الأربعاء 05 آذار , 2025 02:56

ترامب أمام الكونغرس: استعراض للقوة واعادة تشكيل السياسة الأميركية

لم يكن الرئيس الأميركي دونالد ترامب في خطابه الأول أمام الكونغرس صباح اليوم، مجرد رئيس يلقي بياناً عن حالة الولايات المتحدة، بل زعيم حركة سياسية مصمم على إعادة تشكيل الواقع السياسي الأميركي بالقوة وعلى طريقته الخاصة. رسالته كانت واضحة: هذه ليست مجرد ولاية ثانية، بل إعادة ترسيم لقواعد اللعبة.

بدأ ترامب خطابه بالحديث عن استعادة السيادة الوطنية، مؤكداً أن الولايات المتحدة لم تعد رهينة الاتفاقيات الدولية التي تكبل حركتها. انسحب من اتفاق باريس للمناخ، أوقف تمويل منظمة الصحة العالمية، وأعاد رسم أولويات العلاقات التجارية الأميركية على أساس المنفعة المباشرة. هذه السياسات، في رؤيته، هي التي تعيد للولايات المتحدة مكانتها العالمية دون الحاجة إلى التنازلات أو التفاهمات غير المتكافئة.

في الواقع، هذا الخطاب يعكس إصراراً على إدارة العلاقات الدولية بمنطق الصفقة لا الشراكة. التركيز على مصلحة "أميركا أولاً" جعل الحلفاء التقليديين أكثر حذراً في التعامل مع واشنطن، بينما عزز لدى خصومها شعوراً بأن المواجهة قادمة لا محالة.

-تشديد سياسة الهجرة وإغلاق الأبواب: السياسات الداخلية احتلت جزءاً واسعاً من خطاب ترامب، وعلى رأسها ملف الهجرة. أعلن حالة الطوارئ على الحدود، واعتبر أن بلاده تواجه "غزواً" يجب إيقافه بكل الوسائل. الإجراءات التي تحدث عنها شملت زيادة عدد قوات الحرس الوطني، توسيع عمليات الترحيل، والتضييق على المدن التي تمنح المهاجرين غير الشرعيين الحماية القانونية.

هذا التشدد في التعامل مع المهاجرين ليس جديداً، لكنه اليوم أكثر راديكالية. ترامب لا يكتفي بمنع دخول المهاجرين غير الشرعيين، بل يستهدف البيئة القانونية التي تسهل وجودهم، في محاولة لإعادة تشكيل التركيبة السكانية والاجتماعية بما يخدم رؤيته القومية المتشددة.

-السياسة الاقتصادية شكلت المحور الثالث في الخطاب: ترامب قدم أرقاماً عن انخفاض البطالة، ارتفاع معدلات النمو، وزيادة الأرباح في أسواق المال، مشدداً على أن هذه النتائج هي ثمرة سياساته الحمائية. فرض تعريفات جمركية جديدة على الصين والمكسيك وكندا، واعتبر أن هذه الخطوة أعادت التوازن إلى التجارة الخارجية وأجبرت الشركات على العودة إلى الداخل الأميركي.

لكن خلف هذه الأرقام، هناك واقع مختلف. ارتفاع الأسعار الناتج عن الحروب التجارية أثقل كاهل المستهلك الأميركي، فيما استفادت الشركات الكبرى أكثر من العمال. سياسات ترامب الاقتصادية عززت الاستثمارات الرأسمالية، لكنها لم تحل جذرياً مشكلة الفجوة الطبقية المتزايدة، بل زادت من اتساعها لصالح الفئات الأكثر ثراء.

في الشأن الخارجي، لم يكن خطاب ترامب سوى إعلان صريح عن الهيمنة بالقوة. الولايات المتحدة، وفق رؤيته، ليست ملزمة بحماية أحد دون مقابل، ولا يجب أن تتحمل أعباء التحالفات التقليدية إلا إذا كانت في مصلحتها المباشرة. تحدث عن ضرورة أن يتحمل الحلفاء مسؤولياتهم المالية داخل الناتو، وأكد أن بلاده لن تتردد في استخدام القوة حيثما دعت الحاجة.

هذا النهج العسكري الصريح يعكس استراتيجية إدارة السياسة الخارجية كملف اقتصادي بحت، حيث تُقاس العلاقات الدولية بناء على الربح والخسارة. النتيجة الطبيعية لهذه المقاربة هي تصاعد التوترات بدلاً من احتوائها، وخلق أجواء دائمة من الاستعداد للمواجهة بدلاً من الاستقرار.

-رفض الهزيمة في أي معركة سياسية: أكثر أجزاء الخطاب حدة كانت في نهايته، حين تحدث ترامب عن الانتخابات. وصف ما حدث سابقا بأنه "سرقة"، وأكد أن إدارته لن تسمح بتكرار ذلك. كان هذا إعلاناً صريحاً بأن معركة الانتخابات المقبلة قد بدأت منذ الآن، وأن الطعن في أي نتيجة لا تخدم مصالحه سيكون جزءاً من الاستراتيجية السياسية.

ترامب، في هذا الخطاب، لم يكن مجرد رئيس يتحدث عن إنجازات، بل زعيم يقود مرحلة سياسية كاملة عنوانها المواجهة. ليس هناك مجال للتسويات أو الحلول الوسطى، بل هيمنة مطلقة في الداخل والخارج، تحت شعار واحد: أميركا أولاً، وبالقوة إذا لزم الأمر.


الكاتب:

مريم السبلاني

-كاتبة في موقع الخنادق.

-ماجستير علوم سياسية.




روزنامة المحور