يشكّل الرأي العام الأميركي تجاه الحرب الإسرائيلية على غزة مؤشراً بالغ الأهمية على تحولات كبرى في المزاج السياسي والاجتماعي داخل الولايات المتحدة. فلطالما ارتبط الموقف الأميركي الرسمي بدعم غير مشروط لإسرائيل، غير أن الاستطلاعات الأخيرة تكشف عن تصدّع هذه الصورة، وتنامي وعي شعبي يتجاوز الانقسام الحزبي التقليدي، حيث باتت قطاعات متزايدة من الأميركيين – خصوصاً الأجيال الشابة – ترى في ممارسات إسرائيل أعمالاً ترقى إلى مستوى الإبادة الجماعية، وتبدي تعاطفاً أوسع مع الفلسطينيين، في انعكاس لتحول تاريخي في العلاقة بين الرأي العام والسياسة الخارجية الأميركية.
أظهر استطلاع جديد أجرته جامعة ميريلاند، نقلته مجلة responsible statecraft، في تقرير ترجمه موقع الخنادق، تحوّلاً لافتاً في الرأي العام الأميركي حيال الحرب الإسرائيلية على غزة. فقد اعتبر 41% من المشاركين أن العمليات العسكرية الإسرائيلية تشكّل إبادة جماعية أو شبيهة بها، وهو ارتفاع كبير مقارنة بالعام الماضي (23%). هذا الاتجاه برز بشكل خاص بين الديمقراطيين، حيث ارتفعت النسبة إلى 67%، بينما لم تتجاوز 14% لدى الجمهوريين. كما سجّل الشباب من كلا الحزبين ميلاً أكبر نحو توصيف ما يجري بأنه إبادة جماعية، في قطيعة مع مواقف الأجيال الأكبر سناً.
الاستطلاع، الذي شمل أكثر من 1500 مشارك، كشف أيضاً أن 22% فقط يرون حرب إسرائيل مبررة "بموجب حق الدفاع عن النفس"، في مقابل غالبية واسعة ترفض هذا التبرير أو تبدي تردداً. اللافت أن دعم واشنطن العسكري والاقتصادي والدبلوماسي لإسرائيل اعتبره 61% من المستطلَعين عاملاً أساسياً مكّنها من مواصلة عملياتها في غزة، وهو موقف عبرت عنه الأغلبية في صفوف الديمقراطيين والجمهوريين والمستقلين على حد سواء.
من جهة أخرى، وللمرة الأولى منذ أكثر من عقد من إجراء هذه السلسلة من الاستطلاعات، عبّر عدد أكبر من الأميركيين عن تعاطفهم مع الفلسطينيين (28%) مقارنة بالإسرائيليين (22%). وبرز هذا التوجه بين الفئة العمرية 18-34 عاماً، حيث قال 37% إنهم يتعاطفون أكثر مع الفلسطينيين مقابل 11% فقط مع إسرائيل. وبين الجمهوريين تحديداً، ظهر انقسام حاد بين الأجيال: فبينما مال 52% من الأكبر سناً لدعم إسرائيل، لم يبدِ سوى 24% من الجمهوريين الشباب الموقف ذاته.
أما على صعيد تقييم السياسات الأميركية، فقد رأى أربعة من كل عشرة مشاركين أن إدارة ترامب كانت "مؤيدة جداً لإسرائيل"، فيما قال ثلث المشاركين فقط إن السياسة الأميركية الحالية تعزز المصالح الأميركية، مقابل 25% اعتبروا أنها تخدم المصالح الإسرائيلية بالدرجة الأولى.
بصورة عامة، يظهر الاستطلاع أنّ الوعي الشعبي الأميركي يشهد تحوّلاً نوعياً في فهم طبيعة الصراع، وأن الفجوة بين الموقف الرسمي الداعم لإسرائيل وبين قناعات الرأي العام آخذة في الاتساع. هذه النتائج، التي تأتي في ظل تصاعد الانتقادات الدولية لإسرائيل عقب استهدافها مستشفى في غزة ومقتل صحفيين فلسطينيين، تؤشر إلى بداية مرحلة جديدة قد تفرض ضغوطاً متزايدة على السياسة الأميركية تجاه الصراع الفلسطيني ـ الإسرائيلي.
