهم اللاعبين الدوليين في هذه المنظومة العالمية الجديدة".

وأكد أن "روسيا والصين والهند، القوى الثلاث في منظمة شنغهاي، تتمتع بمكانة اقتصادية وعسكرية مرموقة في العالم؛ وانضمام إيران، بالنظر لموقعها الاستراتيجي ومصادر الطاقة التي تمتلكها، إلى جانب تأثيرها السياسي والمعنوي في العالم الإسلامي، يُعتبر أمراً هاماً على المستوى الاستراتيجي".

وتابع: "هذه المنظمة، وخلافاً لنظيرها الغربي، أي حلف "الناتو"، لا تقتصر فقط على التعاون العسكري، بل تمتد إلى مجالات مختلفة، منها الاقتصاد والتجارة والثقافة والطاقة ومكافحة الإرهاب وتهريب السلع والمخدّرات". وأشار إلى أن "انضمام إيران إلى هذه المنظمة يعني التوصل إلى سوق حجمه 3 مليار نسمة؛ وهذه فرصة كبيرة يجب أن نملك خارطة طريق لاستغلالها بأفضل طريقة".

وتنظر إيران إلى عضويتها في منظمة شنغهاي للتعاون من خلال مقاربة استراتيجية شاملة. فقد أعلن الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي، خلال كلمته في القمّة التي عقِدت بين الدول الأعضاء في منظّمة شنغهاي، في العاصمة الطاجيكية دوشنبه، في حينه، أن "العالم دخل حقبة جديدة. الهيمنة والأحادية إلى زوال. النظام العالمي بدأ شيئاً فشيئاً يتّجه نحو التعددية وإعادة توزيع القوى نحو الدول المستقلة".

وأضاف: "العقوبات الأحاديّة لا تستهدف بلداً واحداً. بات من الواضح خلال الأعوام الماضية أنها تطال الدول المستقلة بشكل أكبر، وخصوصاً الدول الأعضاء في منظمة شنغهاي".

وكانت إيران تقدّمت بطلب للانضمام إلى منظمة شنغهاي للتعاون في وقت مبكر من العام 2008، بدعم قويّ من روسيا؛ لكن النظر في طلبها تباطأ بسبب العقوبات المفروضة على البلاد من الأمم المتحدة وواشنطن بسبب برنامجها النووي.

والجمهورية الإسلامية كانت عضواً مراقباً في المنظمة منذ 2005؛ وفشلت آخر محاولة لانضمامها إليها في 2020 نتيجة رفض طاجيكستان حينها.

وبلغ حجم التبادل الاقتصادي بين إيران ودول المنظمة نحو 28 مليار دولار خلال السنة الفارسية المنصرمة (آذار/ مارس 2020-2021)، وفق ما نقلت وسائل إعلام إيرانية عن المتحدث باسم الجمارك روح الله لطيفي. ويشكّل التبادل مع الصين نقطة الثقل بإجمالي 18.9 مليار دولار.

ثانياً: الصين وروسيا تدعمان عضوية إيران في منظّمة شنغهاي

بات مسلّماً به أن دور منظمة شنغهاي للتعاون وتأثيرها السياسي يتعدّى منطقة أوراسيا إلى مناطق أخرى من القارّة الآسيوية، بل خارج حدودها أيضاً، نظراً إلى الثقل الاقتصادي والعسكري الذي يتمتع به أعضاؤها. كما أنَّها أخذت تتوسع تدريجياً إلى خارج نطاقها الضيّق، وتضمّ دولاً أخرى من منطقة آسيا الوسطى، أهمها الهند وباكستان.

وقد بدا منح إيران العضوية الكاملة في منظمة شنغهاي في هذا التوقيت لافتاً، إذ إنَّه أعقب كلاً من:

-الاتفاق الاستراتيجي الصيني- الإيراني، الذي تمَّ التوقيع عليه في طهران في 27 آذار/ مارس الماضي، بعد جولةٍ إقليميةٍ لوزير الخارجية الصينية وانغ يي شملت دول الخليج وتركيا.

و"وثيقة الشراكة الاستراتيجية" كما سُمّيت، هي اتفاقية مدّتها 25 عاماً بين البلدين، تشمل المجالات السياسية والاقتصادية والعسكرية والصناعية.

وتخدم هذه الاتفاقية كلاً من البلدين، إذ تضمن للعملاق الاقتصادي العالمي مزيداً من تنامي دوره وترسيخ حضوره على الساحة الدولية، خاصة في البلدان التي وضعتها الولايات المتحدة على لائحة "المناطق المحرّمة"، التي تسلّط عليها عقوباتها الاقتصادية القاسية.

كما أنها تضمن لإيران منفذاً مفتوحاً تتحرّر من خلاله من هذه العقوبات، وتُصرّف إنتاجها النفطي الذي لا تشتريه أميركا، وتمنع غيرها من الدول من شرائه من خلال فرض عقوبات عليهم، وذلك في محاولةٍ للضغط الاقتصادي على إيران من أجل تغيير مواقفها السياسية؛ كما أنَّ إيران تستورد مقابل نفطها المُصدَّر ما تحتاج إليه من معدّات صناعية وآلات وخبرات، وتجهّز مرافئها وبُناها التحتية بمساعدة صينية، بما يتيح للأخيرة أن تستخدم هذه المرافق لتُصدّر عبرها برّاً وبحراً منتجاتها نحو الشواطئ الشرقية للبحر المتوسط، ثم إلى القارّتين الأوروبية شمالاً والأفريقية جنوباً.

