الأربعاء 30 نيسان , 2025 03:23

العواقب النفسية للإنذارات المسبقة.. كيف نحمي أنفسنا؟

أفيخاي أدرعي وخرائط الإنذارات

لم تكن تقنية توجيه الإنذار المبكر في عمليات القصف متداولة قبل سنوات. يُقال إن العدو يلجأ لها للتخفيف من التبعات القانونية والحقوقية فيما لو طالته يومًا، لأنه أمِن العقوبة والمساءلة طيلة ثمانين عامًا. عمليًا، تؤدي الإنذارات المسبقة إلى تقليل الخسائر البشرية، ولكنها لا تقلّل أبدًا من الخسائر المادية والمعنوية، بل على العكس، فإنّ العواقب النفسية الناتجة عنها، كثيرة جدًا ومؤذية، لأنها تتسبّب بارتفاع مستويات القلق والتوتر والضغط النفسي عند الكثيرين.

إن مشاعر الانتظار والترقّب التي يعيشها الكثيرون، منذ لحظة الإنذار إلى لحظة تنفيذه، هي مشاعر عالية الحساسية والتأثير، حيث تزدحم آلاف المخاوف والصور في الذهن، ويعاني الشخص من تدفّق الأفكار غير المنتظمة في الوقت ذاته، ما يمكن أن يؤدّي لدى البعض إلى حالة من العجز التام، أو الشلل، نتيجة عدم القدرة على مواجهة الإنذار أو التصرّف حياله. يشبه الأمر إلى حدّ ما، حالة التوقّف الكلّي عند الاختناق المروري أمام مستديرة كبيرة مثلًا، ماذا يفعل الشخص العالق داخل سيارته على تقاطع كبير ومقفل؟ حيث لا يستطيع أحدٌ أن يتحرّك، ويعجز المرء عن التحرك يمينًا أو شمالًا أو إلى الأمام أو إلى الوراء. إنّ ردّة الفعل بعد تلقّي الإنذار باستهداف المبنى أو المؤسسة، يشبه هذا التخبّط، مع إمكانية الهرب أو النجاة بالجسد فقط، لكن الأشياء المادية الأخرى ستكون بانتظار موتها المرتقب.

تؤدّي الإنذارات المسبقة لدى الشريحة المستهدفة إلى الحالات الانفعالية التالية: الصدمة، الهلع، الذعر، الحزن، الإحساس الكبير والمفاجئ بالخسارة، الاقتراب من الفناء والموت، وغيرها.

تؤدّي كل هذه الانفعالات السلبية، لاحقًا، إلى تنمية هذه المشاعر وتكاثرها عند الأغلبية. بمعنى أن الشخص الذي أصيب بالذعر أو الحسرة أو العجز، سترافقه هذه الأحاسيس لفترات قادمة، تطول أو تقصر، وسيبقى أسير هذه الانفعالات كلما خبرُ شيئًا مماثلًا، أو كلما تعرّض لمثيرات تذكّر بالحادثة.

لم يكتفِ الاحتلال الإسرائيلي بتقنية توجيه الإنذارات، بل سمح لنفسه بمخالفتها والاستهانة بها والالتفاف عليها. فهو كان يهدّد باستهداف مكانٍ ما، لكنه كان يتجاوز كثيرًا في الاستهداف فيقصف معه عددًا إضافيًا من الأهداف. أو كان يلجأ إلى التأخير أو التأجيل أحيانًا، كما حصل عدة مرات مع بعض الأهداف، التي بقيت تثير الفزع والخوف لدى الجميع، لأنها مهددة في أي لحظة، وبهذه السلوكيات كان العدو يضمن البقاء على حالة الخوف والذعر عند الطرف الآخر، وعلى مشاعر التفوق والسيطرة من ناحيته.