النص المترجم للمقال
استطلاع: 41% من الأميركيين يرون أن إسرائيل ترتكب أعمال إبادة جماعية في غزة
لأول مرة، أبدى عدد أكبر من المشاركين تعاطفهم مع الفلسطينيين، بينما قال 22% فقط إن حرب القدس مبررة "بموجب حق الدفاع عن النفس"
ووفقا لاستطلاع جديد للرأي نشرته يوم الاثنين سلسلة القضايا الحرجة بجامعة ميريلاند، يعتقد واحد وأربعون في المائة من الأميركيين، بما في ذلك 67% من الديمقراطيين و14% من الجمهوريين، أن العمليات العسكرية الإسرائيلية في غزة تشكل "إبادة جماعية" (22%) أو "تشبه الإبادة الجماعية . (19%)"
وتأكيداً لهذا الاتجاه المتزايد، كان المستجيبون الأصغر سناً من كلا الحزبين أكثر ميلاً إلى القول بأن تصرفات إسرائيل تشكل إبادة جماعية أو ما شابه ذلك.
أظهر الاستطلاع، الذي شمل أكثر من 1500 بالغ تبلغ أعمارهم 18 عامًا فأكثر، بين 29 يوليو و7 أغسطس، أن 22% فقط من المشاركين قالوا إن حرب إسرائيل على غزة تُعتبر "أفعالًا مُبررة بموجب حق الدفاع عن النفس"، وهو التفسير المعلن للحكومة الإسرائيلية برئاسة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو. وشمل ذلك 7% فقط من الديمقراطيين و46% من الجمهوريين. وأجاب 23% من المشاركين بأنهم لا يعرفون.
وعلاوة على ذلك، قال أكثر من ستة من كل عشرة (61%) من المشاركين إن الدعم العسكري والاقتصادي والدبلوماسي الأميركي لإسرائيل مكن تلك الدولة من القيام بأعمالها العسكرية، مقارنة بـ 12% قالوا إن مثل هذه المساعدة إما ليس لها أي تأثير (12%) أو تأثير هامشي فقط (10%)، بينما قال 26% المتبقين إنهم لا يعرفون.
كان الرأي القائل بأن دعم واشنطن مكّن إسرائيل من القيام بأعمالها في غزة رأيًا متجاوزًا للأحزاب. فقد وافق على هذا الرأي ما يقرب من ثلاثة من كل أربعة ديمقراطيين (72%)، وكذلك 57% من الجمهوريين، و63% من المستقلين.
ويأتي نشر الاستطلاع وسط انتقادات دولية متزايدة للحرب الإسرائيلية، والتي من المرجح أن تشتد في أعقاب الغارة التي شنتها إسرائيل يوم الاثنين على مستشفى في جنوب غزة والتي أسفرت عن مقتل 20 شخصاً، بينهم خمسة صحفيين، ما يرفع إجمالي عدد الصحفيين الفلسطينيين الذين قتلوا خلال الـ22 شهرا الماضية إلى 189، وفقا للجنة حماية الصحفيين ومقرها نيويورك.
وأظهر الاستطلاع، وهو الأحدث في سلسلة من الاستطلاعات التي أجرتها جامعة ميريلاند منذ أكثر من عقد من الزمان، أن عدد الأميركيين الذين يعربون عن تعاطفهم مع الفلسطينيين أكبر (28%) مقارنة بالإسرائيليين (22%)، في حين قال 26% من المشاركين إنهم يتعاطفون مع كلا الطرفين على قدم المساواة، وقال 25% المتبقون إنهم إما لا يتعاطفون مع أي من الطرفين (12%) أو أنهم لا يعرفون (13%).