-الانسحاب الأميركي العسكري الكامل والمتعجّل من أفغانستان، البلد الذي خضع لاحتلال الولايات المتحدة وحلفائها في حلف شمال الأطلسي مدة 20 عاماً، الواقع ضمن حدود المنطقة الأوراسية، والمغروس بين الدولتين الكبريين في العالم، الصين وروسيا، بحيث سعت الولايات المتحدة لمنع تقاربهما، وإعاقة نموّهما الاقتصادي، خاصة الصين، من خلال قطع طريق صادراتها البري والبحري نحو الغرب، وتهديد أمنه بإشعال الحروب والاضطرابات الأمنية.

-انتخاب رئيسٍ جديدٍ لإيران في شهر حزيران/ يونيو الماضي، هو رئيس السلطة القضائية والرجل القوي إبراهيم رئيسي، بفارقٍ كبير من الأصوات عن أقرب منافسيه المتبقّين..

وقد سعى رئيسي منذ بداية ولايته إلى تعزيز حضور بلاده ومكانتها في العالم، من خلال تمتين علاقاتها على الصعيد الإقليمي، والاستفادة من كلّ ما لديها من إمكانات، وفي مقدّمتها موقعها الجغرافي، حيث صرّح خلال كلمته في القمّة أنَّ "إيران يمكن أن تكون حلقة وصل لأوراسيا عبر ممرٍ يربط الشمال بالجنوب".

وفي آب / أغسطس الماضي، أعلن رئيسي أنَّ تعزيز علاقات إيران مع روسيا والصين، العضوان الرئيسان في المنظمة، هي من أولويات سياسته الخارجية.

بين النقاط الثلاث السابقة، يشكّل الاتفاق الاستراتيجي بين إيران والصين، التي تمثّل الركن الأبرز في المنظمة، الأمر الأكثر أهميةً الذي ساهم في انضمام إيران إليها، حتى ليبدو أنَّ ما جرى ما هو إلاّ توسيعٌ للاعتراف الدولي الرسمي بدور إيران وحضورها الإقليميين، ومساهمةٌ أكبر في إخراجها من تحت الحصار الاقتصادي الأميركي، وفي فتح المجالات أمامها من قِبَل كلٍّ من الصين وروسيا، التي صرّح رئيسها فلاديمير بوتين خلال كلمته في القمّة، بأنَّ بلاده "تؤيّد القرار المقدّم للموافقة عليه من قِبل مجلس رؤساء دول منظمة شنغهاي للتعاون بشأن بدء إجراءات قبول إيران في المنظمة"، مؤكِّداً على الأهمية المتبادلة لانضمامها بقوله إنَّ ذلك "سيزيد من السلطة الدولية للمنظمة".

ثالثاً: إيران تقترح عملة موحّدة بين دول منظّمة شنغهاي

 في يونيو/ حزيران من العام الحالي، وفي خطوة متقدّمة وجريئة، وتتّسق مع التحوّلات والمتغيرات الدولية والإقليمية المهمة، أعلن مساعد الخارجية الإيرانية لشؤون الدبلوماسية الاقتصادية، مهدي صفري، بأن إيران اقترحت رسمياً على منظمة شنغهاي للتعاون اعتماد عملة موحّدة لتسهيل التبادل التجاري بين الدول الأعضاء.

وحول مجالات تعزيز التعاون بين إيران والدول الأعضاء في منظمة التعاون الاقتصادي للبحر الأسود، قال صفري إن أحد المسارات التي يمكننا الوصول بها إلى شمال أوروبا هو البحر الأسود؛ وهذا التعاون يتم عن طريق الصين وبندر عباس وجمهورية آذربيجان وجورجيا والبحر الأسود؛ ومن ثمّ عن طريق رومانيا وصربيا إلى الدول الأوروبية الأخرى.

وأشار صفري إلى الانتهاء من وثيقة اتفاقية ممر "شمال-جنوب" والربط بين البحر الأسود والخليج الفارسي والتأكيد على زيادة طاقة نقل السلع عن طريق هذا الممر. وأضاف: إن حجم نقل السلع في هذا المسار المؤلّف من 3 أجزاء بحرية وسككية وطُرقية، البالغ الآن 15 مليون طن، سيصل إلى 30 مليون طن؛ وإن تحقيق هذا الرقم بحاجة الى تقوية البنية التحتية السككية في هذا المسار.

إذاً، ما ذُكر آنفاً يشكّل بالفعل تحوّلاً تاريخياً، سعت إيران حثيثاً لتحقيقه، وهو سيترك انعكاسات كبيرة على صعد مختلفة، في المجالين الإقليمي والدولي، من دون التقليل من أهمية مواقف الدول الرافضة لما تسمّيه التوسع الإيراني في المنطقة، والسياسات التي ستتّبعها في مواجهته، مع الإشارة إلى أن قمّة دوشنبه في طاجيكستان (في العام 2021) كانت قد منحت السعودية ومصر صفة شريك كامل، تمهيداً لنيل العضوية الكاملة ربما في المستقبل.

إيران في منظمة بريكس: أبعاد استراتيجية واقتصادية

أوّلاً: المواقف الإيرانية الرسمية

اتخذت إيران عدة خطوات مهمة وقامت باتصالات كثيرة، وعلى أعلى المستويات، خلال السنوات الأخيرة، بغية إحراز قبولها في منظّمة بريكس التي تضم الدول ذات الاقتصادات الأسرع نمواً في العالم، وهي في طريقها الحتمي لتصبح دولاً متقدمة، ما يعني الكثير لإيران، بعد قبولها كعضو كامل في المنظّمة، وخاصة في المجالين الجيواقتصادي والجيواستراتيجي.

