يناقش هذا المقال الذي نشرته صحيفة "ذا واشنطن بوست – The Washington Post" الأمريكية، وترجمه موقع الخنادق الالكتروني، تصاعد التوترات التركية الإسرائيلية، وتضارب المصالح الجيوستراتيجية ما بينهما، الذي قد يدفع نحو مسار تصادم محتمل.
وبعد استعراض بعض مؤشرات التصادم، أشار المقال الى تقرير صادر عن معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي، الذي يرأسه الرئيس الأسبق لشعبة المخابرات العسكرية - أمان، والذي يرجّح بأن إسرائيل قد تستفيد من التعاون مع تركيا، القوة الإقليمية الوحيدة ذات النفوذ الكبير على أحمد الشرع، للحد من خطر الصراع العسكري بين إسرائيل وسوريا.
النص المترجم:
أدى سقوط حكومة الرئيس السوري بشار الأسد إلى تفاقم العلاقات المتوترة أصلاً بين تركيا وإسرائيل، حيث تدفع مصالحهما المتضاربة في سوريا العلاقة نحو مسار تصادمي محتمل.
وبرزت تركيا، التي دعمت لفترة طويلة جماعات معارضة للأسد، كلاعب رئيسي في سوريا، وتدعو إلى سوريا مستقرة وموحدة، حيث تحتفظ حكومة مركزية بسلطتها على جميع أنحاء البلاد.
وقد رحبت بالاتفاق التاريخي الذي وقّعته الحكومة السورية المؤقتة الجديدة هذا الأسبوع مع قوات سوريا الديمقراطية (قسد) بقيادة الأكراد، للاندماج مع الحكومة والجيش السوري.
من ناحية أخرى، لا تزال إسرائيل تشكك بشدة في الرئيس السوري المؤقت، أحمد الشرع، مشيرةً إلى جذوره في تنظيم القاعدة. كما أنها حذرة من نفوذ تركيا على دمشق، ويبدو أنها تريد أن ترى سوريا مجزأة بعد أن تحولت البلاد في عهد الأسد إلى منصة انطلاق لعدوها اللدود، إيران، ووكلائها.
وقالت أصلي أيدينتاسباس من معهد بروكينغز في واشنطن: "لقد أصبحت سوريا مسرحاً للحرب بالوكالة بين تركيا وإسرائيل، اللتين تنظران بوضوح إلى بعضهما البعض كمتنافسين إقليميين".
هذه ديناميكية خطيرة للغاية، ففي جميع جوانب عملية الانتقال السوري، هناك تضارب بين المواقف التركية والإسرائيلية.
بعد سقوط الأسد، استولت إسرائيل على أراضٍ في جنوب سوريا، والتي قال مسؤولون إسرائيليون إنها تهدف إلى إبعاد الجماعات المعادية عن حدودها. وقالت الحكومة السورية الجديدة والأمم المتحدة إن توغلات إسرائيل تنتهك اتفاق وقف إطلاق النار المبرم عام 1974 بين البلدين، ودعتا إسرائيل إلى الانسحاب. كما شنت إسرائيل غارات جوية استهدفت الأصول العسكرية التي خلفتها قوات الأسد، وأعربت عن خططها للحفاظ على وجود طويل الأمد في المنطقة.
يقول محللون إن إسرائيل قلقة من احتمال توسيع تركيا لوجودها العسكري داخل سوريا. منذ عام 2016، شنت تركيا عمليات في شمالي سوريا لدحر الميليشيات الكردية السورية المرتبطة بحزب العمال الكردستاني المحظور، وتحافظ على نفوذها في شمال البلاد من خلال قواعد عسكرية وتحالفات مع جماعات معارضة للأسد.
وقد صرح مسؤولون دفاعيون أتراك بأن تركيا وسوريا تتعاونان حاليًا لتعزيز دفاع وأمن البلاد، وأن وفدًا عسكريًا سيزور سوريا الأسبوع المقبل.
صرح نمرود غورين، رئيس معهد ميتفيم، وهو مركز أبحاث إسرائيلي متخصص في السياسة الخارجية، بأنه على عكس تركيا التي تدعم سوريا قوية ومركزية ومستقرة، يبدو أن إسرائيل تفضل سوريا مجزأة في الوقت الحالي، اعتقادًا منها أن ذلك قد يعزز أمن إسرائيل بشكل أفضل.
قال إن إسرائيل قلقة بشأن الشرع وعلاقاته الإسلامية، وتخشى أن يُشكّل تعزيز قوته ما وصفته إسرائيل بـ"تهديد جهادي" على طول حدودها الشمالية.
ويقول مسؤولون إسرائيليون إنهم لن يتسامحوا مع وجود عسكري سوري جنوب دمشق، وهددوا بغزو إحدى ضواحي دمشق دفاعًا عن أفراد من الأقلية الدرزية، الذين يعيشون في كل من إسرائيل وسوريا، بعد اندلاع اشتباكات قصيرة الأمد بين قوات الأمن السورية الجديدة والفصائل المسلحة الدرزية. تبلغ المسافة من دمشق إلى مرتفعات الجولان التي تسيطر عليها إسرائيل حوالي 60 كيلومترًا (37 ميلًا).
