السبت 31 أيار , 2025 11:15

موقع أمريكي: لماذا تعرقل أوروبا المفاوضات النووية مع إيران؟

المستشار الألماني ورئيس الحكومة البريطانية والرئيس الفرنسي

يستعرض هذا المقال الذي نشره موقع "Responsible Statecraft" الأمريكي وترجمه موقع الخنادق الإلكتروني، ما وصفه بتصرف الترويكا الأوروبية غير العقلاني والمدمّر لذاته، من خلال تعمّد المملكة المتحدة وفرنسا وألمانيا تقويض المفاوضات النووية مع إيران، عبر التهديد بإعادة فرض العقوبات في توقيت غير مناسب تمامًا. مبيّناً بأن أخطر العواقب لهذا الأمر إن حصل، ستكون احتمال انسحاب إيران من معاهدة حظر الانتشار النووي، ما سيُفقد المجتمع الدولي القدرة على مراقبة برنامجها. مشدّداً على أن أوروبا، التي تعاني بالفعل من تبعات الحرب في أوكرانيا، لا تستطيع تحمل أزمة يمكن تفاديها. ومشيراً إلى أنه إذا لم تستطع الترويكا المساعدة في إنجاح المحادثات بين الولايات المتحدة الأمريكية وإيران، فعليها على الأقل ألا تتعمّد تقويضها.

النص المترجم:

في صدى خطير لحسابات خاطئة سابقة، تصعّد دول الترويكا الأوروبية (E3) — فرنسا وألمانيا والمملكة المتحدة — التوترات مجددًا مع إيران، وهذه المرة من خلال التهديد بتفعيل إعادة فرض العقوبات الأممية (ما يُعرف بـ"سناب باك") إذا فشلت المحادثات النووية بين الولايات المتحدة الأمريكية وإيران.

ترى دول الترويكا في هذه الخطوة وسيلة ضغط لإجبار إيران على تقديم تنازلات بشأن برنامجها النووي. لكنها في الواقع تهدد بنسف الجهود الدبلوماسية بالكامل، وقد تُغرق الشرق الأوسط في أزمة أعمق.

تتصدر فرنسا هذا النهج التصعيدي، مجددة دورها كأكثر أطراف الترويكا تشددًا، كما كان الحال خلال مفاوضات الاتفاق النووي (JCPOA) عام 2015. ففي اجتماع مغلق لمجلس الأمن الدولي حول منع الانتشار النووي عُقد في أواخر نيسان / أبريل، عبّر وزير الخارجية الفرنسي جان نُويل بارو عن هذا التوجه الحادّ بقوله: "إذا لم تؤتِ المحادثات بين الولايات المتحدة وإيران ثمارها، فلن نتردد لحظة في إعادة فرض كل العقوبات التي رُفعت قبل 10 سنوات".

وبعد أسابيع قليلة، إثر فوز المخرج الإيراني المعارض جعفر بناهي بجائزة في مهرجان كان السينمائي، أشاد بارو بالجائزة باعتبارها رمزًا لـ"مقاومة قمع النظام الإيراني". ورغم أن الإشادة بفوز مخرج إيراني ليست بحد ذاتها مشكلة، إلا أن التسييس الواضح للتصريح وتوقيته في خضم محادثات نووية حساسة، عُدّ دبلوماسيًا خطوة غير موفقة واستفزازًا غير ضروري لطهران.

هذا الخطاب يتماشى مع النمط الأوروبي الأوسع — ولا سيما الفرنسي — في الخلط بين السياسات الداخلية الإيرانية والالتزامات النووية، وهو نهج لا يؤدي إلا إلى تصلب الموقف الإيراني. لذا لم يكن مفاجئًا أن تصريحات بارو قوبلت برد فعل غاضب في طهران، حيث تم استدعاء السفير الفرنسي، وردّ وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي بغضب على ما اعتبره نفاقًا فرنسيًا في مسألة حقوق الإنسان.

لكن فرنسا ليست وحدها. فالسفير البريطاني النافذ في الولايات المتحدة، بيتر ماندلسون، بدا مؤيدًا للأصوات الأميركية المطالبة بوقف أي تخصيب لليورانيوم داخل إيران — وهو أحد الخطوط الحمراء الأساسية لطهران والنقطة الخلافية الأهم في المفاوضات الحالية. وقد واجهت هذه التصريحات ردًا سريعًا من إيران، حيث حذّر عراقجي من إنهاء أي تفاوض مع دول الترويكا إذا أصبح "صفر تخصيب" الموقف الأوروبي الرسمي.

في تحول لافت، انتقلت دول الترويكا — التي قادت مسار الاتفاق النووي في أوائل الألفية — إلى التماهي أكثر فأكثر مع صقور واشنطن، مثل وزير الخارجية ماركو روبيو، الذين عارضوا الاتفاق منذ البداية. ويبدو أن هناك الآن مسارين متنافسين: الأول هو مسار ترامب-ويتكوف الذي يحاول بجدية إبرام صفقة مع طهران، إلى درجة أن ترامب اعترف علنًا بأنه حذّر رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو من القيام بأي خطوة قد تجهض الصفقة. أما المسار الثاني، فيقوده روبيو والترويكا الأوروبية، ويُفضّل الضغط على الدبلوماسية. ونظرًا لعدم قدرة الولايات المتحدة على تفعيل "سناب باك" لكونها لم تعد طرفًا في الاتفاق، فإن روبيو يشجع الترويكا على القيام بذلك.

وفي هذا السياق، فإن تصريح بارو بأن "لا حل عسكريًا للملف النووي الإيراني، لكن المسار الدبلوماسي ضيق" يبدو غير صادق. وهو يتماشى مع رؤية مسؤول الشرق الأوسط السابق في إدارة بايدن، بريت ماكغورك، الذي دعا إلى فرض "مواعيد نهائية" للمفاوضات مدعومة دائمًا بـ"تهديد عسكري موثوق".