ففي أواخر شهر حزيران / يونيو الماضي، قال الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي، في لقاء مع التلفزيون الإيراني، إنّ "سياسة حُسن الجوار إحدى أولوياتنا، وحقّقنا نمواً يصل إلى 450 بالمئة في التبادلات التجارية مع بعض الدول المجاورة".

وأَضاف أنّ "ربط إيران بشنغهاي ودول بريكس ومنظمة التعاون الاقتصادي مهم للغاية". وشدّد على أن "العقوبات المفروضة على بلادنا قاسية وتتعارض مع الالتزامات الأميركية والأوروبية".

كما أكّد الرئيس الإيراني، في كلمة له بقمّة دول مجموعة "بريكس+" التي عقِدت عبر الفيديو واستضافتها الصين، أنّ بلاده مستعدة لتوظيف كافة قدراتها وإمكانياتها للربط بين دول مجموعة "بريكس" وبين ممرّات الطاقة والأسواق الدولية.

وقد أفادت وكالة مهر للأنباء، أن مساعد الرئيس الإيراني في الشؤون البرلمانية سيد محمد حسيني، قال عبر حسابه في موقع تويتر: إنه على عكس أكاذيب الغربيين، دعا الرئيس الصيني الدكتور رئيسي للحضور في قمّة بريكس؛ وألقى الرئيس الإيراني كلمته في قمة بريكس. أعضاء قمّة بريكس، مثل الصين، الهند، روسيا، البرازيل وجنوب إفريقيا، يشكّلون نصف سكان العالم الذين لديهم اقتصادات ناشئة؛ وسيكون لهذا الحضور فوائد اقتصادية كبيرة.

ومن بين الدول في منطقة غرب آسيا فقط تمّت دعوة إيران للحضور في القمّة؛ وهذه القضية تعبّر عن أهمية دور إيران في العالم.

في السياق، ذكرت وكالة "تسنيم" الإيرانية أنّ إيران تقدّمت بطلب للانضمام إلى مجموعة "بريكس"، التي تضمّ البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب أفريقيا.

ونقلت الوكالة عن المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية، سعيد خطيب زاده، تأكيده في مؤتمر صحافي أنّ "إيران قدّمت طلبها للانضمام إلى عضوية بريكس"، مضيفاً أنه "تم إجراء سلسلة من المشاورات في هذا الصدد".

وقال خطيب زاده إنه "على الرغم من أنّ مجموعة بريكس ليست معاهدة أو اتفاقية دولية، لكنها تستند إلى آلية إبداعية للغاية ذات جوانب واسعة"، مشيراً إلى أنّ "أعضاء بريكس يشكّلون 30% من إجمالي الإنتاج العالمي و40% من سكان العالم".

أيضاً ، أكد مساعد وزير الخارجية الإيراني للشؤون الاقتصادية مهدي صفري، أنه في حال تم تعزيز مجموعة "بريكس"، فإنه سيتم حذف الدولار من التعاملات المالية للبلدان الأعضاء في المجموعة ...

وحول العمل داخل منظمة شنغهاي، أوضح أن بلاده تأمل أن يتم إقرار العملة الموحّدة المقترحة قريباً للتعامل المالي والتجاري للدول الأعضاء في هذه المنظمة.

وأضاف صفري: "طهران وموسكو اقترحتا نظاماً بديلاً لـ [سويفت] للتبادل المالي؛ والآن توصلنا تقريبًا إلى اتفاق جيّد بهذا الصدد".

ثانياً: "بريكس" تستكمل المسار الاستراتيجي الجديد لإيران

يشير الخبير الإيراني في شؤون شبه القارّة الهندية، أمين رضائي نجاد، إلى الاجتماع الافتراضي لقادة البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب أفريقيا أو ما يُعرف بمجموعة بريكس، وتصريحات الرئيس الصيني شي جين بينغ بأن العالم يجب أن يعارض العقوبات الأحاديّة ومحاولات بعض الدول للاحتفاظ بهيمنتها السياسية والعسكرية، قائلاً: "من أجل فهم أفضل لتأثيرات ونتائج قمّة بريكس، يجب أن نفهم الاتجاه الكلّي الحالي في مجال السياسة الدولية، وهو تراجع الولايات المتحدة باعتبارها القوّة المهيمنة للعالم أحاديّ القطب".

وفي حوار له مع موقع المجلس الاستراتيجي للعلاقات الخارجية، تابع نجاد: "سوف تتّخذ القوى الإقليمية مبادرتين مهمتين، في سياق نشاطها من أجل التمكن من ملء الفراغ الناجم عن تراجع الولايات المتحدة في أسرع وقت ممكن، وتحسين أو تثبيت موقعها المتفوّق على المستوى الإقليمي".

واعتبر رضائي نجاد المبادرة الأولى إحياء المنظمات التي ظلّت على الهامش حتى الآن. أما المبادرة الثانية، فهي إنشاء منظمات جديدة على أساس قدراتها وطاقاتها، حسب قوله.

