الأربعاء 27 آب , 2025 03:51

ذا غارديان: المطلوب محاسبة نتنياهو وفرض عقوبات على الإسرائيليين

أطفال غزة ينتظرون دورهم للحصول على الغذاء في ظل المجاعة

 

مطالبات واسعة باتخاذ خطوات ملموسة تجاه ما يحصل في غزة تبدأ بمحاسبة بنيامين نتنياهو على جرائم الحرب، وفرض عقوبات على قادة المستوطنين، والإقرار بأن الحكومة الإسرائيلية نفسها تقف حجر عثرة أمام إطلاق سراح الأسرى، إضافة إلى تسمية ما يحدث في غزة على حقيقته: إبادة جماعية. في مقال نشرته صحيفة "ذا غارديان" وترجمه موقع الخنادق الإلكتروني، انتقد الكاتب أداء موقف زعيم حزب العمال البريطاني كير ستارمر من هذه الحرب، في ظل الواقع المأساوي الذي يعيشه المدنيون تحت القصف وضعف المواقف السياسية والتباسها في لندن. وشدّد على أن المطلوب من ستارمر ليس الاكتفاء بخطاب دبلوماسي أو اعتراف رمزي بدولة فلسطين بل القيام بما هو أوسع وعدم الاكتفاء بالمواقف الخجولة.

النص المترجم:

بينما تواصل "إسرائيل" توسيع هجومها العسكري في غزة بشكل مدمر، بدأت تتصاعد المعارضة في الداخل. يوم السبت، تجمع آلاف الأشخاص في ميدان هبيما في قلب تل أبيب للمطالبة بإنهاء الحرب في واحدة من أكبر المظاهرات منذ اندلاع القتال. وكانت الشرطة الإسرائيلية قد ألغت ترخيصاً سابقاً لمسيرة عبر المدينة في محاولة واضحة لإسكات أصوات المعارضة. جاء ذلك بعد 24 ساعة فقط من إعلان التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي وقوع مجاعة في غزة، وكشفه عن فظائع حملة التجويع الشاملة التي تشنها "إسرائيل".

منذ صدور قرار الحكومة بإعادة احتلال مدينة غزة، أصدر الجيش الإسرائيلي 60 ألف أمر استدعاء جديد للخدمة الاحتياطية. وعندما تدخل هذه الأوامر حيز التنفيذ في أوائل سبتمبر، سيصل عدد قوات الاحتياط إلى أعلى مستوى له منذ اندلاع الحرب: 130 ألفاً. لكن الجيش ليس وحده من يتضخم حجمه، فحركة الرافضين كذلك آخذة في التوسع.

في الأسابيع الأخيرة، برزت موجة جديدة من الرافضين رداً على الانتهازية السياسية لبنيامين نتنياهو. في أحاديث خاصة بين أفراد العائلات أو عبر بيانات علنية بالاعتراض، بدأ المزيد من الإسرائيليين يدركون أن المشاركة في الخدمة العسكرية تعني التواطؤ مع جرائم الحكومة. هذه الحركة ليست متجانسة لا في العمر ولا في الطبقات الاجتماعية، ولا في الدوافع أو الأيديولوجيا. بعض الرافضين بدافع الضمير، مثل المراهقين في حركة "مسرفوت"، يعلنون رفضهم العلني لأن يكونوا جزءاً من آلة الحرب. هؤلاء يُعاملون بصرامة شديدة وغالباً ما يتعرضون لدورات متكررة من السجن في المعتقلات العسكرية. وقد قمتُ شخصياً بزيارات تفقدية لهذه المنشآت، حيث التقيت بهؤلاء الذين باتوا يُعرفون بـ "جنود السلام".

آخرون أقل استعداداً لإعلان موقفهم علناً، لكنهم يرفضون الخدمة بشكل غير معلن. وتُعامل البيانات الخاصة بالعدد الدقيق لما يُعرف بـ "الرافضين الرماديين" باعتبارها سراً استخباراتياً بالغ الأهمية، ولا يشاركها الجيش. غير أن منظمة "يش غفول"، التي تساعد المستدعين على الحصول على إعفاء من التجنيد، تقول إن أعدادهم في تزايد مستمر. وأظهر استطلاع رأي نُشر مؤخراً في صحيفة هآرتس زيادة لافتة في التأييد الشعبي للرافضين للتجنيد حيث يرى نحو 33% من اليهود الإسرائيليين أن هذا الموقف ليس مبرراً فحسب، بل ضروري من أجل إنقاذ الأسرى من مخاطر الحملة العسكرية في مدينة غزة. وتتراوح دوافع الرفض بين الاعتراض على الإبادة الجماعية، والاعتراض الأخلاقي على المشاركة في جرائم حرب، والمعارضة السياسية للاحتلال ككل، والقلق من أن العمل العسكري يعرّض الأسرى للخطر، إلى جانب الاعتراض على إعفاء المجتمع الحريدي (المتدينين المتشددين) من الخدمة.