غير أن التاريخ يُظهر أن الضغوط لا تؤدي إلى تراجع طهران، بل إلى تصلبها. وموضوعيًا، لا سبب يدعو إلى هذا التصعيد: نعم، وصلت نسب التخصيب الإيرانية إلى 60%، أي أعلى بكثير من 3.67% المسموح بها بموجب الاتفاق النووي، لكن طهران أبدت استعدادًا دائمًا للتفاوض "حول كل شيء" شريطة احترام حقها في التخصيب المحلي. وهذا يفتح المجال واسعًا للتفاوض حول تفاصيل تقنية، مثل سقف التخصيب، ومدى صلاحية القيود الزمنية (sunset clauses)، ومصير المخزون المخصب، وآليات التحقق.

وخلال منتدى الحوار في طهران الذي حضرته الأسبوع الماضي، طُرحت عدة أفكار غير رسمية في هذا الصدد — منها اقتراح بوقف مؤقت للتخصيب كإجراء لبناء الثقة، مع تصدير المخزون إلى روسيا عند استئناف التخصيب. وهناك طرح متزايد لفكرة "كونسورتيوم تخصيب إقليمي" بشرط ضمان حق إيران في التخصيب.

وقد لمح مسؤولون إيرانيون في جلسات خاصة إلى إمكانية وقف تشغيل بعض أجهزة الطرد المركزي المتقدمة. ورغم أن طهران ترفض من حيث المبدأ فرض قيود دائمة على جوانب من برنامجها النووي، إلا أن التفاوض على تمديد مدة القيود الحالية لـ 5 أو 10 سنوات إضافية لا يبدو مستحيلًا — ما يسمح لترامب بادعاء حصوله على "صفقة أفضل" من تلك التي أبرمها أوباما. أما فيما يخص التفتيش، فقد أبدت إيران — في تحول مهم — استعدادًا للسماح بدخول مفتشين أميركيين ضمن آلية الوكالة الدولية للطاقة الذرية.

هذه الديناميكيات تُظهر أن هناك مجالًا للدبلوماسية. لكن إصرار الصقور والترويكا على فرض جداول زمنية مصطنعة لا مبرر له — فالقضايا المعقدة بين خصمين قديمين لا يمكن حلها في اجتماعين بعُمان أو روما. بناء الثقة يتطلب وقتًا. لكن ما يبدو أنه يهم الترويكا أكثر من حل الأزمة النووية هو استخدام أوراق الضغط كغاية في حد ذاتها، "استخدمها أو ستفقدها" أصبح الشعار الجديد في باريس ولندن وبرلين.

ما يفسر هذا المسار هو رغبة دول الترويكا في معاقبة إيران على قضايا لا تتعلق بالملف النووي، مثل علاقاتها العسكرية مع روسيا أو انتهاكاتها الداخلية لحقوق الإنسان.

وهذه المخاوف مشروعة. فأوروبا ترى في الحرب الروسية على أوكرانيا تهديدًا وجوديًا. ومن هذا المنظور، فإن النظرة الأوروبية لإيران باتت سلبية للغاية. وتُفاقم هذه النظرة تقارير عن أنشطة مزعومة لأجهزة الاستخبارات الإيرانية على الأراضي الأوروبية واعتقال مواطنين أوروبيين في إيران بناءً على اتهامات مشكوك فيها، وهو ما تعتبره بروكسل "احتجاز رهائن".

لكن مهما كانت هذه الشكاوى خطيرة ومشروعة، فإن دمجها مع الجهد الدبلوماسي النووي هو وصفة للفشل. لم يكن الاتفاق النووي مصممًا لحل كل مشكلات إيران، بل هو اتفاق محدود في نطاقه لمنع الانتشار النووي. احتجاز الاتفاق النووي رهينة لمطالب خارجية سيضمن انهياره — ومعه، أي أمل في احتواء البرنامج النووي الإيراني أو غيره من السياسات التي تعترض عليها أوروبا، مثل العلاقات العسكرية مع روسيا.

وقد حذّرت طهران من "عواقب وخيمة" إذا لجأت الترويكا إلى "سناب باك". ومن أخطر هذه العواقب احتمال انسحاب إيران من معاهدة حظر الانتشار النووي، ما سيُفقد المجتمع الدولي القدرة على مراقبة برنامجها. كما أن الحكومة الإيرانية المعتدلة الحالية ستُضعف، وهي التي تواجه أصلًا انتقادات من التيار المتشدد بسبب تقديمها تنازلات مبكرة، كاستعدادها للعودة مؤقتًا إلى نسب التخصيب المحددة في الاتفاق. وكما حدث مع سقوط الاتفاق في نهاية عهد الرئيس البراغماتي روحاني (2017-2021)، قد يستعيد المتشددون سيطرتهم، مما سيؤدي — بشكل ساخر — إلى تسارع كل السياسات التي تكرهها الترويكا: تسريع التخصيب، تعميق التعاون مع روسيا، وتضييق الحريات الداخلية.

لهذا السبب، فإن تهديد الترويكا بتفعيل "سناب باك" ليس فقط غير عقلاني، بل هو مدمر لذاته. أوروبا، التي تعاني بالفعل من تبعات الحرب في أوكرانيا، لا تستطيع تحمل أزمة يمكن تفاديها. وإذا لم تستطع الترويكا المساعدة في إنجاح المحادثات بين الولايات المتحدة وإيران، فعليها على الأقل ألا تتعمّد تقويضها.


المصدر: Responsible Statecraft

الكاتب: غرفة التحرير




روزنامة المحور