السبت 14 آب , 2021 12:44

هكذا زرعت واشنطن في لبنان كل أسباب الانهيار

شهد لبنان منعطفين أساسيين، في العقد الأخير من القرن العشرين، حمل المنعطف الأول اتفاق الطائف في العام 1989، وإيقاف الحرب الداخلية، نتيجة تبلور تفاهم دولي وإقليمي، وقيام الجمهورية الثانية، أما المنعطف الثاني، فقد حمل تقسيم الملفات اللبنانية إلى شقّين، سياسي وعسكري في ملف يتبع إلى سوريا بحكم توجدها في الساحة اللبنانية، واقتصادي وعلاقات خارجية في ملف آخر، يخضع للولايات المتحدة الأميركية عبر أدواتها في لبنان والعالم العربي.

استطاعت الولايات المتحدة الأميركية السيطرة على لبنان إلى حد كبير من خلال أدواتها رغم إعطاء السوريين هامشًا للتحرك فيه، اعتمدت عدّة سياسا محكمة لوضع اليد على الدولة اللبنانية ومفاصلها، ساعدتها على ذلك أحاديّتها القطبية بعد انهيار الاتحاد السوفياتي. وقد اتبعت سياسات اقتصادية مدروسة شكّلت لاحقًا عاملًا ضاغطًا على الاقتصاد اللبناني، وإيقاع الدولة في شباك السيطرة الأميركية التامة من خلال بوابة المديونية وربط الاقتصاد المحلي بالسياسة الأميركية، كالعديد من دول المنطقة.

تعددت أوجه التدخل الأميركي في السياسة اللبنانية، منذ اتفاق الطائف حتى اليوم، سواء من الوجه الاقتصادي أو السياسي أو الإعلامي، أو حتى العسكري والتسليحي، كان سببًا مباشرًا وأساسيًا في انهيار الاقتصاد اللبناني، فضلًا عن خلق الأزمات السياسية والأمنية المتلاحقة.

ومن أبرز عوامل التدخل الأميركي في الاقتصادي اللبناني:

أولًا: وجود رفيق الحريري في السلطة اللبنانية

دخلت أميركا مباشرة على خط السياسة اللبنانية، عبر رجال الأعمال اللبناني الأصل السعودي الجنسية رفيق الحرير مع تشابك علاقات دولية تم التمهيد لها عبر ثروته المالية بنسج علاقاته الدولية ذات الطابع التي تدور في الفلك الأميركي.

في هذا الجانب عمل الحريري على تنفيذ سياسة اقتصادية مرسومة بحنكة عالية أراد منها تقديم لبنان كمحطة شرق أوسطية كبرى، لكن وفق المبتغيات والمصالح والسياسة الأميركية السعودية.

وكانت من أولى المهام الحريرية الذهاب نحو المفاوضات مع "إسرائيل" حتى النهاية، بشروط أميركية وتنفيذ سياستها، لذلك لجأ الحريري إلى عدة أساليب تجعل من هذه المهمة تفوق القدرة السورية في عدة برامج:

  • رئاسة الحكومة: حصر الحريري رئاسة الحكومة بشخصه، رغم تولّي السوريين مهمة تأليفها والموافقة عليها، غير أنه تمتع بصلاحيات واسعة، وقام بتزوير أتباعه، فبرزت قاعدة ثلاثية الحكم (الترويكا) إضافة إلى وليد جنبلاط، إلى ان استلم إميل لحود الرئاسة في العام 1988، وأنهى وجودها مع الانتهاء من مفاعليها. ثم عاد الحريري على رأس حكومات أخرى بعد العام 2000 لكنه لم يحظ بنفس القوة السابقة نظرًا لوجود العماد لحود. نتج عن الترويكا اقتصادات محصصاتية وانتفاع دون الدولة، ما أدى إلى وضع لبنان على سكة الانهيار.
  • سيطرة الحريري على القادة السياسيين وغير السياسيين: استطاع الحريري ان يُخضع الكثيرين من الجهات السياسية والاقتصادية والأمنية والعسكرية، لبنانيين كانوا أم غير لبنانيين، بأسلوب الدعم المالي وتقديم الرشى، لاسيما من تولّى الملف اللبناني من القيادة السورية معبد الحليم خدام وغازي كنعان، حتى سارت أمور الحريري براحتها في تنفيذ مشاريعه الاقتصاديةـ لكون السياسة منها والمفاوضات تعرّضت لعوامل كبح في أغلبها.
  • ربط السياسة الاقتصادية بمشروع السلام: من خلال اتباع سياسة اقتصادية استراتيجية بعيدة المدى، تقوم على إحلال السلام في المنطقة، وبالطبع مع الكيان الصهيوني، وتجاهل الاحتياجات الواقعية للاقتصاد بمعنى أن اغلب المشاريع التي نفذت لم تكن تستهدف تعزيز الاقتصاد اللبناني بل شكّلت عبئًا عليه في العديد من المشاريع، بسبب عدم حاجة البلاد لها، وهذا ما راكم الدين دون استفادة الاقتصاد اللبناني منه إلا بجزء بسيط لا يتعدى الـ 5%.
  • سياسة المحسوبيات: عند بروز الترويكا وجنبلاط، برزت سياسة تعيين الموظفين التابعين، فاستغلها الحريري لإدخال المحسوبين عليه إلى مفاصل الدولة اللبنانية والتحكّم بمجريات الإدارة التنفيذية للمشاريع والبرامج.
  • سياسة الاقتراض: اعتمد الحريري في أغلب مشاريع الدولة على اقتراض الأموال لتنفيذها، وبالتالي التمهيد لوضع اليد الخارجية على أصول الدولة اللبنانية النقدية والعينية.
  • مشاريع الحريري العقارية: من أهم مشاريع الحريري العقارية "سوليدير" للسيطرة على وسط بيروت، حيث يسمح قانونها بتملّك الأجانب أي ما يتيح لليهود الدخول من خلاله في حال نجاح "السلام". مضافًا إلى مشروع شركة أليسار الذي يعمل على التغيير الديموغرافي للضاحية الجنوبية بالإضافة إلى سيطرته عليها إداريًا واستتباعها لملكيته الخاصة. 
  • خصخصة مؤسسات الدولة: رفع الحريري شعار "الدولة تاجر فاشل" فلجأ إلى تفكيك مؤسساتها، أبرزها ما جاء في المرسومين (4874-4880) تاريخ 14 تموز 1995، يطلب فيها خصخصة قطاعات الكهرباء، المياه، الهاتف، المرفأ والمطار. كذلك كانت استملاكات الأملاك البحرية في بيروت والمناطق في نفس السياق.
  • استثمار عقارات الدولة بمبالغ زهيدة: كالواجهة البحرية، أو بعض العقارات التي لا يكاد يصل استثمارها إلى دولار واحد في السنة.
  • احتكارات الشركات الكبرى: عندما صدر قانون إنشاء شركتي الخلوي "Liban cell" و "Alfa"، لم يُسمح بدخول شركات أخرى منافسة لها، وكذلك حرمت الدولة من الأرباح المالية المستوجبة.
  • الديون المالية مقابل توطين الفلسطينيين: استغل الحريري عنوان عملية اعمار لبنان بعد الحرب الداخلية، في شقين، الأول خاص لتعزيز مكانته السياسية والمالية والسيطرة على مقدرات البلد وزيادة ثروته، والثانية إغراق لبنان بالديون المالية، على أمل أن يأتي توطين الفلسطينيين ضمن صفقة أميركية إسرائيلية عربية، بمباركة الدول العربية فيلتزم خيار التوطين مقابل إعفاء لبنان من الديون، فكانت تسهيلات الاقتراض من بعض الدول والبنك الدولي، رغم علمهم بعدم قدرة لبنان على إيفائها، ما يبعث بالشكوك بأصل المواقفة عليها، وتم اقراض لبنان بخلفية الثقة بالحريري وعلى أساس مشروعه.
  • الاقتراض الدائم: اتباع سياسة الاقتراض من أجل تمويل المشاريع والخطط الاقتصادية الاستراتيجية وشروط مجحفة وتبين في بعض الحالات وجود تواطؤ بين أسياد الدولة العميقة والجهات المقرضة والمانحة للقروض.
  • الهدر المالي: تعددت أوجه الهدر المالي، حتى بلغت مبالغ مالية ضخمة منها ما جاء في مشاريع تستوجب إنفاق أموال طائلة فوق تكلفتها الأصلية مع سمسرات كبيرة، لا سيما ما جاء من القروض كـ "باريس1 وباريس2" ومنها ما يأتي في إطار التهرب الضريبي الذي كان سمة مؤسسات الحريري وبعض المتنفّذين الآخرين، ما حرم خزينة الدولة عائدات ضرائبية كثيرة.
  • اعتماد منهج الوكالات الحصرية للسلع: لم يفسح المجال لتنافس تجاري داخلي الذي يعود بتوافر السلع الاستهلاكية ويعزز من هبوط الأسعار، نتيجة اعتماد سياسة حصرية الوكالات من بعض الأشخاص الذين ينتمون إلى المحسوبيات السياسية.
  • تأسيس وسائل إعلام وفق النهج الأميركي- السعودي: نشأت شبكة إعلام بوقت قصير نسبيًا، تعمل على نشر الدعاية للحريري والسياسة الأميركية والسعودية في المنطقة، في الوقت الذي تم فيه إغلاق بعض المؤسسات الإعلامية تحت ذريعة شروط مهنية.
  • إهمال سياسة الإنتاج المحلي: اعتمد الحريري وأعوانه ومن خلفه في الحكم، سياسة الاستيراد للسلع بمجمل أنواعها، وإهمال العمل على تأسيس معامل ومصانع لإنتاج المحلي، بل جاءت تلك السياسة بضرب المصانع الموجودة.
  • السيطرة على المشاعات: وهي سياسة مستمرة من خلال وضع يد المنفذين والمحسوبين على أركان الحكم على المشاعات وانتقاء الأراضي ذات الطابع المناسب لمشاريع سياحية أو غير ذلك.

