الجمعة 20 حزيران , 2025 02:59

تورط أمريكا في الحرب.. فرصة ذهبية للصين

الصين تتقدم في المنطقة وأميركا تنشغل بالحروب

في خضمّ العدوان الإسرائيلي الأميركي المتواصل على إيران، تتزايد المخاوف في الأوساط الأميركية من أن تغرق إدارة ترامب مجدداً في مستنقع "الشرق الأوسط"، مما يمنح الصين فرصة استراتيجية نادرة لتعزيز نفوذها العالمي.

تشير التطورات الأخيرة إلى أن كل خطوة عسكرية أميركية في المنطقة تُستغل في بكين سياسياً لتعزيز سردية الانهاك الأميركي وصعود محور أوراسيا بقيادة الصين. وبحسب المقال الذي نشره موقع "وور اون ذا روكس" وترجمه موقع الخنادق الإلكتروني يعرض الكاتب فكرة مفادها أن الصين تستثمر الأزمات بحنكة بدلاً من التدخل المباشر في النزاعات، عبر تقوية علاقاتها مع طهران ووكلائها، وتأمين مصالحها النفطية عبر تفاهمات مع الحوثيين، بينما تتحمّل واشنطن كلفة "الأمن" في الممرات البحرية الحيوية.

هذا التورط الأميركي المستمر يمنح الصين اليد العليا في معركة النفوذ الكبرى، حيث تترقب القوى الإقليمية قدرة واشنطن على التركيز والتماسك الاستراتيجي. وفي ظل التهديد الأميركي المتواصل بالدخول في الحرب، يظل القرار الذي سيتخذه ترامب تجاه الحرب الحالية محوراً حاسماً يحدد ما إذا كانت مشاركته ستمنح الصين فرصة إضافية للتقدم في صراع القوى العالمي.

النص المترجم:

بينما تتجه مجموعة ضاربة أخرى من حاملات الطائرات نحو الشرق الأوسط وتتمركز أسراب مقاتلات "اف 35" في المنطقة إلى جانب طائرات التزود بالوقود، ينبغي للشعب الأميركي أن يفكر ملياً فيما إذا كان الرئيس دونالد ترامب سيسمح للشرق الأوسط بأن يُلقي بظلاله على الأولويات في منطقة المحيطين الهندي والهادئ.

استغلّت بكين بشكل منهجي التورط الأميركي في أزمات الشرق الأوسط، محوّلةً كل أزمة إلى مكسب استراتيجي لها. وتواجه إدارة ترامب الآن خياراً حاسماً: إما خفض التوترات في الشرق الأوسط، أو السماح للصين بمواصلة الاستفادة من سياسات واشنطن غير المنضبطة. لم يغب عن بكين أو حلفاء الولايات المتحدة في منطقة المحيطين الهندي والهادئ رمزية تحويل الأصول العسكرية الأميركية نحو الشرق الأوسط. ففي أوساط لا تلقى فيها التصريحات السياسية عن "حرية الملاحة" صدىً يُذكر، فإن نشر القوات الأميركية يُعبّر بوضوح عن التوجهات الفعلية. وقد أظهرت حملة البحر الأحمر التي قادتها إدارتا بايدن وترامب مدى التمدد الاستراتيجي المكلف مقابل مكاسب غير واضحة، وأسهمت في إضعاف التماسك بين الولايات المتحدة وحلفائها الأوروبيين والعرب في أعقاب "أزمة" 7 أكتوبر.