وأشار الخبير إلى أن قمّة بريكس، التي عقِدت تحت عنوان "بريكس بلس"، هي مبادرة من النوع الأول؛ وهي ما تبنّاها الأعضاء ليس فقط كتغيير في الاسم، بل من منطلق تغيير في النهج، مضيفاً: "تكشف عبارة بريكس بلس عن تصميم الأعضاء على توسيع العمق الاستراتيجي للمجموعة، وهو ما يمكننا رؤيته في طلبات طهران وبوينس آيرس للانضمام إلى هذه المجموعة"....

وتابع: "وتجدر الإشارة أيضاً إلى أن الصين والبرازيل لديهما حالياً رغبة قوية في المشاركة الفعّالة في هذا النظام الجديد، بسبب خلافاتهما الحادّة مع الولايات المتحدة والهند".

وقال عن تأثير قمّة بريكس الأخيرة على إيران "هذه واحدة من المرّات القليلة التي اتخذ فيها أعضاء بريكس اتجاهاً سياسياً واقتصادياً محدّداً؛ وهذا الاتجاه يتوافق إلى حدٍ ما مع بوصلة طهران السياسية والأمنية. ونتيجة لذلك، يجب قبول أن هذه فرصة ذهبية للجمهورية الإسلامية، الإيرانية لإحياء اقتصادها المتضرّر من خلال عضوية "بريكس".

 

ثالثاً: النفط والغاز في الصدارة مجدّداً

كشفت تداعيات الحرب الروسية – الأوكرانية المستمرة منذ شباط /فبراير الماضي، هشاشة الاقتصادات الغربية (الأوروبية بالخصوص)، لجهة اعتمادها شبه الكليّ على الغاز الروسي من أجل تحريك عجلة الاقتصاد وتأمين التدفئة للشعب والطاقة للمؤسسات الحيوية في كافة الدول الأوروبية.

وقد فرض الاتحاد الأوروبي (والولايات المتحدة) عقوبات قاسية على روسيا بذريعة محاسبتها على غزو أوكرانيا (الأوروبية)، ما أدّى تلقائياً إلى نقص كبير في إمدادات الطاقة الروسية لدول الاتحاد الأوروبي، وذلك في غياب بدائل جاهزة أو عاجلة للغاز الروسي.

وهذا الواقع المستجد وفّر فرصة ذهبية للدول المصدّرة للنفط والغاز، وخاصة السعودية وإيران (الساعية لكسر الحصار الغربي المزمن عليها) وقطر، وحتى الكيان الإسرائيلي، من أجل تعويض نقص أو زوال الغاز الروسي كمصدر أساسي وزهيد الثمن بالنسبة لدول الاتحاد الأوروبي، والتي لا تزال منقسمة حول تأمين البدائل المناسبة والمضمونة للغاز الروسي، على المديين القريب والمتوسط.

في هذا الإطار، تقول زكية يزدان شيناس، الباحثة في مركز دراسات الشرق الأوسط الاستراتيجية في طهران لمجلة Newsweek: "المسؤولون الإيرانيون أدركوا أخيراً أن الولايات المتحدة وحلفاءها الغربيين لن يسمحوا يوماً للجمهورية الإسلامية الإيرانية بأن تمارس دورها الذي تستحقه عن جدارة كقوّة وسطى في المنطقة".

وأضافت: "وهكذا، قرّروا تحييد المحاولات الأمريكية لعزل إيران بزيادة التقارب مع التحالفات غير الغربية، مثل منظمة شنغهاي للتعاون وبريكس. ويرى الإيرانيون أيضاً أن النظام العالمي سيكون شرقياً في المستقبل؛ ولهذا يحاولون الاقتراب من المنظمات التي تساهم فيها القوى الشرقية، مثل روسيا والصين، بدور قيادي"...

وتقول يزدان: "إيران هي الدولة الوحيدة المنتجة للطاقة غير الحليفة للولايات المتحدة في الخليج، ولن ترفض إمداد الصين بالطاقة في حالة تصعيد الحرب التجارية بين بكين وواشنطن. وموقع إيران الجيوسياسي ازداد قوّة في أعقاب الحرب الروسية-الأوكرانية؛ وهذا أمرٌ بالغ الأهمية للقوى العظمى في هذه الهيئات، أي روسيا والصين.

من جهته، رأى أخيل راميش، الباحث في منتدى جزر المحيط الهادئ، أن انضمام إيران والسعودية للبريكس سيكون "مكسباً كبيراً" للمنظمة بسبب مشكلات الطاقة.

وقال راميش: "بالنسبة لدول مثل الصين والهند، إلى حدٍ ما، فالاعتماد على استيراد النفط مشكلة كبيرة، سواء من المنظور الاقتصادي المتمثل في العجز التجاري، أو من المنظور الجيوسياسي المتمثل في الاضطرار إلى تقديم تضحيات أمنية واستراتيجية حفاظاً على واردات النفط. ووجود ثلاثة دول من كبار منتجي النفط في المنظمة، روسيا وإيران والسعودية، له أن يمنح هذه الدول خيار تأمين النفط بأسعار مخفضة أو بترتيبات بديلة، مثل المقايضة".

واحتياطيات النفط في طهران والرياض ستمنح دول البريكس نفوذاً قوياً في صدّ هيمنة الدولار الأمريكي على النظام المالي العالمي، وفقاً لما يراه راميش، الذي قال: "للاستغناء عن الدولار الأمريكي، العملة الاحتياطية العالمية، ستحتاج إلى مزيد من الدول المصدّرة للسلع الأساسية، وخاصة المصدّرة للنفط"(20).