ثانيًا: رياض سلامة على رأس مصرف لبنان

يدخل العامل الأميركي مجددًا في تداعيات انهيار الاقتصاد اللبناني من خلال حاكمية المصرف المركزي اللبناني بشخص رياض سلامة، الخبير في الشؤون المالية مع خبرة عملية في ميريل لينش.

بعد استلام رفيق الحريري رئاسة مجلس الوزراء عينه حاكمًا لمصرف لبنان في العام 1993، وما زال يتابع مهامه حتى اليوم رغم انقضاء ولايته لأكثر من مرة، غير أن تنفيذه لسياسات مالية نفعًا للطبقة السياسية الحاكمة والإدارة الأميركية معًا فأبقاه في منصبه.

شرع سلامة بسياسات مالية مثيرة للشبهة منذ بداية عمله، فوضع سياسات مالية متجانسة مع سياسة الحريري، ثم سار في الفلك السياسة الأميركي في تنفيذ خططها وبرامجها:

  1. اعتماد سياسة رفع الفوائد، من أجل اجتذاب أموال المودعين، ما رفع رصيد المصارف التي باتت تتحكم بتلك الأموال إلى أن وصل الأمر للسيطرة عليها تمامًا، واختلاسها من أصحابها لاحقًا.
  2. تنفيذ سياسة الحريري المالية من حيث تلميع صورة الاقتراض ووضع لبنان تحت رحمة المصارف الداخلية والخارجية.
  3. اعتماد الفوائد المرتفعة كعامل اقتصادي، ما دمّر قطاعات الإنتاج الأخرى كالصناعة، واهمال قطاع الزراعة نهائيا حتى وصل الأمر إلى ما هو عليه اليوم من غياب المؤسسات والمصانع الإنتاجية.
  4. عمد إلى سياسات وهندسات مالية، عادت بالربح الوافر للمصارف، وحرمان الدولة من تلك الأرباح، لا بل جاءت على حساب أموال الدولة وأموال المودعين كذلك.
  5. بعد الأزمة المالية الحالية، تحديدًا بعد مظاهرات 17 تشرين الأول 2019، أدت سياسته إلى ضرب سمعة المصارف، لا سيما بالقرارات التي أصدرها بمنع السحوبات من المصارف، وتحديد سقف السحب، تمهيدًا لإسقاط لبنان ماليًا وسياسيًا وإخضاعه للشروط الأميركية.
  6. اعتماد سعر الصرف على التسعيرة الرسمية للدولار 1507 ليرات، لأموال المودعين بالدولار مقابل الارتفاع الجنوني له، ما دفعه لاحقًا إلى رفع قيمة سعر التعويض إلى 3900 ليرة، أيضا جاء ذلك في ظل الارتفاع الجنوني له ناهز 20000 ليرة كانت نتيجة هذه التسعيرة أن وصل حال المودعين إلى شبه الإفلاس وسرقة أموالهم، الأمر الذي أدى إلى مزيد من الانهيار في الاقتصاد اللبناني.
  7. تنفيذ سياسة الولايات المتحدة بالحصار المالي على حزب الله، والسير معها في تجفيف مصادر التمويل، من المؤسسات على اللائحة السوداء بأمر أميركي، ما حرم الاقتصاد اللبناني ملايين الدولارات، وبالتالي ساهم بتقليص كمية الدولار الداخلة إلى لبنان. مضافًا إلى التعامل بحماسة زائدة مع العقوبات الأميركية، ومعاقبة حتى من لم تشمله العقوبات.
  8. إغلاق عدد من البنوك بأمر أميركي، منها البنك اللبناني الكندي وجمّال ترست بنك، بذريعة توفير أموال لحزب الله، ما أضاف سوءًا على الثقة بالمصارف اللبنانية، ومن المعروف أن إدارة هذه المصارف تنتمي إلى الطائفة الشيعية.
  9. عمل على احتكار الدولار، ومنع توافره في السوق، ما أدى إلى ارتفاع هائل لسعر الصرف، وانهيار قيمة الليرة اللبنانية.
  10.   عدم ملاءمة سعر صرف الدولار لسعره الحقيقي، وإخضاعه بداية لسياسة رفيق الحريري الداخلية والخارجية، وإخضاعه لتجاذبات المسار السياسي بعيدًا عن المنهجية العلمية الاقتصادية والحفاظ على كيان الدولة.
  11. اتباع سياسة الدولرة الشاملة لكل السلع، حتى بات الدولار يغطي على العملة الوطنية في التبادل التجاري الداخلي والخارجي.
  12. مصادرة أموال المغتربين بعملة الدولار، ومنع سحبها من البنوك، ما حرم ذويهم في لبنان من أموالهم والتصرف بها، ما زاد بانكماش السوق المحلي. 
  13. عمد حاكم مصرف لبنان، على تهريب أموال كبار المسؤولين اللبنانيين إلى المصارف الخارجية، وعلى رأسها المصارف السويسرية كما جاء في تقاريرها المالية.

