الأربعاء 03 أيار , 2023 05:33

هل عادت السودان إلى أولويات الولايات المتحدة؟

سودانيون يحتفلون إثر انفلاب 1985

ظلت العلاقات الأمريكية السودانية طوال تاريخها تمرّ بفترات إقبال وإدبار عن الأولويات الأمريكية. تارة كانت واشنطن تنشط من خلال المنظمات الدولية والمنظمات غير الحكومية في صنع الأقليات ليتصدى بعدها الدبلوماسيون لإذكاء الصراعات، وطورًا تفرض عقوبات اقتصادية شاملة على الشعب السوداني الذي يعاني أصلًا من نهب ثرواته ومقدراته.

يشير تاريخ العلاقات بين الولايات المتحدة والسودان إلى أن واشنطن في منتصف القرن الماضي كانت حريصة على الاستثمار في السودان على شكل مساعدات للشعب السوداني أو على شكل مشاريع استثمارية، وليس غريبًا، بالنظر إلى تاريخ الولايات المتحدة مع الدول النامية وأسلوبها المتكرر في نهب الشعوب وتفخيخ الأنظمة للحفاظ على النفوذ، أن السودان بعد كل تلك الجهود، هو اليوم بلد مفكك ولا ينتهي من الصراعات.

تاريخ العلاقات الأمريكية السودانية

يقول موقع الخارجية الأمريكية إن العلاقات الدبلوماسية الأمريكية مع السودان بدأت في عام 1956 في أعقاب إعلان استقلال السودان عن الإدارة المصرية البريطانية المشتركة، وهذه هي الصياغة الأخرى لفكرة أن الولايات المتحدة، قد ورثت استعمار السودان بعد الاستعمار البريطاني، كانت واشنطن مهتمة مبكرًا، وقبل أن تكتشف الدول الخليجية ذلك، بالأراضي الزراعية السودانية، والبترول السوداني، كما أرسلت الولايات المتحدة في مارس/آذار 1954 مندوبًا للمساهمة في الإشراف على أول انتخابات في السودان.

وعام 1957، أدرجت الولايات المتحدة السودان ضمن برنامج المعونات وصلت إلى 50 مليون دولار عام 1961، إلى أن قطع السودان علاقاته الدبلوماسية مع الولايات المتحدة، إثر اندلاع الحرب العربية - الإسرائيلية في الخامس من يونيو/ حزيران. وتوترت العلاقات أكثر لدى الانقلاب الذي قاده جعفر النميري في مايو/أيار 1969، ففي مناخ الحرب الباردة كان الانقلابيون أقرب إلى الاتحاد السوفياتي والكتلة الاشتراكية. بيد أن المحاولة الانقلابية الفاشلة التي قادها الحزب الشيوعي السوداني في عام 1971، قادت إلى تحول جوهري من النميري نحو الولايات المتحدة. فأعيدت العلاقات الدبلوماسية بين البلدين في عام 1972، وبات السودان يحظى بدعم أمريكي سخي، إذ يشير موقع الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية USAID إلى أنها ظلت تحتفظ إلى أواخر الثمانينيات بأكبر بعثة لها في جنوب الصحراء الإفريقية هناك.

اللافت أنها في مرحلة تدهور العلاقات، وعلى الرغم من اغتيال السفير الأمريكي على يد الفلسطينيين عام 1973، حافظت واشنطن على علاقاتها بالخرطوم، مع إجراء وحيد وهو سحب السفير الأمريكي وعودته بعد عدة أشهر، وبحسب موقع السفارة الأمريكية في الخرطوم كان السودان في تلك الفترة أكبر بلد متلقٍ للمساعدات التنموية والعسكرية في بلدان جنوب الصحراء الإفريقية.

بالطبع، لم تكن الولايات المتحدة لتتغاضى عن اغتيال أحد دبلوماسييها وهي التي كانت تقوم بعمليات علم زائف من هذا النوع لتشنّ حروبًا على الدول، إلا أن ما بدأته واشنطن في هذا البلد المليء بالثروات، وخاصة النفط الذي كان يهمها كثيرًا في تلك الفترة، لم يكن من مصلحتها أن يتوقف أو ينقطع. كانت الإدارات الأمريكية في تلك الفترة تعمل على تقسيم الشعب السوداني تحت أي حجة، وحتى ضمن نفس العرقيات. وتمكن النخب الفاسدة من الحكومات التي من شأنها أن تبقي الدولة ضعيفة، وتضع قوانين للنهب ليصبح مشروعًا. إلا أن اللافت في السودان، أن ثمة حركات قومية ومثقفة كانت ناشطة ولها شعبية، لكنها لم تتمكن من السلطة إلا قليل.