قراءات غربية للإنجازات الإيرانية الجديدة

لا شك في أن منح إيران صفة العضوية الكاملة في منظّمة شنغهاي للتعاون، في السنة الماضية، وما تلا من تقديم إيران أخيراً طلباً للانضمام إلى منظمة بريكس التي تضم روسيا والصين والهند والبرازيل وجنوب إفريقيا، يُعدّ تحوّلاً تاريخياً في مسيرة إيران السيادية والاستقلالية الصعبة، والتي بدأتها منذ انتصار الثورة الإسلامية فيها في العام 1979.

لكن هذا التحوّل التاريخي قد يحتاج إلى المزيد من الوقت قبل أن يتبلور أو ينعكس إيجاباً، في الداخل الإيراني على مختلف الصُعد، وفي الساحتين الإقليمية والدولية، مزيداً من النفوذ الإيراني، السياسي والاقتصادي.. والإيديولوجي أيضاً.

ولا يخفى أن الولايات المتحدة الأميركية وأوروبا والكيان الإسرائيلي، والعديد من الدول العربية المؤثّرة (مثل السعودية) تتصدّى منذ وقت طويل، وبكلّ الوسائل المتاحة لديها، لمحاولات النهوض والتحرّر الإيرانية، وذلك لاعتبارات إيديولوجية وجيوسياسية وجيواقتصادية متعددة.

ولتشكيل رؤية موضوعية (نسبياً) للاندماج الإيراني المستجد في منظّمتي شنغهاي وبريكس، يجدر التطرق إلى رؤى أخرى، قد تقلّل أو تهوّن من تأثير هذا الانخراط الإيراني، وتكشف في الوقت عينه عن التوجهات المعادية للسياسات الإيرانية السيادية في المنطقة عموماً.

فيما يتعلق بمنظمة شنغهاي للتعاون، فهي تعمل أساساً كمنتدى للنقاش والمشاركة أكثر من كونها تحالفاً إقليمياً رسمياً شبيهاً بـ "الاتحاد الأوروبي" أو حلف "الناتو"، حسبما تدّعي باحثة أميركية في مقال لها نشره معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى.

وتضيف: من الناحية العملية، لن يكون لمنح العضوية لإيران سوى تداعيات متواضعة. فسيصبح بإمكان طهران الآن المشاركة في صنع القرار في "منظمة شنغهاي للتعاون"، والذي يشمل إعداد وتوقيع الوثائق. ومع ذلك، على الرغم من اعتماد المنظمة على الإجماع، فمن غير المرجّح أن يترتب على منح إيران صوتاً أي تغييرات جوهرية في موقف المنظمة، نظراً لأن الصين وروسيا تبقيان حاسمتين بالنسبة للسياسة الخارجية لطهران؛ ومن المفترض أنهما ستؤثّران على أصواتها في الأمور المهمة.

أما المكانة التي قد تنالها إيران من العضوية فهي أكثر أهمية. فقد كان الانضمام إلى "منظمة شنغهاي للتعاون" هدفاً طويل الأمد لطهران ليس بقدر ما يمثّل جانباً من نهجها السياسي تجاه الشرق الأوسط، ولكن باعتباره امتداداً لجهودها لتعزيز الشرعية الدولية للجمهورية الإسلامية وعلاقاتها مع الشرق. وعموماً تصرّفت إيران كقوّة يفرضها الوضع الراهن في آسيا الوسطى، إذ أذعنت لهيمنة موسكو وبكين ودعمت وحدة أراضي دول "منظمة شنغهاي للتعاون". ويُنظر إلى الحصول على العضوية الكاملة على أنه وسيلة لطهران لتعزيز هذه العلاقات الإقليمية.

أما على مستوى تدعيم حصانة النظام في إيران، فتقول الباحثة الأميركية إنه لطالما لاقى نفور "منظمة شنغهاي للتعاون" من الترويج للديمقراطية والتدخل الخارجي صدى لدى النظام الإيراني، وغالباً ما أثّر في أساليبه في التمسك بالسلطة في الداخل. ورداً على "الحركة الخضراء" المعارضة التي برزت خلال دورة انتخابات عام 2009، عزّزت طهران سيطرتها على تقنيات المعلومات باستخدام ممارسات الرقابة على الإنترنت والتكنولوجيا السيبرانية الصينية. وبالمثل، بدأت التشريعات الإيرانية بشأن أمن المعلومات في محاكاة المصطلحات المستخدمة في الوثائق الروسية والصينية وتلك الصادرة عن "منظمة شنغهاي للتعاون"، لا سيما في ربط سيادة الدولة بالسيطرة على الإنترنت.

وحسب تقرير صادر عن معهد الدفاع الأميركي، يجب أن تدقّ العلاقات السياسية والعسكرية والاقتصادية المتنامية بين طهران وبكين أجراس الخطر المتعدد في واشنطن والشرق الأوسط.

وقد عمد بعض الأميركيين، عن قصد أوعن غير قصد، إلى مواساة أنفسهم بالفكرة الغامضة القائلة بأن منافسة القوى العظمى تحدث فقط في أوروبا وشرق آسيا، مما يسمح للولايات المتحدة بتجاهل الشرق الأوسط. كما تُظهر عضوية إيران في منظمة شنغهاي للتعاون تنافس الصين وروسيا في الشرق الأوسط أيضًا.