جاءت سياسات سلامة لتحقيق الهدف الأميركي العام من حيث ثقل الدين العام على الدولة وإرهاقها بالمديونية هذا من جانب، أما في الجانب الآخر فقد جاءت سياسته الموجهة لمحاربة حزب الله عبر ملاحقة المودعين المقربين منه، سواء كانوا أفرادًا أم مؤسسات.

جاء كلام المسؤولين الأميركيين ليضيف دعمًا خارجيًا لرياض سلامة من العيار الثقيل، فكان حديث السفارة الأميركية في بيروت، دورثي شيا، يكشف حقيقة عمل سلامه معها وتنفيذ سياسة بلادها، كما أعلنت صراحة بتدخل بلادها في أمر حمايته وإبقائه في حاكمية المصرف اللبناني من خلال تصريحاتها بأن "الولايات المتحدة عملت بشكل وثيق مع حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، ومن الخطأ شيطنة أي شخص أو مؤسسة أو جعلهم كبش فداء للانهيار الذي هو نتيجة عقود من الفساد". وفي رسالة تحمل تهديدًا ضمنيًا، لفتت إلى ان "تعيينات المصرف المركزي قررا يعود للحكومة اللبنانية، وسلامة يحظى بثقة كبيرة في المجتمع الدولي والمالي، إذا لم يكن لدى هذه المجتمع ثقة بقيادة المؤسسات المالية الكبرى في البلاد، فاعتقد أنه لن يكون هناك أي تدفق للاستثمار أو النقد الذي يحتاج إليه اقتصاد لبنان.

ثم جاء حديث ديفيد هيل، وكيل وزارة الخارجية الأميركية للشؤون السياسية، في مقابلة مع "CNBC" تلفزيونية، بعدم انقاذ لبنان بأنه "لن تكون هناك أي خطة انقاذ للبنان، لكن ستكون هناك مساعدة كبيرة لتحقيق برنامج الإصلاح" الذي يسير وفق السياسة الأميركية مقابل الحصار والجوع.

وحول العلاقة رياض سلامة، أكد هيل تبعيته للإدارة الأميركية ونوّه بحساسية منصبه وشخصه بأنه "حاكم المصرف المركزي وهو شخصية أساسية للمض قدمًا"، ورفع عنه صفة الفساد بأنه "لا مؤشرات تدينه بما خص الفساد المالي والتحقيقات لم تنته بعد"، وهنا أشاد بالعلاقة مع سلامة في الوقت نفسه الذي اتهم به المناوئين لسياسة بلاده بالإرهابيين. ثم أعاد لازمة اخضاع لبنان وشعبه تحت ذريعة الإصلاح، وقال:" مفتاح فتح الباب في أيدي القادة اللبنانيين، وعليهم أن يثبتوا لنا أن لديهم الإرادة والقدرة على تنفيذ الإصلاحات اللازمة حتى لا يضيع أي تمويل دولي"، مضيفًا:" لا يجب أن يتوقع اللبنانيون خلاصًا خارجيًا".

ثالثًا: الفاسدون من أتباع الولايات المتحدة الأميركية

اعتمد الأميركيون سياسة الانهيار البطيء للاقتصاد اللبناني والسيطرة الناعمة عليه شيئًا فشيئًا لتطويع المقاومة، دون التدخل المباشر في بداية الأمر، فأوكلوا مهمة الاستنزاف إلى عملائهم وتمكين وكلائهم.

لعب اللبنانيون التابعون دور العنصر التنفيذي للسياسة الأميركية، بدءًا من رفيق الحريري مرورًا برياض سلامة وفؤاد السنيورة وصولًا إلى المنظمات المدنية وغير الحكومية، ضمن عمل متكامل وكارتيلات محتكرة للسلع والاستيراد دون منافس، بالإضافة إلى ركيزة نهوضهم المالي القائم على الفساد والهدر المالي في الدولة.

ثم عمد الأميركيون إلى التدخل المباشر لاحقًا عبر فرض الحصار الاقتصادي على لبنان، وهو ما سنتعرض له في هذه الورقة بالتفصيل، بذريعة تجفيف المنابع المالية لحزب الله، وقد ساهم في هذا الحصار مختلف القطاعات والقيادات اللبنانية التي تدور في الفلك الأميركي.

فبالإضافة إلى ما ورد عن الحريري الأب ورياض سلامة، شهدت الساحة اللبنانية توظيف الأميركي لقيادات سياسية واقتصادية وأمنية عديدة ذات مناصب رفيعة وحساسة، بدءًا من موقع رئاسة الجمهورية كميشال سليمان، ورئاسة الحكومة وصولا إلى مختلف الإدارات الأخرى التي تولتها شخصيات تعمل لدى الأميركي، مباشرة أو غير مباشرة ومن هذه الشخصيات:

سعد الحريري

ورث الزعامة السياسية بعد مقتل والده، وبدفع سعودي أميركي لإكمال ما بدأه والده من مشاريع تخدم السعودية وأميركا، منطلقا من عدة عوامل قوة، منها:

-الإرث السياسي والعلاقات الإقليمية والدولية الواسعة لوالده

-الإرث المالي الكبير والدعم السعودي والأميركي الأكبر، سواء على الصعيد المالي أو السياسي.