قد يُنظر إلى المدمّرة الأميركية الموجودة في شرق البحر المتوسط، والتي يُفترض أنها تنفّذ مهامّ "أمن بحري"، على أنها توقيع أميركي مشترك على الحملة المدمّرة التي تشنّها "إسرائيل" على غزة. ولم تغفل الصين عن هذه التكاليف التي تضرّ بسمعة الولايات المتحدة وهيبتها. إذ تستغل بكين كلّ خطأ أميركي متصوَّر لتعزيز سرديتها القائلة إن القيادة الأميركية منافقة، ومزعزعة للاستقرار، وتعيش حالة تراجع وهي كُلفة تتضاعف في حال تدخلت الولايات المتحدة حتى ولو دفاعاً عن مصالحها الوطنية الحيوية. ويخيّم على الحرب المتواصلة بين "إسرائيل" وإيران تهديد محتمل لمضيق هرمز، إذ أن فرض طهران "حصاراً" على هذا الممر الحيوي للطاقة قد يدفع ترامب إلى إعادة النظر في تموضعه الدفاعي. في المقابل، بنت بكين قدرات تمكّنها من الاستفادة من الأزمات الإقليمية بدلاً من السعي إلى حلّها. وتشمل هذه القدرات القاعدة العسكرية الصينية في جيبوتي، والقوات البحرية الدورية التي ترافق السفن، والتحديث المستمر لقواتها المسلحة وكلها تهدف إلى تمكين "إسقاط القوة" في البحار البعيدة، كجزء من رؤية الصين لقارة أوراسيا تميل لصالح نفوذها.

خلال أزمة البحر الأحمر، أظهرت الصين نهجها بوضوح: فهي عقدت صفقات مع الحوثيين الذين دعمتهم من خلال "مبيعات أسلحة ومكوّنات ذات استخدام مزدوج" لتأمين مرور السفن الصينية بأمان، في الوقت الذي كانت فيه الولايات المتحدة والمملكة المتحدة تنفذان عمليات عسكرية مكلفة.

في آذار/مارس 2025، وفي ظل تصاعد التوترات النووية، انضمّت الصين إلى إيران وروسيا في التمرين البحري السابع لحزام الأمن البحري في خليج عُمان. ورغم أن البحرية الصينية على الأرجح لم تتدرّب على أن تحلّ محلّ العمليات الأميركية في سيناريو إغلاق مضيق هرمز، فإن بكين ستكون سعيدة بالاستفادة المجانية من دفاع الولايات المتحدة عن الممرات البحرية العالمية بدلاً من إثارة مواجهة بين القوى الكبرى أو المخاطرة بإمداداتها النفطية. وفي الوقت نفسه، ستواصل الصين تشكيل بيئة المعلومات الاستراتيجية.

تحوّلت "أزمة" ما بعد 7 تشرين الأول/أكتوبر إلى أداة إضافية في حملة الصين ضد القيادة العالمية للولايات المتحدة. فقد دأبت بكين منذ سنوات على بناء علاقة "أصدقاء بمنافع" مع طهران ووكلائها، ما أتاح لإيران الالتفاف على العقوبات الدولية من خلال مبيعات النفط. من الواضح أن الصين لا تنزعج من انشغال أميركا بالشرق الأوسط. وطريقة تعامل ترامب مع الصراع الإسرائيلي-الإيراني ستحدد ما إذا كانت إدارته ستكسر هذه الحلقة من التشتّت، أو ستغوص فيها أعمق. إذ يبدو أن "إسرائيل" تنظر إلى أهداف استراتيجية تتجاوز مجرد "ردع" طموحات إيران النووية، وقد يكون ترامب يدعم توجه نتنياهو المتشدّد. التحدي أمام ترامب يكمن في كيفية التوفيق بين رغبته المُعلنة بإنهاء الصراع، ومنع حرب إقليمية طويلة الأمد.

ويفرض ما يُعرف بـ "النهج الآسيوي أولاً" وهو التوجه الذي يتبناه العديد من مسؤولي ترامب ويركز على مواجهة التحدي الصيني وتقليص الالتزامات العسكرية الأميركية في الشرق الأوسط، وجعل تسوية النزاعات فيه أولوية استراتيجية. فصورة القيادة الأميركية في الشرق الأوسط -الذي شكّل ساحة السياسة الخارجية الأساسية لأميركا على مدى عقدين- تؤثر على حسابات الصين وحلفاء أميركا في منطقة الإندو-باسيفيك أيضاً.

سيكون من الحكمة أن يتعلم ترامب من التجربة الأخيرة، بما فيها سنوات ولايته الأولى: كل أزمة في الشرق الأوسط تستنزف انتباه وموارد أميركا تُمنح فيها الصين فرصة استراتيجية جديدة لتعزيز موقعها.


الكاتب: Adham Sahloul




روزنامة المحور