وكانت تركيا وإسرائيل حليفتين وثيقتين في السابق، لكن العلاقة اتسمت بتوترات عميقة في ظل حكم الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الذي استمر لأكثر من عقدين، على الرغم من فترات المصالحة القصيرة. يُعد أردوغان منتقدًا صريحًا لسياسات إسرائيل تجاه الفلسطينيين، بينما أغضب دعم أردوغان لحركة حماس، التي تعتبرها إسرائيل جماعة إرهابية، إسرائيل.
في أعقاب حرب غزة، أدانت تركيا بشدة الأعمال العسكرية الإسرائيلية، وأعلنت قطع علاقاتها التجارية مع إسرائيل، وانضمت إلى قضية إبادة جماعية رفعتها جنوب إفريقيا ضد إسرائيل أمام محكمة العدل الدولية التابعة للأمم المتحدة.
وقالت أيدنتاشباس إن السلطات التركية تشعر الآن بقلق متزايد من أن إسرائيل "تدعم مطالب الحكم الذاتي للأكراد والدروز والعلويين".
وأصدر أردوغان تهديدًا مبطنًا ضد إسرائيل الأسبوع الماضي، قائلاً: "على من يسعون إلى إثارة الانقسامات العرقية والدينية في سوريا لاستغلال عدم الاستقرار في البلاد أن يعلموا أنهم لن يتمكنوا من تحقيق أهدافهم".
وفي الأسبوع الماضي، شنت فصائل متحالفة مع الحكومة السورية الجديدة - يُزعم أن بعضها مدعوم من تركيا - هجمات انتقامية على أفراد من الأقلية العلوية التي ينتمي إليها الأسد بعد أن هاجمت جماعات موالية للأسد قوات الأمن الحكومية على الساحل السوري. وقالت جماعات الرصد إن مئات المدنيين قُتلوا.
أدان أردوغان بشدة أعمال العنف، وأشار إلى أن الهجمات تستهدف "وحدة أراضي سوريا واستقرارها الاجتماعي".
وقالت نائبة وزير الخارجية الإسرائيلي، شارين هاسكل، إن العنف الطائفي المميت يرقى إلى مستوى "التطهير العرقي" الذي ترتكبه جماعات إسلامية بقيادة "جماعة إرهابية إسلامية جهادية استولت على دمشق بالقوة وتدعمها تركيا".
وأضافت هاسكل أن إسرائيل تعمل على منع التهديد على طول حدودها من "النظام الجهادي" الجديد في سوريا.
ويتزايد تورط إسرائيل في سوريا، حيث تعهدت بتوفير الحماية والمساعدة الاقتصادية للدروز في جنوب سوريا في وقت تتصاعد فيه التوترات الطائفية.
يجد الدروز، وهم طائفة دينية صغيرة، أنفسهم عالقين بين الحكومة السورية الجديدة التي يقودها الإسلاميون في دمشق وإسرائيل، التي يعتبرها العديد من السوريين جارًا معاديًا يستغل محنة الدروز لتبرير تدخله في المنطقة. وتقول إسرائيل إنها أرسلت شاحنات مساعدات غذائية إلى الدروز في جنوب سوريا وتسمح لبعض الدروز السوريين بالعبور إلى الجزء الذي تسيطر عليه إسرائيل من مرتفعات الجولان للعمل.
كان الشرع متصالحًا بعض الشيء تجاه إسرائيل في تصريحاته المبكرة، مؤكدًا أنه لا يسعى إلى صراع. لكن لهجته ازدادت قوة. ففي خطاب ألقاه في اجتماع طارئ لجامعة الدول العربية عُقد مؤخرًا في القاهرة، قال إن "التوسع العدواني لإسرائيل ليس انتهاكًا للسيادة السورية فحسب، بل تهديدًا مباشرًا للأمن والسلام في المنطقة بأسرها".
وقالت أيدنتاشباس من معهد بروكينغز إن التوترات المتصاعدة تثير قلقًا بالغًا. مضيفةً بأنه "في السابق، كنا نرى إسرائيل وتركيا تنخرطان أحيانًا في خلافات، لكنهما كانتا قادرتين على فصل علاقتهما الأمنية عن كل شيء آخر. لكنهما الآن تحاولان بنشاط تقويض بعضهما البعض. السؤال هو: هل تعرف هذه الدول الخطوط الحمراء لكل منهما؟".
وأشار تقرير صادر عن معهد دراسات الأمن القومي، وهو مركز أبحاث يرأسه رئيس سابق للمخابرات العسكرية الإسرائيلية، إلى أن إسرائيل قد تستفيد من التعاون مع تركيا، القوة الإقليمية الوحيدة ذات النفوذ الكبير على القيادة السورية، للحد من خطر الصراع العسكري بين إسرائيل وسوريا.
المصدر: واشنطن بوست - Washington post
الكاتب: غرفة التحرير