-استغلال مقتل والده وتجييره لصالحه في الساحة اللبنانية على أنه الزعيم الأول وولي الدم.

-الاستفادة من شبكة نفوذ والده في مفاصل الدولة، وتوسيع تلك الشبكة.

بدأ الحريري الابن عمله السياسة بالدخول إلى الندوة البرلمانية عام 2005، نائبًا عن دائرة بيروت الأولى، ثم رئيسًا للحكومة في حزيران 2009.

وصل الحريري الإبن على رأس جبهة لمحاربة سوريا وحزب الله، في كافة الميادين، وأنفق أموالًا طائلة في سبيل تحقيق غايته، غير ان هذا الانفاق كان من المال العام اللبناني الذي استحوذ عليه بالوراثة أو بالفساد أو بالدعم السعودي.

2-فؤاد السنيورة

حفل سجل فؤاد السنيورة بكثير من المفاسد السياسية والمالية والأمنية، انعكست بشكل مباشر على إدارة الدولة اللبنانية والمجتمع بشكل عام، ويسجل للسنيورة أنه الرجل الأول الذي عمل على خضّات أمنية وإعادة الحرب الداخلية مجددًا منذ اتفاق الطائف 1989، شاركه بذلك وليد جنبلاط وبدفع أميركا علنًا وإسرائيل من تحت الطاولة لوجود نفس أهدافها في تلك السياسات، حتى وصل الأمر إلى تبنّي شروط الإسرائيلي في أكثر من موقف.

ومن أبرز محافل السنيورة في الاختلاس والفساد المالي:

أ-اختلاس 11 مليار دولار مخصصة لإعادة إعمار منازل اللبنانيين إثر العدوان الصهيوني في العام 2006 ورفضه إعادتها إلى أصحابها.

ب- سن تشريعات محددة ومفصلة على قياس آل الحريري أثناء نقل الإرث، ولمدة قصيرة جدًا لا تتجاوز قترة إجراءات النقل، ما حرم خزينة الدولة من الأموال الطائلة.

ج- السيطرة على عدد من الشركات التجارية والتهرب من الضرائب.

د- مواصلة السياسة المالية العامة المتبعة من آل الحريري في إغراق الدولة بالمديونية العامة.

ه- الهدر والفساد الإداري والتلزيمات النفعية.

3-نجيب ميقاتي

لم تخلُ سياسة نجيب ميقاتي الاقتصادية من فساد واستغلال موقعه السياسي وزيرًا كان أم رئيس حكومة أم نائبًا، فحمل سجّله عناوين عدة في ميدان الانهاك الاقتصادي للدولة، ومن أبرز هذه العناوين:

-بيع خطوط الهواتف الخلوي بسعر 500 دولار للخط الواحد، بالشراكة مع الدولة اللبنانية، غير أنه اختلس حصة الدولة منها.

-احتكار بعض الشركات والتهرب الضريبي

-قروض كبيرة من بنك الإسكان بأمساء عائلته وبفوائد متدنية جدًا

-المشاركة في الفساد الإداري والاقتصادي

وليد جنبلاط والمؤتمرون به وزرائه

رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي، يختصر الحزب بشخصه، والحزب التقدمي هو حزب سياسي عسكري مبني على أساس وراثة عائلية، أحد أهم ميليشيات الحرب الداخلية اللبنانية، خاض العديد من المعارك العسكرية أثناء الحرب الداخلية وشكّل رأس حربة في الانقلاب على سوريا بعد القرار 1559/2004، وله الباع الطولى في تأليب حكومة فؤاد السنيورة على شبكة الاتصال السلكي للمقاومة بتحريض أميركي كما اعترف جنبلاط نفسه أكثر من مرة.

يعتبر وليد جنبلاط أحد أهم مفاصل الحريرية السياسية، والعنصر الرباع زمن الترويكا الرئاسية منذ العام 1992، ومازال حتى اليوم لاعبًا سياسيا بارزًا على الساحة اللبنانية بمؤازرة ودعم بعض حلفائه في الداخل ورؤسائه في الخارج. والمشهور عن جنبلاط تقلّبه في المواقف السياسية بين لحظة وأخرى حسب المصلحة الخاصة أو الحزبية أو الطائفية، دون الأخذ بمصلحة الدولة اللبنانية.

إضافة إلى الدور السياسي المشبوه لجنبلاط، يعتمد سياسات اقتصادية تقوم على المنفعة الخاصة، حتى دون مراعاة أزلامه في حال التعارض مع مصلحته.

لجنبلاط العديد من الشركات التجارية والمصانع، فهو يملك شركة "صيداكو" النفطية، وله حصّة في عدد شركات النفط الأخرى كشركة "هيبكو" وشركة "غاز لبنان هولدينغ" وشركة "ناتغاز"، بالإضافة شركة ترابة "سبلين" الذي يترأس مجلس إدارتها فيما يتولّى نجله تيمور نائب مجلس الإدارة.