كان دعم الفلسطينيين أعلى بين المشاركين الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و34 عامًا؛ حيث قال 37% من هذه الفئة إنهم يتعاطفون أكثر مع الفلسطينيين مقارنةً بـ 11% قالوا إنهم يتعاطفون أكثر مع إسرائيل. وكانت الفجوة بين الجمهوريين الأكبر سنًا والشباب عميقة بشكل خاص، وفقًا لشبيلي تلحمي، رئيس كرسي أنور السادات للسلام والتنمية في جامعة ماريلاند، والذي أشرف على برنامج القضايا الحرجة.
قال لـ RS عبر البريد الإلكتروني: "إن التغيير الذي يحدث بين الجمهوريين الشباب مذهل. فبينما يتعاطف 52% من الجمهوريين الأكبر سنًا (35 عامًا فأكثر) مع إسرائيل أكثر، فإن 24% فقط من الجمهوريين الأصغر سنًا (18-34 عامًا) يقولون الشيء نفسه - أي أقل من النصف".
وأكد أيضاً أنه في حين أظهرت استطلاعات الرأي الأخيرة، بما في ذلك التي أجراها معهد غالوب ومركز بيو للأبحاث، تعاطفاً متزايداً مع الفلسطينيين، "فهذه هي المرة الأولى التي نجد فيها أن عدداً أكبر من الأميركيين بشكل عام يتعاطفون مع الفلسطينيين أكثر من الإسرائيليين".
قال أربعة من كل عشرة مشاركين، بمن فيهم 63% من الديمقراطيين و45% من المستقلين، إن سياسة إدارة ترامب تجاه إسرائيل وفلسطين "مؤيدة جدًا لإسرائيل"، مقارنةً بـ 3% فقط قالوا إنها "مؤيدة جدًا للفلسطينيين". وقال 27% آخرون إنها "مُحقة تقريبًا"، وقال 30% إنهم "لا يعرفون". وبينما قالت أغلبية الجمهوريين (57%) إنها "مُحقة تقريبًا"، قال أكثر من واحد من أصل خمسة جمهوريين (21%) إنها "مُؤيدة جدًا لإسرائيل".
وفيما يتعلق بمسألة الإبادة الجماعية والدفاع عن النفس، وجد الاستطلاع فجوة كبيرة بين الجمهوريين الأصغر سناً والأكبر سناً، حيث قال 52% من كبار السن إن الإجراءات الإسرائيلية مبررة، ولكن 22% فقط من الجمهوريين الذين عرّفوا أنفسهم بأنهم تحت سن 35 عاماً وافقوا على هذا التقييم.
قال عددٌ أكبر بكثير من المشاركين إن الأفعال الإسرائيلية تُشكل إبادة جماعية أو تُشبهها، مُقارنةً بالعام الماضي عندما طرحت سلسلة جامعة ماريلاند هذا السؤال لأول مرة. وارتفعت نسبة المُوافقين على فرضية الإبادة الجماعية من 23% إلى 41%. وكان هذا التغيير بين الديمقراطيين ملحوظًا بشكل خاص، حيث ارتفعت نسبة المُوافقين على هذه الفرضية من 38% قبل عام إلى 67% في أحدث استطلاع.
وعندما طُلب من المشاركين تقييم ما إذا كانت السياسة الأميركية الحالية في المنطقة "تعزز المصالح الأميركية"، أجاب ثلث المشاركين فقط بالإيجاب، في حين قال 25% إنها "تعزز المصالح الإسرائيلية في الغالب"، وقال 6% إنها "تعزز مصالح الدول العربية في الغالب".
ومن المثير للدهشة أن عددا أكبر من الجمهوريين الأصغر سنا (26%) قالوا إن السياسة الأميركية تعمل في الغالب على تعزيز المصالح الإسرائيلية مقارنة بمن قالوا إنها تعمل في الغالب على تعزيز المصالح الأميركية (24%).
المصدر: معهد responsible statecraft
الكاتب: Jim Lobe