مرحلة العقوبات الاقتصادية

بعد عام 1985، بدأت التوترات في وتيرة متصاعدة، عندما وقفت الخرطوم إلى جانب ليبيا التي قصفت عاصمَتها الطائراتُ الأمريكية. ثم وصلت التوترات ذروتها إلى حدّ تعليق الولايات المتحدة مجمل مساعداتها للسودان، في أعقاب الانقلاب العسكري الذي قاده عمر البشير بالتعاون مع الجبهة الإسلامية بقيادة حسن الترابي في عام 1989، وزاد تدهور العلاقات مطلع التسعينيات إثر دعم السودان لجماعات إسلامية متشددة وغير متشددة وإعلان وقوفه مع العراق في غزوه للكويت ومعارضته للتدخل الأمريكي في المنطقة. وفي عام 1993 صنفت الولايات المتحدة السودان ضمن الدول الراعية للإرهاب وفرضت عليها العقوبات وظل اسم السودان على هذه القائمة الأمريكية حتى يومنا هذا. وعلّقت لاحقًا عمل سفارتها في الخرطوم في عام 1996.

ومنذ عام 2000، وبحسب موقع السفارة الأمريكية في الخرطوم، أبدى السودان تعاونًا في مكافحة الإرهاب لا سيما بعد هجمات أيلول 2001.  في هذا العام استحدثت إدارة بوش الإبن منصب مبعوث رئاسي خاص للسلام في السودان تولاه أكثر من دبلوماسي أمريكي، وعادت الولايات المتحدة التي رعت الانقسام الأهلي في السودان، عادت بعد أكثر من عقدين من الحرب الأهلية، وقامت بدفع اتفاقية السلام الشامل التي مهدت لاستفتاء انفصال جنوب السودان وقيام دولة جنوب السودان (وهي الأراضي الغنية بالنفط) في عام 2011.

خلال ولاية أوباما عام 2009، تمّ رفع العقوبات بهدف "تشجيع مكافحة الإرهاب"، على أن يخضع لمراجعة سنوية. وتحسنت العلاقات بين واشنطن والخرطوم منذ الإطاحة بعمر البشير في أبريل/ نيسان 2019 وتشكيل حكومة انتقالية مدنية في أغسطس/ آب. إلى أن عادت السودان إلى مرحلة الانقلابات في عهد بايدن المأزوم اقتصاديًا بالديون الأمريكية، والمأزوم عالميًا بإزالة الدولرة، حيث قامت القوات المسلحة بالانقلاب مجددا عام 2021، ثم حصل انقلاب على الانقلاب في 2023.

جهود واشنطن في تقسيم السودان

على الرغم من أن الأحداث توحي بأن ما قامت به الولايات المتحدة، هو انسحاب من ممارسة النفوذ المباشر على السودان لأكثر من عقدين، إلا أن التقديرات تشير بأن الإدارة الأمريكية، كانت فقط قد علّقت السودان خارج سلم أولويات علاقاتها الخارجية لحين الحاجة. فرضت ما يسمى بالعقوبات الاقتصادية للتنصل مما كانت تلزم نفسها به من صرف الأموال لأهدافها الخاصة في السودان، على أن تمول المنظمات غير الحكومية التي عاثت بالشعب فسادًا، جيوبٌ أخرى غير الجيوب الأمريكية. والجدير ذكره، أنّ أموال المساعدات، مهما كانت عناوينها، وإن كانت تصرف تحت عناوين مضللة، إلا أنها كانت تعود بالنفع على الميزانيات الحكومية الفقيرة.

إلى ذلك، كانت واشنطن رغم انسحابها، تعود لتثبت جهودها السابقة في النهب والتقسيم، كلما احتاجت لذلك، تمامًا كما حصل عام 2011.. واستمرت برعاية مصالحها البسيطة من خلال حلفائها في المنطقة وخاصة إسرائيل، التي تولت المهمة عنها، وما الدور الإسرائيلي اليوم في قضية الصراع بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، إلا محاكاة للدور الذي اعتدنا عليه من الولايات المتحدة. 


الكاتب: زينب عقيل




روزنامة المحور