استغلال جنبلاط نفوذه المناطقي والسياسي داخل الدولة لتسيير تجارته ومؤسساته، منها:

-تأزيم الوضع الأمني وتحريك الشارع عند تضارب مصلحته مع القرارات الإدارية للدولة، الأمر الذي يتعكس سلبًا على الاقتصاد العام المتأثّر بالوضع الأمني.

-عدم توزعه عن افتعال مشاكل أمنية أو سياسية على صعيد لبنان، أبرزها عندما دفع حكومة السنيورة البتراء في العام 2008ـ لتفكيك شبكة اتصالات المقاومة ومحاولة زجّ الجيش اللبناني في معركة عسكرية لتحقيق مآرب سياسية وتنفيذ مشروع أميركي، ما أدّى إلى نشوب معركة داخلية ساهمت إلى حد بعيد بالانكماش الاقتصادي لفترة طويلة نسبيًا.

-المشاركة بالمظاهرات دون أفق إيجابي، إنما لتنفيذ أجندة سياسة أميركية، منها مشاركته في مشاغبات 17 تشرين الأول 2019، الأمر الذي  دفع بالاقتصاد اللبناني نحو الانهيار السريع منذ اندلاعها، فكانت حادثة وزيره أكرم شهيب بإطلاق النار فوق المتظاهرين بحضور مراسلي قنوات فضائية إشارة ضمنية لتوافد المحتجين وإقفال البلد، بعد الإشارة السياسية برفع تعرفة مكالمة "الواتس اب"، التي شكّلت دعوة مبطّنة إلى التوافد البشري ثم انسحب فجأة من الشارع، ليعود بعدها إلى إغلاق الطرقات ويساهم بشكل كبير في تخريب الحياة الاقتصادية اللبنانية.

-احتكار المواد النفطية التي يستوردها وتحكمه بالسوق، مع التحكم بأسعار المشتقّات النفطية، ما ينتج عنه غلاء في سائر السلع الأخرى.

-استغلال الوزارات لتيسير عمل شركاته، منها احتكار مادة الترابة وسحب ترخيص شركة "الأرز" للإسمنت التي يمكن ان تشكّل منافسًا، وكذلك محاولة فرض إدخال بضاعته إلى سوريا تحت عنوان شركة "الأرز".

يتمتع هؤلاء الوكلاء بالحماية الأميركية ويتلقون الدعم الدبلوماسي والإعلامي والاستخباراتي، ويتلقون الدعم اللوجستي والتسليحي عبر الوكلاء العرب في المنطقة، ويعملون في ظل الحضور العسكري الأميركي في المنطقة، بما يغطي فسادهم وعبثهم بالأمن الداخلي للبلاد، وينعكس بالتالي تلقائيًا على الأوضاع المعيشية والاقتصادية التي تأتي الولايات المتحدة لتستغلها لفرض الشروط والتنازلات السياسية والاقتصادية والنفطية على لبنان.

رابعًا: منع تشكيل الحكومة ووضع العراقيل أمامها

أصبح تأليف الحكومة في لبنان، لمن تسميه الاستشارات النيابية من الأعراف المشهورة لإضاعة الوقت وهدر الفرص، لعدم لحاظ الدستور مهلة زمنية واضحة ومحددة لذلك، ونتيجة التدخلات الخارجية على رأسها الولايات المتحدة الأميركية التي تقوم بتحديد برنامجها المسبق والمنسجم مع أهدافها، حيث تحاول أن تفرض عند كل تأليف حكومة أن يتقدم برنامجها محاربة حزب الله وإنهاء المقاومة.

وعلى غرار كل بلاد العالم، عند غياب السلطة التنفيذية ينتج عنه شلل في إدارات الدولة كافة، ويطال القطاع الاقتصادي، لعدم تفعيل البرامج الدافعة إلى تطور اقتصادي أو وضع خطط لهذا القطاع، فكيف الحال بلبنان الذي يعاني أصلا من انهيار اقتصادي حاد، وعدم وجود حكومة تعمل على لجم هذا الانهيار، مع العلم أن الوقت المستغرق لتشكيل الحكومة والتوافق على بيانها يستغرق وقتًا أحيانًا أكثر من عمر الحكومة قبل وقوعها في شرك تصريف الأعمال.

لذلك إن التدخل الأميركي في تحديد برنامج الحكومة وتشكيلها فضلًا عن اختيار الشخصية لرئاستها هو عامل ضاغط اقتصاديا، وهو ما اعتادت عليه الإدارة الأميركية من تشديد الخناق على الاقتصاد اللبناني.

خامسًا: منظمات المجتمع المدني "NGOs"

دخل التخريب الأميركي إلى الساحة اللبنانية عبر أبواب متعددة، منها باب منظمات المجتمع المدني أو ما تُعرف بالمنظمات غير الحكومية، التي ساهمت إلى حد بعيد بتأزم الوضع الاقتصادي منذ بداية حراكها المتنقلة بعناوين مختلفة، وقد جاءت هذه التحركات لبناء لمطالب أميركية مباشرة أو عبر وكلائها، كما تم عرض بعض المشاهد الحية عن تدريب وإدارة أميركية مباشرة لإدارة بعض هذه الجمعيات.