هذا الواقع يجب أن يوجّه تفكير واشنطن عندما يتعلق الأمر بالموقف العسكري الأميركي في المنطقة. وقد يكون الأمر مجرّد مسألة وقت حتى تبني إيران أو تحصل (بمساعدة بكين أو موسكو) على بعض الأسلحة المتقدمة، والتي تستخدمها الصين وروسيا بالفعل. ويمكن للشراكة(في منظّمة شنغهاي للتعاون)أن تزوّد طهران على سبيل المثال، بقدرات دفاع جويّ أكثر تقدمًا وصواريخ وأنظمة سيبرانية وقدرات حرب إلكترونية.

كما أن التكامل العسكري والاقتصادي المتزايد بين بكين وطهران يُجبر دول الشرق الأوسط وآخرين على افتراض أن التكنولوجيا المشتركة مع الصين قد تجد طريقها إلى طهران.

وحذّر التقرير أميركا ودول المنطقة من التحالف الصيني-الإيراني؛ وأضاف أنه يجب أن تساعد الروابط الاقتصادية والعسكرية الوثيقة بشكل متزايد بين الصين وإيران في ترسيخ الإجماع المتزايد بين واشنطن وحلفائها فيما يتعلق بالتهديد الذي يمثّله الاندماج العسكري الصيني مع إيران، والحاجة إلى حماية التكنولوجيا المشتركة التي قد يكون لها تطبيقات عسكرية.

فيما يرتبط بمنظّمة بريكس، والتي تقدّمت إيران أخيراً بطلب رسمي للانضمام إليها، فالقراءات الغربية تتشابه مع ما ورد آنفاً بخصوص منظّمة شنغهاي للتعاون؛ بل هي تزيد من منسوب التحذير من مخاطر قبول إيران كعضو كامل العضوية فيها، لأن ذلك سيتيح لإيران تطوير قدراتها الاقتصادية والعسكرية والسياسية بمواجهة الحصار الغربي؛ إضافة إلى إسهامها المباشر في دفع النفوذين الصيني والروسي قُدُماً باتجاه إسقاط الأحاديّة الأميركية المهيمنة على العالم منذ عقود.

وفي السياق، يقول الكاتب الهنديSHASHI THAROOR: قليلون هم من يشكّكون في الإمكانات الهائلة التي تتمتع بها مجموعة البريكس، التي تضم أكبر دولتين من حيث عدد السكان في العالم (الصين والهند)، وقوّة عظمى سابقة (روسيا)، واثنين من أكبر الاقتصادات في أميركا اللاتينية وأفريقيا. لكن سجلّ مجموعة "البريك" (BRIC) منذ اجتماعها السنوي الأول في عام 2009 (انضمّت جنوب أفريقيا إلى الكتلة في العام التالي)، كان في الأغلب الأعم قصّة خطاب نبيل ونقص مزمن في الإنجاز! (26).

ويضيف: لقد طرحت الصين أخيراً، منتصف حزيران/ يوينو، اقتراحاً يقضي بتوسيع المجموعة من خلال قبول أعضاء جدد. وزعمت تقارير لاحقة أن الأرجنتين وإيران تقدّمتا بطلب للانضمام. لكن هذه المسألة لم تُـنـاقَـش رسمياً في الاجتماع، ولم تُـذكَـر إلاّ بشكل مبدئي(هامشي) في البيان الختامي!

ويتساءل الكاتب، مشكّكاً بقدرات وفاعلية المنظّمة: يكمن وراء قضية توسيع العضوية سؤالان يتعلقان بصميم مجموعة البريكس. أوّلاً، أهي منظمة اقتصادية أو جيوسياسية في الأساس؟ ثانياً، إذا كانت مجموعة البريكس كتلة جيوسياسية في الأغلب، فهل تصبح الأداة الرئيسية لنشوء محور عالمي بقيادة الصين وروسيا ــ وهو الهدف الذي يبدو أن الصين تدعمه، والذي يبدو أن التوسع المقترح، والمرشّحين المفترضين، يخدمونه؟ في هذه الحالة، ماذا تفعل الهند في مثل هذا التجمّع؟

ويجيب: يبدو أن مجموعة البريكس تمر بأزمة هوية. في مستهل الأمر، رأى كبار المسؤولين الهنود في مجال السياسة الخارجية أن المجموعة منصّة مفيدة لزيادة نفوذ الهند الدولي، بما يتماشى مع دورها التقليدي كقائد للعالم النامي. لكن الهند تُـعـرِب بوضوح عن عدم ارتياحها إزاء الجهود المبذولة لتحويل الكتلة إلى منتدى جيوسياسي يدعم المصالح الصينية والروسية، وتوسيع عضويتها لتشمل دولاً أخرى "مماثلة في الـفِـكر" مثل إيران. (التزمت البرازيل أيضاً صمتاً مدروساً بشأن طلب العضوية المعلَن عنه من جانب الأرجنتين).

لكن تحالف "بريكس" له مضمون سياسي أوّلاً وقبل كلّ شيء، كما أعلن صراحة وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، منذ عدّة أعوام، بقوله إن التحالف هو تجمّع جيوسياسي أوّلاً وقبل كلّ شيء.