إيلا كيدار غرينبرغ، وهي رافضة بدافع الضمير تحدثت في مظاهرة السبت بعد أن قضت فترة في الحبس الانفرادي طوال شهر أبريل، قالت إنها من خلال رفضها استطاعت عرقلة استمرار الدمار. ورغم أن هذه الأصوات لا تزال تتحدث من موقع هامشي، إلا أنه من الواضح أن المزيد والمزيد من الإسرائيليين يرغبون في إرباك الحكومة. ففي الأشهر الأخيرة، تزايدت المظاهرات والاعتصامات وأشكال العمل المباشر المناهضة لحرب نتنياهو.

لكن، في أعقاب أنباء جولة جديدة من القصف على غزة، يمكن اختصار رسالتنا من التجمّع بعبارة واحدة رُفعت على اللافتة: "لن يتكرر أبداً":

لن نسمح أبداً أن يسود الصمت أمام مشهد أطفال يُذبحون وعائلات تُجوّع.

لن نقف مكتوفي الأيدي فيما نتنياهو يأمر بتدمير الأحياء واقتحام المستشفيات.

لن نرضى أن ترفض حكومته اتفاقاً يفضي إلى إطلاق سراح الأسرى.

لن تمرّ جريمة الإبادة في غزة بصمت بعد اليوم.

في عام 1948، اعتمد المجتمع الدولي الإعلان العالمي لحقوق الإنسان واتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها. ومنذ ذلك الحين، فشلنا عالمياً مرات عديدة في الحفاظ على هذه الحقيقة الثمينة: أنه لا يجوز أن يفنى الناس في ألسنة اللهب، ولا يجوز ارتكاب مثل هذه الجرائم البشعة فيما يقف الآخرون مكتوفي الأيدي. لكن لم يحدث في الأزمنة الحديثة أن واجه العالم هاوية الفناء كما يواجهها اليوم في غزة. ومن ثم، فإن عبارة "لن يتكرر ذلك أبداً" ليست مجرد تذكير أخلاقي، بل هي أمر أخلاقي بالتحرك.

كما يقول المثل: "خدعني مرة، فالعَيب عليك، خدعني مرتين، فالعيب عليّ". ويبدو أن نتنياهو ينجح في خداع القادة الغربيين مرة بعد مرة. يوم الجمعة، ورداً على إعلان لجنة السياسات بوقوع مجاعة، قال وزير الخارجية البريطاني ديفيد لامي إن الأمر "فظيع للغاية وكارثة من صنع الإنسان، يمكن تفاديها بالكامل". فاسمحوا لي أن أسأل لامي وبقية أعضاء الحكومة البريطانية: أأنتم من بين المسؤولين عن هذه الكارثة؟ ففي يوليو، أعلن رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر خطة مشروطة للاعتراف بدولة فلسطينية إذا لم تغيّر "إسرائيل" مسارها.

الناس الذين يتضورون جوعاً وهم تحت التهديد المستمر بالقصف لا يملكون الصبر نفسه الذي يملكه المسؤولون المتأنقون في المكاتب الرخامية. إنهم يتوسلون للحصول على الطعام والماء والهواء بينما ينشغل الساسة بالجدل حول الشروط والتوقيت.

على ستارمر أن يعترف فوراً بفلسطين من دون قيد أو شرط، لكن عليه أن يعترف بما هو أبعد من ذلك. عليه أن يقرّ بأن نتنياهو مجرم حرب دولي بكل ما للكلمة من معنى. عليه أن يدعم فرض عقوبات جديدة تستهدف حركة المستوطنين، بما في ذلك وزراء مثل إيتمار بن غفير وبتسلئيل سموتريتش. عليه أن يعترف بأن نتنياهو وحكومته يشكّلان العقبة الأساسية أمام إطلاق سراح الرهائن. عليه أن يعترف بأهل غزة كضحايا لإبادة جماعية متواصلة، وأن يتصرف على هذا الأساس. وإلا فسيبقى متواطئاً في هذه الكارثة المدمّرة من صنع البشر.


المصدر: The Guardian

الكاتب: Ofer Cassif




روزنامة المحور