ومن نتائج مغامرات هذه الجمعيات وأعمالها المدسوسة المساعدة على تأزيم الوضع الاقتصادي:

  • خلق حالة من الفوضى في البلاد، وعلى مساحة جغرافية واسعة، ما أدى إلى توتر أمني وإغلاق للكثير من المؤسسات التجارية والمحال والمصانع.
  • توجهها إلى مراكز المصارف بذريعة سحب أموال المودعين، ما دفع المصرف المركزي وجمعية المصارف إلى إغلاق كافة المصارف لفترة زمنية، ثم لجأوا إلى تقنين دوام العمل في بعض الفروع دون أن يشمل كافة فروع تلك المصارف، ما زاد في تعقيد الحصول على أموال المودعين أو حتى أموال الموظفين.
  • زيادة ضرب سمعة المصارف نتيجة حراك تلك الجمعيات ومهاجمتها بعض المصارف.
  • إغلاق العديد من الطرقات الرئيسية والفرعية على امتداد الجغرافيا اللبنانية، ما زاد في خنق المواطنين في تحصيل موارد معيشتهم.
  • استمرارية تحرك هذه الجمعيات التي ترفع شعارات إصلاحية سياسية واقتصادية طيلة سنوات، بينما الواقع العملي لها لا يشير إلى تنفيذ برنامج إصلاحي، إنما يظهر فيه انسجام مع بعض الشخصيات السياسية، ما يشير على تنسيق في الحصار الاقتصادي القائم.
  • المشاركة في تخريب وتكسير بعض المؤسسات الاقتصادية الخاصة والحكومية الرسمية.

سادسًا: منع لبنان من التعامل مع دول منافسة لأميركا

استطاعت الولايات المتحدة إخضاع عدد كبير من المسؤولين في الدولة اللبنانية عبر التهديد حينًا والترغيب أحيانًا، فإلى جانب توظيف وكلائها، اعتمدت سياسة الوضع على لائحة العقوبات للمعارضين ما دفع بالأكثرية منهم إلى النزول عند رغباتها، وأبرز مصداق على ذلك منع الحكومات اللبنانية المتعاقبة من التعامل الاقتصادي مع إيران وسوريا وروسيا والصين ففي المجال تعزيز التبادل التجاري منه:

-منع دول الشرق من تطوير شبكة الكهرباء

-المنع الحازم والتصدي لأي استثمارات تأتي من خارج الاتجاه الأميركي، لا سيما الاستثمارات الإيرانية الصينية والروسية

-منع تطوير مصافي النفط لشركات صينية أو روسية

-منع استيراد النفط الإيراني رغم انه جاء بأسعار متدنية وبالليرة اللبنانية

-منع دخول لبنان في مشروع خط الحرير الصيني الذي يربط معظم دول آسيا

-عدم الموافقة على الدور الروسي في إعادة إعمار مرفأ بيروت وتطويره، وكذلك محاولة منع إقامة روسيا محطات لتكرير البترول

-منع استيراد المعدات العسكرية من روسيا ولو كانت على شكل مساعدات، ما يوفّر مبالغ مالية ضخمة على الحزينة اللبنانية

-منع الاستثمار في إعمار سوريا، وفرض قانون قيصر

سابعًا: حصار القوى السياسية الإصلاحية

تعمل الولايات المتحدة منذ سنوات بعيدة على جعل لبنان مستتبعًا لها ومطبعًا مع الكيان الصهيوني، وحينما وقفت القوى الرافضة لهيمنتها وسلكت سبيل المقاومة السياسية والعسكرية والاقتصادية ومنعت التطبيع، جاءت العقوبات الأميركية والسياسية لتفتك بالمجتمع اللبناني بعامة، بعدما أرادت إنهاك مجتمع المقاومة.

إن ما تتعرض له قوى المقاومة، على رأسها حزب الله، من حصار مالي واقتصادي وتشويه يقود البلاد إلى انهيار اقتصادي نتيجة حجب الأموال المتدفقة إلى لبنان، ونتيجة وتأزيم الوضع السياسية الذي ترتبط به المسارات الأخرى، على رأسها المسار الاقتصادي العام.

ثامنًا: شروط البنك الدولي المنهكة

يلعب البنك الدولي دور المساعد للاقتصاد اللبناني ظاهريًا، فيما هو يعمل على تكبيل لبنان وسوقه إلى فخ العجز عن سداد الديون المتراكمة، فضلًا عن العجز عن سداد خدمة الدين العام.

للبنك الدولي دوران أساسيان في عجز الدولة اللبنانية عن سداد الديون:

-السماح للبنان بالمزيد من الافتراض رغم علمه بعدم مقدرة لبنان على الوفاء بالسداد، ما يشير إلى سياسة ممنهجة لتفاقم حجم الدين العام وإيقاع لبنان تحت رحمة البنك الدولي. وهذا ما يبدو واضحًا في خطابات السياسيين الدوليين والخبراء الاقتصاديين حول وضع لبنان ومؤسساته الاقتصادية.

