الإثنين 26 أيار , 2025 03:10

الجيش "الأكثر أخلاقاً" في العالم.. يمارس القتل كهواية

الكيان يرتكب المجازر بحق الأطفال في قطاع غزة

مأزق داخلي متفاقم في "إسرائيل"، يتمثّل في الفجوة الآخذة بالاتساع بين صورة الذات الإسرائيلية كما تراها من الداخل، وبين صورتها كما تنعكس في مرآة الرأي العام العالمي. حيث يكشف المقال الذي نُشر في صحيفة "يديعوت أحرونوت" وترجمها موقع الخنادق الإلكتروني، أن الجرائم التي يرتكبها كيان الاحتلال في قطاع غزة تمر في "إسرائيل" بلا مساءلة تُذكر. حيث يعالج المقال أربع مفارقات. أولاً، المفارقة الإعلامية، حيث يُقابل التفاعل الدولي الغاضب بصمت محلي بارد، ويجري تهميش الضحايا الفلسطينيين في مقابل تفجير الغضب الشعبي عند سقوط قتلى إسرائيليين (تقدم الكاتبة ما حدث في مجدل شمس كنموذج). ثانياً، يشير المقال إلى تآكل الضوابط الأخلاقية في المجال العام الإسرائيلي، مع تصاعد خطابات العنف من داخل المؤسسة السياسية، وتحول دعوات التهجير والإعدام إلى "خطاب روتيني". ثالثاً، يسلّط المقال الضوء على ازدواجية الجيش الإسرائيلي، الذي يروّج لرواية إعلامية حول حماية الرهائن بينما ينفّذ عمليات ميدانية تهدد حياتهم، وسط غياب الشفافية والمساءلة. رابعاً، يحذّر المقال من أن فقدان "الشرعية الدولية" يُخفي وراءه خطراً أعمق: إعصار داخلي يُفكك البنية النفسية والاجتماعية للمجتمع الإسرائيلي، ويضعف قدرته على إدراك الكارثة الأخلاقية التي يقف في قلبها. بهذا المعنى، لا يكتفي المقال بنقد السياسات أو الأداء العسكري، بل يطرح إشكالية أعمق: "إسرائيل"، كما يعرضها النص، لم تعد تواجه أزمة خارجية فقط، بل أزمة ضمير داخلي تهدد أساس شرعيتها الأخلاقية وبالتالي تهدد وجودها.

النص المترجم:

في وقت تتعالى فيه الإدانات العالمية، يعيش الداخل الإسرائيلي مفارقة أخلاقية صارخة. لقد أثار تصريح يائير جولان، الذي قال إن "الدولة العاقلة لا تقتل الأطفال كهواية"، موجة من الاستياء. ولكن المفارقة تكمن في أن قلة فقط تجرؤ على طرح السؤال الجوهري: كيف ولماذا يُقتل هذا العدد الهائل من الأطفال في هذه الحرب؟

جاء مقتل الإخوة التسعة من عائلة النجار في خان يونس تحت القصف الإسرائيلي في لحظة تحمل سخرية سوداء: ففي حين نشأ شبه إجماع شعبي ضد كلمات جولان، لم تحرّك الفاجعة المروعة ـ بكل ما تحمله من مشهد إنساني مؤلم ـ أي شعور وطني جارف. ورغم أن مقتل 12 طفلاً في مجدل شمس في يوليو/تموز الماضي "جراء قصف حزب الله" أشعل مشاعر الغضب وأعاد تشكيل الأولويات على الجبهة الشمالية، فإن مصرع تسعة أطفال من عائلة طبيبين في غزة، لم يُتناول إلا كـ "صدمة للعالم" في التغطية الإسرائيلية، مصحوباً بقلق تقني حول "فقدان الشرعية" دولياً. ما يحصل ليس صادماً فحسب، بل متوقع للأسف. في "إسرائيل" اليوم، باتت الدعوات إلى ارتكاب جرائم حرب ـ من الترحيل والتجويع إلى الدعوة الصريحة لإعدام كل الرجال في غزة كما اقترح نائب رئيس الكنيست نسيم فاتوري ـ أشبه بتحية الصباح. تُطلق بلا تردد أو محاسبة. وبات الخوف على حياة الجنود والمختطفين هما العاملان الوحيدان القادران على تحريك الرأي العام، رغم ذلك يبقى الانتقاد المباشر للجيش الإسرائيلي محرماً، ومقيداً بما لا يخل بصورة المؤسسة الأمنية. الجيش بدوره ينتهج تكتيكاً مزدوجا: في العلن يعارض غموض المستوى السياسي حول أولوية تحرير الرهائن، بينما على الأرض، ينفذ عمليات برية تُطيل أمد الحرب، وتزيد من معاناة المدنيين، ولا تقرب إطلاق سراح المختطفين، بل وتعرض "المقاتلين" أنفسهم لمخاطر جسدية ونفسية جسيمة، تحت شعارات مثيرة للجدل. ويتجلى هذا التناقض في تصريحات رئيس الأركان وكبار الضباط، الذين يُغرقون الإعلام برسائل مطمئنة عن "التنسيق الكامل" مع ذوي الأسرى في مقابل وقائع تكشف زيف هذه الادعاءات. ففي نهاية الأسبوع، كشف رونين بيرغمان في تقرير صحفي عن واقعة خطيرة: قصف نفق كان يحتجز فيه عيدان ألكسندر، كاد يودي بحياته، قبل أن تضطر واشنطن إلى خداع حكومة "إسرائيل" بهدف تحريره. المتحدث باسم الجيش، الذي قال بانفعال إن "المختطفين أمام أعيننا طوال الوقت"، تجاهل حتى الرد على الأسئلة المتعلقة بهذا الخرق. لا شك أن "الهجوم" في 7 أكتوبر/تشرين الأول شكّل صدمة قاسية، ورد "إسرائيل" العسكري بدا في بداياته مفهوماً ضمن سياق الرد. غير أن مرور عشرين شهراً كشف أن ما يهدد "إسرائيل" اليوم ليس فقط "الصدمة العالمية"، بل تبلّدها الداخلي. حتى موت تسعة أطفال في غزة لا يكفي لإثارة الغضب، بينما الأصوات المعارضة للحرب، لأسباب إنسانية وأخلاقية، أصبحت على هامش الخطاب. إن العائلات الإسرائيلية نفسها تدفع الثمن: حزن، إصابات، انهيار نفسي، وأزمة اقتصادية. ومع ذلك، فإن التسونامي السياسي العالمي ما زال يُقرأ باعتباره "مشكلة استراتيجية"، فيما الحقيقة الأشد فتكاً هي الإعصار الأخلاقي والاجتماعي الداخلي، الذي ينهك قدرة "إسرائيل" على الدفاع عن نفسها وعن ما تبقى من صلاحها الأخلاقي. هذا هو الخطر الوجودي الحقيقي.

 


المصدر: يديعوت أحرونوت

الكاتب: عيناف شيف




روزنامة المحور