السبت 08 آذار , 2025 01:29

لماذا الشيشان؟ فهم الاستقدام المنهجي للمقاتلين الأجانب في سوريا

في مشهد يتكرر منذ سنوات، تنتشر على وسائل التواصل الاجتماعي مقاطع مصوّرة توثّق مجازر تُرتكب بحق المدنيين في سوريا، يظهر فيها مقاتلون أجانب، أبرزهم القادمون من الشيشان ودول أخرى من آسيا الوسطى. هذه الظاهرة ليست عشوائية، بل هي جزء من استراتيجية مدروسة استخدمت في العديد من النزاعات. لكن السؤال الذي يطرح نفسه بإلحاح: لماذا الشيشان تحديداً؟ ولماذا يتم استقدام مقاتلين أجانب لقتال السوريين بدلاً من الاعتماد على القوى المحلية؟

من الشيشان إلى سوريا: مسار المقاتلين عبر الحروب

لفهم هذه الظاهرة، لا بد من التوقف عند التاريخ القتالي للمقاتلين الشيشان، الذين خاضوا عدة حروب قبل أن يجدوا أنفسهم في سوريا. البداية كانت مع الحرب الشيشانية الأولى (1994-1996) ضد روسيا، والتي انتهت بانتصار جزئي للشيشان وحصولها على حكم ذاتي غير مستقر. لكن الحرب الشيشانية الثانية (1999-2009) كانت مختلفة، حيث نجحت روسيا في استعادة السيطرة، ما أدى إلى هروب عدد كبير من المقاتلين إلى مناطق أخرى، خاصة أفغانستان، العراق، وبعضهم استقر لاحقاً في تركيا.

خلال هذه الفترة، كان هناك دور بارز للاستخبارات الأجنبية في توجيه هؤلاء المقاتلين نحو ساحات جديدة. على سبيل المثال:

أفغانستان (1980-2001): خلال الحرب السوفيتية في أفغانستان، كان المقاتلون الشيشان جزءاً من موجة "الجهاد العابر للحدود" التي دعمتها الولايات المتحدة والسعودية، حيث تم تجنيدهم وتمويلهم لمحاربة الجيش السوفيتي. بعد ذلك، استمر بعضهم في القتال تحت راية حركة طالبان أو تنظيم القاعدة.

العراق (2003-2011): بعد الغزو الأميركي للعراق، ظهر المقاتلون الشيشان ضمن الفصائل "الجهادية" التي قاتلت ضد القوات الأميركية والحكومة العراقية الجديدة، وكانوا جزءاً من الجماعات المرتبطة بالقاعدة، وتنظيم داعش في العراق.

ليبيا (2011): خلال الحرب الليبية التي أطاحت برئيسها معمر القذافي، تم رصد وجود مقاتلين شيشان ضمن الفصائل المسلحة التي حصلت على دعم غربي وخليجي، سواء عبر التدريب أو التسليح.

سوريا (2012-الآن): مع تصاعد الحرب في سوريا، تم استدعاء النموذج نفسه، حيث ظهر المقاتلون الشيشان ضمن فصائل متطرفة مثل "جند الشام"، و"جيش المهاجرين والأنصار"، وأخيرا في صفوف "هيئة تحرير الشام" وتنظيم "داعش".

المقاتلون الشيشان لم يتحركوا بمحض إرادتهم، بل تمت إعادة توظيفهم عبر قنوات استخباراتية ودولية لخدمة أجندات محددة. هناك ثلاث قوى رئيسية يمكن الحديث عنها عند تحليل استغلال هؤلاء في النزاعات:

-الولايات المتحدة وحلفاؤها الإقليميون:

خلال الحرب السوفيتية في أفغانستان، ساعدت واشنطن عبر وكالة الاستخبارات المركزية (CIA) في إنشاء "شبكة الجهاد العالمي"، التي فتحت الباب أمام المقاتلين الأجانب، ومنهم الشيشان، للانضمام إلى المعركة ضد السوفييت.

لاحقاً، تم استخدام بعض هؤلاء في العراق وليبيا وسوريا، عبر تسهيل تحركاتهم، خاصة في الفترات التي احتاجت فيها القوى الغربية إلى تقويض أنظمة معادية لها.

-تركيا:

منذ الحرب الشيشانية الثانية، أصبحت تركيا محطة رئيسية لاستقبال المقاتلين الشيشان الفارين من الحرب، حيث أقام بعضهم هناك وتم تسهيل تحركاتهم.

في سوريا، كان لأنقرة دور بارز في فتح الحدود لعبور هؤلاء المقاتلين، خاصة بين 2012 و2016، حيث انضموا إلى الفصائل المسلحة التي تلقت دعماً لوجستياً وعسكرياً منها.

-دول الخليج:

قدمت بعض الدول الخليجية دعماً مالياً ولوجستياً لفصائل تضم مقاتلين شيشان في سوريا، في إطار استراتيجية دعم الجماعات المسلحة التي تقاتل الدولة السورية قبل سقوط نظام الرئيس السابق بشار الأسد. بعض الجمعيات "الخيرية" لعبت دوراً في تمويل انتقال هؤلاء المقاتلين إلى مناطق النزاع، تحت غطاء دعم "الجهاد" أو "الإغاثة".

السؤال الأكثر إلحاحاً هو: لماذا يظهر هؤلاء في المجازر التي تستهدف المدنيين؟ الإجابة تكمن في طبيعة الدور الذي تم تكليفهم به. فهؤلاء المقاتلون لا ينتمون إلى المجتمع السوري، ما يجعلهم أكثر استعداداً لتنفيذ عمليات وحشية دون أي اعتبارات أخلاقية أو خوف من ردود الفعل المحلية.

إضافة إلى ذلك، هناك استراتيجيات واضحة في الحروب تعتمد على استخدام مقاتلين أجانب كأدوات لإرهاب المجتمعات المستهدفة، بهدف تهجيرها أو تحطيم معنوياتها. وهذا ما حدث سابقاً في العراق وأفغانستان وليبيا، حيث تم توظيف العناصر الأجنبية في تنفيذ المجازر، ثم تقديمهم ككبش فداء في حال تغيرت المعادلات السياسية.

المسألة هنا تتجاوز فكرة الحرب بالوكالة إلى إعادة تدوير للمقاتلين الذين خاضوا حروباً في ساحات أخرى، ليتم زجّهم في المعارك وفق حسابات الدول التي ترغب في زعزعة الاستقرار في المنطقة. فمن المعروف أن بعض الجهات التي سهّلت نقل هؤلاء إلى سوريا، هي نفسها التي كانت على صلة بهم في حروب سابقة.

ما يحدث في سوريا ليس مجرد امتداد للحرب الداخلية، بل هو جزء من مخطط أوسع لإعادة تشكيل المنطقة عبر استخدام أدوات مألوفة من الحروب السابقة. هؤلاء المقاتلون ليسوا مجرد أفراد يبحثون عن معارك جديدة، بل هم جزء من استراتيجية يتم تحريكها وفق المصالح الدولية والإقليمية. وما دامت هذه المصالح قائمة، سيظل المدنيون هم الضحية الأولى والأخيرة لهذه الحروب المستوردة.


الكاتب: غرفة التحرير




روزنامة المحور