-فرض شروط قاسية جدًا على الدولة اللبنانية مقابل الاقتراض، الأمر الذي زاد من عدم استطاعة سداد الديون الأصلية، إنما يقتصر العمل على سداد خدمة تلك الديون.

تاسعًا: منع استخراج النفط والغاز

تشهد الشروط الأساسية للولايات المتحدة الأميركية شرطان اساسيان، الأول عسكري يتعلق بالأسلحة المتطورة والصواريخ الدقيقة لدى حزب الله، أما الشرط الثاني فهو ترسيم الحدود البرية والبحرية الجنوبية مع فلسطين المحتلة لمصلحة الكيان الصهيوني.

إن مسألة ترسيم الحدود الجنوبية لم تأت عن عبث سياسي أو ترف جغرافي لمنطقة قاحلة، إنما يكمن في أصل وجود النفط والغاز ضمن المياه الإقليمية اللبنانية، التي تعمل "إسرائيل" ومن خلفها أميركا جاهدة للسيطرة عليه، وهو ما يعيق عملية استخراج النفط جنوبًا.

أما فيما يتعلق بالنفط المتواجد في غير منطقة بحرية لبنانية، أو حتى على اليابسة، فهو يخضع لإملاءات الإدارة الأميركية، يواكبها خضوع العملاء والوكلاء اللبنانيين في الإدارة الرسمية، ما يمنع استفادة لبنان من موارده النفطية وتحسين الوضع الاقتصادي، ناهيك عن منعه من الانتقال إلى مصاف الدول الغنية.

عاشرًا: الدور الأميركي في منع النازحين السوريين من العودة إلى بلادهم

عمدت الولايات المتحدة إلى تدمير ممنهج لسوريا، وإشراك العديد من الدول في مخططها منذ العام 2011، بدعم مالي خليجي، وصدور قانون قيصر لمحاصرتها، ما شكّل إغلاقًا للمنفذ البري الوحيد للبنان، ومنعه من الاستفادة الاقتصادية من العلاقات مع سوريا من خلال توظيف الوكلاء المحليين أي تواصل مع الجار الشرقي.

وكذلك لم خافيًا على أحد استغلال الإدارة الأميركية قضية النازحين السوريين في لبنان، ومنع عودتهم إلى بلدهم تحت مغريات مالية لتلك العائلات، وبث شائعات لحماية حقوقهم وتعرضهم للخطر في سوريا، ووضع عراقيل تمنع عودتهم عبر ممارسة ضغوط قاسية على المسؤولين اللبنانيين لمنع العودة، وعبر توظيف الوكلاء الذين طمحوا للاستفادة من النازحين في المجال الديموغرافي والسياسي.

إن منع عودة اللاجئين السوريين يشكّل عبئًا ماليًا واقتصاديًا على لبنان، واستهلاكًا إضافيًا للبنى التحتية لا تفي حاجة اللبنانيين بالأصل، وقد قدّر مكتب العلاقات الأميركية اللبنانية في وزارة الخارجية الأميركية، عدد النازحين السورين المسجلين ما يقرب 1.3 مليون شخص لدى المفوضية السامية لأمم المتحدة لشؤون اللاجئين "UNHCR" حتى العام 2015.

إن ما تدّعيه الولايات المتحدة بالحفاظ على الدولة اللبنانية من خلال تقديم المساعدات والاهتمام بها هو محض برنامج سياسي يسير وفق المعيار السياسي الذي تنتهجه، وقد عبّرت في أكثر من بيان ومناسبة أن لبنان يشكل حليفا استراتيجيًا لها، لكن ذلك لا يعدو وضع المزيد من العراقيل السياسية والاقتصادية معًا، وتجفيف الموارد وهدرها وتنصيب العملاء ليكونوا أداةً طيعة بيدها، لضمان بقائها تحت الهيمنة الأميركية، وهذا هو حال العديد من الدول العربية، المنخرطة في فلك السياسة الأميركية.

ومن المعلوم أن الإدارة الأميركية تتدخل بالشؤون التفصيلية في لبنان وغيره من الدول، سواء من الناحية السياسية أو الاقتصادية أو التربوية أو حتى الثقافية، لذلك فهي تشرف على تفصيل يقوم بها عملاؤها وتقاربه مع مصلحتها المنتهجة.

ولذلك فإن اتباع أميركا سياسة اقتصادية سواء بالمباشر أو عبر عملائها، تقوم على إنهاك جسم المريض وزيادة عطشه لتقدم له الماء بـ "القطارة"، وحصرًا منها، هي سياسة الموت البطيء، وإحكام الخناق كي لا يفلت من يدها، لتبقى هي السيدة الواجب طاعتها.


المصدر: مركز دراسات غرب آسيا

الكاتب: غرفة التحرير




روزنامة المحور