الثلاثاء 20 أيار , 2025 12:02

قراءة في أبعاد القرار اليمني بفرض الحظر على ميناء حيفا

ميناء حيفا

في خضم التصعيد العسكري والسياسي للحرب الاسرائيلية على قطاع غزة، اتخذ اليمن خطوة تصعيدية لافتة تمثلت بإعلانه الحظر البحري على ميناء حيفا. ويأتي هذا القرار كنوع من الضغط على كيان الاحتلال الذي يتعنت معلناً استمرار الحرب ويمعن بتعطيل المفاوضات لوقفها. وبالتالي، يكون اليمن قد انتقل إلى مرحلة اخرى باغلاقه أحد أبرز الشرايين الاقتصادية في فلسطين المحتلة، وما يسمى "بوابة إسرائيل إلى العالم".

ميناء حيفا، الواقع شمال غرب فلسطين المحتلة على الساحل الشرقي للبحر المتوسط، يُعد من أهم الموانئ في الكيان، ويشكل منفذاً رئيسياً للتجارة فيه، لا سيما تلك القادمة من آسيا وأوروبا. بحسب بيانات هيئة الموانئ الإسرائيلية، يتعامل الميناء مع أكثر من 30 مليون طن من البضائع سنوياً، ويخدم مئات الشركات الصناعية والتجارية في الشمال والوسط.

وقد شهد الميناء خلال السنوات الأخيرة توسعة كبيرة باستثمارات أجنبية، شملت تشغيل محطة الحاويات الجديدة من قبل شركة "شنغهاي إنترناشيونال بورت غروب" الصينية، ما رفع من طاقته الاستيعابية وجعله نقطة محورية في مبادرة "الحزام والطريق" الصينية. هذا التحول الاستراتيجي جعل من حيفا مركزاً بحرياً متقدماً في شرق المتوسط، ومحطة أساسية في سلاسل الإمداد العالمية المتجهة إلى إسرائيل.

تستورد إسرائيل نسبة كبيرة من وارداتها من الأسواق الآسيوية، وخاصة الصين والهند، عبر المسار البحري الممتد من المحيط الهندي إلى البحر الأحمر، مروراً بقناة السويس، ثم إلى ميناء حيفا. هذا المسار هو الأسرع والأقل كلفة مقارنة بمسارات بديلة. ومع إعلان صنعاء حظرها، برزت مخاوف جدية من حدوث اختناقات في سلاسل التوريد، وتأخير الشحنات، وارتفاع تكاليف الشحن والتأمين البحري.

وتشير تقارير اقتصادية، من بينها تقرير صادر عن معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي (INSS) في كانون الثاني/يناير عام 2025، إلى أن أي اضطراب في حركة الشحن عبر هذا المسار سيكلف إسرائيل خسائر بمئات ملايين الدولارات شهرياً، بالنظر إلى اعتمادها على هذا الخط الحيوي لاستيراد المواد الخام، والمعدات الصناعية، والسلع الاستهلاكية.

في ظل هذا الحظر، تبرز أمام إسرائيل خيارات محدودة، ولكن لكل منها أثمانه الخاصة التي قد تجنح كفة الخسائر والتكلفة على حساب الفوائد المرجوة. من بين البدائل المطروحة:

-التحويل إلى ميناء أشدود: إلا أن موقعه الجنوبي يجعله أكثر عرضة أيضاً لأي تصعيد عسكري، كما أنه لا يتمتع بنفس البنية التحتية المتقدمة.

-الاستعانة بميناء إيلات ثم النقل البري عبر صحراء النقب إلى الداخل، وهو خيار مكلف وبطيء نسبياً.

-الاعتماد على الموانئ القبرصية أو اليونانية مع شحن البضائع جواً أو بحراً إلى إسرائيل، ما يزيد من الكلفة والتعقيد اللوجستي.

-التعاون مع موانئ خليجية والنقل البري عبر الأردن، وهو سيناريو مشروط بالاستقرار الأمني والتوافقات السياسية.

وبحسب تحليل صادر عن مركز ستراتفور للدراسات الجيوسياسية، فإن هذه البدائل مجتمعة لا تستطيع تعويض القدرة التشغيلية الكاملة لميناء حيفا في حال تعطلت خطوط الإمداد.

قراءة هذا التحرك لا تقتصر على الأبعاد الاقتصادية فحسب، بل تمتد إلى معادلة الردع الإقليمية. فالقرار الصادر من صنعاء يأتي ضمن استراتيجية تهدف إلى الضغط على إسرائيل، وخلق حالة من الإرباك الاستراتيجي. هذا التحول يربك التقديرات الإسرائيلية التي اعتادت على حروب قصيرة ومحدودة الجبهات.

ورغم أن اليمن لا تملك قوة بحرية تقليدية، فإن قدرتها على استخدام الطائرات المسيّرة والصواريخ البحرية، إلى جانب تمركزها الجغرافي في مضيق باب المندب، يمنحها أداة فعالة في تعطيل حركة السفن.

إذا استمر الحظر اليمني، خاصة في ظل توسيع نطاقه فإن ذلك قد يُحدث تغييراً جذرياً في السياسات البحرية الإسرائيلية. من المتوقع أن تلجأ تل أبيب إلى حشد دعم دولي ضد هذه الإجراءات، أو اتخاذ خطوات عسكرية لتعزيز أمن الملاحة. غير أن التعقيدات التي تعيشها العلاقة بين الولايات وإسرائيل خلال هذه الفترة، ومنها انسحاب واشنطن من المواجهة مع صنعاء، تضع كيان الاحتلال في موضع حرج محكوم بمحدودية الخيارات الموضوعة على الطاولة.

أما على الصعيد الاقتصادي، فإن استمرار الحظر قد يؤدي إلى ارتفاع تكلفة الاستيراد، وزيادة الضغط على الموانئ البديلة، وتباطؤ في سلاسل التوريد الصناعية، الأمر الذي قد ينعكس على قطاعات متعددة، من الغذاء إلى التكنولوجيا.

يمثّل الحظر اليمني لميناء حيفا أكثر من مجرد أزمة ملاحية، بل هو تجلٍ جديد لتحوّل أدوات المواجهة في المنطقة، حيث لم تعد الحروب تقتصر على الجبهات العسكرية، بل باتت تشمل الاقتصاد والممرات البحرية. ومع تنامي دور صنعاء في هذا الملف، تصبح إسرائيل أمام تحدٍ استراتيجي حقيقي، ليس فقط لحماية شريانها البحري، بل لإعادة تقييم تموضعها الإقليمي في ظل متغيرات سريعة وفاعلين جدد.


الكاتب: غرفة التحرير

الكاتب:

مريم السبلاني

-كاتبة في موقع الخنادق.

-ماجستير علوم سياسية.



دول ومناطق


روزنامة المحور