التواصل عبر منصة X

خلال الحرب الإسرائيلية على لبنان من أيلول 2024 ولغاية ربيع العام 2025، كانت الإنذارات التي وجّهها العدو عبر المنصة X الأكثر عنفًا نفسيًا، مع وجوب الإشارة إلى أن التهديد عبر منصة X ينحصر فقط في الدور الذي مارسه أفيخاي أدرعي لوحده. حيث كانت صفحته المرجع الاتصالي الأكثر أذى وإيلامًا للأسباب التالية:

- لصدورها عن مرجعية رسمية عُليا ومباشرة، هي الجيش الإسرائيلي.

- لمصداقيتها وعدم التشكيك بواقعيتها، بعد محكّات تنفيذها الدقيق لما تتحدث عنه.

- للأسلوب النفسي المدروس، الذي يمارسه أفيخاي أدرعي، وهو رئيس قسم الإعلام العربي في وحدة الجيش الإسرائيلي. ونتيجة لمنصبه يحظى بشهرة في وسائل الإعلام العربية، على الرغم من أنه من مواليد العم 1982، بمعنى أنه ليس صاحب تجربة مخضرمة، وليس كبيرًا في السن، ولكنه تميّز بأدائه الذي يستخدم فيه أساليب الإثارة العصبية، إثارة الخصوم، السخرية منهم، وازدراء الرموز وغيرها...

- لاقترانها بصورة الخرائط، التي تعبّر عن الدقة المتناهية. يمثّل استخدام صورة الخريطة، لدى المتلقّي، إشغالًا عالي التوتر والقلق والذعر، لحواس البصر واللمس والسمع، من خلال الرؤية المقرونة بالخوف والصدمة، وتكبير الصورة وتصغيرها كمحاولات عبثية للاستزادة من التحذير وموقعه وجغرافيته ومدى أضراره، وانتظار سماع الضربة في حال كان متواجدا ضمن جغرافية محددة.

من الأمثلة على الضرر النفسي الذي تسبّبت به إنذارات أفيخاي أدرعي:

- حرص الكثيرين على متابعته الدائمة وتشغيل التنبيهات لكل ما يصدر عن إعلام العدو بسبب الخوف والحذر.

- بعض الأشخاص يعاودهم اليوم الشعور بالذعر عند رؤية أي خريطة مشابهة. (صورة الخريطة بحد ذاتها تحوّلت إلى مثيرٍ سلبي جدًا يستدعي استجابات سلبية).

- إعطاء هذه المنصات حقّ المرجعية الخبرية الأساس، وهذا هدف نجح به العدو ولن يتغير بسهولة.

توصيات

بما أن منصة X مستخدمة من العدو بفعالية مدروسة للنيل من المجتمع المقاوم، نوصي ببعض النصائح لتخفيف الآثار النفسية المترتبة على الإنذارات المسبقة

- تجهيز أفكار مسبقة للتعامل مع الموقف. (أكتب مثلا على ورقة: ما أصعب تهديدٍ قد يواجهني؟ كيف يمكن أن أتعامل معه أو أتحدّاه؟

- تدريب النفس مسبقًا على فرضيات سلبية وسيئة (ماذا أفعل إذا واجهني الإخلاء/ كيف أجمع أفراد العائلة/ أحمي أوراقي الشخصية وملفاتي الثبوتية/ كيف أتصرّف لو كنت في الشارع وحصل استهداف قريب مني؟)

- أخذ قرار حاسم بعدم فتح الفيديوهات المنشورة بكثافة.

- مقاطعة وسائل الإعلام المعادية التي تسبب التوتر والقلق بأكاذيبها وادّعاءاتها.

- التحرّر من متابعة الأخبار بشكل لحظوي (خبر عاجل/ رسالة نصية/ مجموعات وتساب..).

- تخصيص وقتٍ معين للتصفح أو المتابعة، لأنه يمنح وقتًا محدودًا واستعدادًا نفسيًا مسبقًا يخفف الضغط.





روزنامة المحور