وفي الواقع، هناك أسباب موضوعية للاهتمام المتزايد بمجموعة "بريكس". أوّلاً، لا تتناسب منظومة المؤسسات الدولية مع العمليات الواقعية للقرن الـ21، ولا تذهب الإصلاحات أبعد عن الحديث عنها. يمكن العثور على العديد من الخلافات في موقف الدول الخمس المختلفة تماماً؛ ولكنها كلها غير راضية عن النظام العالمي الحالي. يحتاج نظام العالم المتعدد الأقطاب إلى قوالب مختلفة عن تلك التي خدمت نظام القطبين الذي كان سائداً في حقبة الحرب الباردة؛ تلك القوالب التي لم تتغير تقريباً منذ ذلك الحين. ليس صدفة أن بيانات "بريكس" تتضمن شكوكاً في شرعية النظام القائم. ومع ذلك لا توجد آفاق إصلاح مجلس الأمن الدولي الذي يعكس توزيع القوى في عام 1945، إذ لا ينوي الأعضاء الدائمون الحاليون مشاركة امتيازاتهم مع أي أحد. وينطبق ذلك أيضا على عضوين في "بريكس"، هما روسيا والصين.

ثانياً، من البديهي أن هناك ضرورة البحث عن منطلقات جديدة تماماً لحلّ المشكلات العالمية. وترى الدول الخمس أن الغرب يكاد يحتكر التوجه العالمي. لا يعكس ذلك توزيع القوى السياسية فحسب، بل أيضا يعيق البحث عن حلول جديدة قد تظهر فقط نتيجة لتوسيع النقاش.

ثالثاً، تشعر الدول الخمس بمحدودية محاولاتها لزيادة وزنها ونفوذها على الساحة الدولية، بل تعمل فقط في إطار هياكل قائمة. يمكن القول إن البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب أفريقيا تبحث عن سُبل لتعزيز مواقفها التفاوضية في عملية تشكيل نظام عالمي جديد. ولا تُعتبر كل الدول المشكّلة لمجموعة "بريكس" دولاً نامية بشكل سريع، وإنما تعدّ أقطاباً رئيسية في النظام العالمي متعدّد الأقطاب. لذا يُعدّ حصر معايير وجود المجموعة على المؤشرات الاقتصادية بمثابة اتباع منهجية خاطئة للتحليل.

في ضوء المعطيات السابقة، والتي تضمّنت مواقف وتحليلات مختلفة حول تأثير منظّمتي شنغهاي للتعاون وبريكس الإقليمي والعالمي، وموقع إيران فيهما على وجه الخصوص، يمكن الخروج بالاستنتاجات الآتية:

أوّلاً: برغم القراءات المتناقضة لأبعاد أو انعكاسات دخول إيران في منظّمة شنغهاي للتعاون وقرب قبولها في منظمة بريكس بعد تقديمها طلباً رسمياً بذلك، يمكن التأكيد بأن إيران قد حقّقت خطوات جديدة إلى الأمام في مسارها الجيواستراتيجي والاستقلالي والسيادي، بمواجهة الحصار الأميركي والغربي الخانق من جهة، وبغية الاستفادة من كلّ المنافذ المتاحة أمامها، دولياً وإقليمياً، من جهة أخرى، من أجل زيادة موارد البلاد المالية وتطوير إمكاناتها الاقتصادية والتجارية (داخل سوقين ضخمين يضمّان أكثر من نصف شعوب العالم)، والتي تصب في النهاية في مجرى تحسين حياة الشعب الإيراني على مختلف الصُعد؛ ناهيك عن تقوية هذا المسار لحلفاء إيران في المنطقة، والذي ينعكس سلباً بالضرورة على أعداء "محور المقاومة"، سياسياً وأمنياً.. وعلى المستوى الاستراتيجي كذلك.

ثانياً: من غير المتوقع أن تجني الجمهورية الإسلامية الإيرانية ثمار انخراطها الجديد في منظّمات كبرى، منافسة أو معادية للهيمنة الأميركية العالمية، مثل منظّمة شنغهاي للتعاون ومنظمة بريكس، في المدى المنظور، كما توحي بعض الأفكار الإيرانية التي وردت آنفاً (بشأن مشاريع الربط السككي والطرقي الطموحة بين دول المجموعتين أو توحيد العملة فيما بينها مثلاً).

فالتعقيدات أو المعوقات الإدارية ، والتي قد تختلط بدوافع سياسية معيّنة ترتبط بالدول الفاعلة في هاتين المنظّمتين، وبالأخص الهند والبرازيل، وربما الأرجنتين والسعودية ومصر وتركيا لاحقاً(*)،قد تُبطئ من اندفاعة إيران ومن حركتها المستقبلية داخل المنظّمتين، واللتين تعانيان بدورهما من أزمات داخلية عديدة ، تتعلق بغياب رؤى استراتيجية موحّدة بين الدول الفاعلة فيهما (روسيا والصين والهند وباكستان والبرازيل..)، حول أدوار تلك الدول وتشابك مصالحها ضمن "فضاءاتها الحيوية" إلى تحديد طبيعة العلاقة (صدامية أو تعاونية) مع القوى الكبرى أو الصاعدة والمنافسة، مثل الولايات المتحدة الأميركية ودول الاتحاد الأوروبي والدول الدائرة في فلكها.

ثالثاً: هناك تأثير مهم للاعتبارات الخاصة بإيران نفسها، والمرتبطة بقدراتها الاقتصادية والمالية والتجارية والصناعية (في مجالي النفط والغاز خصوصاً) والعلمية والتكنولوجية ؛ مع التوقف هنا عند تحقيق الاقتصاد الإيراني تطوراً مذهلاً قبل عقد من الزمن، حيث بلغ إجمالي الناتج القومي للبلاد ما يقارب الألف مليار دولار، حسب التقارير الدولية ، قبل أن يتراجع بحدّة (بلغ نحو 700 مليار دولار في العام 2021) مع اشتداد الحصار الأميركي على إيران في عهدي دونالد ترامب وجو بايدن فيما بعد، على خلفية ملفها النووي العسكري المزعوم.

وهناك تأثير كذلك لمكانة النظام الإيراني الداخلية (السياسية والشعبية)، كما لعلاقات الدولة واتفاقياتها "الاستراتيجية" مع الدول ذات الاقتصادات الكبرى (مثل الصين وروسيا وتركيا والهند) ، في تحديد مدى اندماج إيران في المنظمات أو المنتديات الدولية المعادية للهيمنة الغربية ، وقدرتها على الاستفادة القصوى من وجودها داخل تلك المنظّمات ، في المجالات الاقتصادية والتجارية.. والسياسية.

وهذا الأمر ينطبق على بقية الدول في منظّمة شنغهاي للتعاون ومنظمة بريكس ، وبالخصوص الدول الأقل تأثيراً مقارنة بروسيا والصين (مثل دول آسيا الوسطى وجنوب إفريقيا)، من ناحية قوّة اقتصاداتها وقدرتها على التعامل الناجح مع التحديات والأزمات الداخلية والبيْنية (مثل النزاع المزمن بين الهند وباكستان حول إقليم كشمير) ؛ بالإضافة إلى أدائها السياسي وكيفية تعاملها مع احتمالات توسيع أدوار منظّمتي شنغهاي وبريكس ، أو تحويلهما إلى تجمّعات جيو-استراتيجية بالفعل، كما ترغب الصين وروسيا.. وإيران؛ هذا مع لحظ تأثير السياسات والإجراءات المضادة للحلف الأميركي – الغربي، عبر المنظمات أو المجموعات الاقتصادية الخاصة به، مثل مجموعة الدول السبع التي تضم أقوى الاقتصادات العالمية راهناً.

وتبقى الكلمة الأخيرة في هذا الإطار للاعتبارات المتعلقة بالولايات المتحدة الأمريكية، الخصم الرئيس لإيران والصين وروسيا وغيرها من الدول المنخرطة في صراع مفتوح ومتعدد الأبعاد مع الأمريكيين وحلفائهم على مستوى العالم ، وتحديداً لناحية قدرة الاقتصاد الأميركي (والأوروبي) على الحدّ من تداعيات وانعكاسات الحرب الروسية - الأوكرانية المستمرة (صرف الغربيون مئات مليارات الدولارات حتى الآن لدعم النظام الأوكراني ، فضلاً عن المساعدات العسكرية الضخمة له، وبروز أزمة الطاقة الخطيرة في أوروبا)؛ إضافة إلى الاعتبارات الداخلية الخاصة بالولايات المتحدة وحلفائها الأوروبيين ، والتي تشمل السياسات الاقتصادية والاجتماعية والمالية ، والمكانة والجيواقتصادية الدولية للحلف الأميركي – الغربي. فقد شكّل الناتج المحلي الإجمالي للولايات المتحدة الأمريكية (22.9 تريليون دولار) نحو 25% من الناتج الاقتصادي العالمي في 2021، وهي الحصّة التي تغيّرت بشكل كبير على مدار الـ 60 عاماً الماضية. فيما بلغ حجم الناتج الاقتصادي العالمي 94 تريليون دولار في 2021، وشكّلت 4 دول فقط، وهي أمريكا، والصين، واليابان، وألمانيا، أكثر من نصف اقتصاد العالم. وكان الناتج المحلي الإجمالي الاسمي للولايات المتحدة الأمريكية وحدها أكبر من الناتج المحلي الإجمالي المشترك لـ 170 دولة.

وفيما بلغت قيمة الناتج المحلي الإجمالي للصين 114.37 تريليون يوان (18 تريليون دولار أمريكي) العام الماضي، لم تتجاوز قيمة الناتج المحلي الروسي 1.7 تريليون دولار في العام 2021؛ وبلغت قيمة الناتج المحلي الهندي في ذلك العام 3.17 تريليون دولار، حسب تقارير البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، والمتقاربة مع تقارير تلك الدول.

وعليه، لا يمكن لأحد التنبّؤ بنسبة نجاح أو فشل الأميركيين وحلفائهم، على المديين المنظور والمتوسط، في مواجهة التحدّيين الصيني والروسي.. والإيراني أخيراً، على المستويين الاقتصادي والتجاري تحديدًا.

وفي الختام، يمكن القول بأن كسر إيران ل "جوزة" الحصار الغربي المديد عليها، من خلال تطوير إمكاناتها المادية الهائلة وتحقيق الاكتفاء الذاتي لشعبها في مختلف المجالات (اقتصاد إيران بات ثالث أقوى اقتصاد في المنطقة بعد السعودية وتركيا) ، بالتوازي مع تعميق انخراطها في المنظمات والمؤسسات الإقليمية والدولية "السيادية"، ودفع خيار المهادنة مع الغرب، عبر إبرام اتفاق نووي جديد معه، إلى الخلف ، قد مهّد الطريق بالفعل أمام سيناريو الكسر الكامل والمكتمل لنهج الأحاديّة الغربية، من دون أن يعني ذلك أن التعدديّة القطبيّة (حالياً هناك ما يسمّى ترهّل قطبي) باتت على مشارف الولادة، والتي ربما تكون عسيرة ؛ وهي ليست وشيكة على أيّ حال.


الكاتب: حسن صعب




روزنامة المحور