الإثنين 07 شباط , 2022 06:10

جولتان متتاليتان لروسيا، وأمريكا تخسر حلفاءها

حشود روسية على حدود أوكرانيا

يبدو أنه بات على الأميركيين اليوم اختيار معاركهم بدقة أكثر، فقد ربحت روسيا حتى اليوم جولتين متتاليتين. الأولى في كازاخستان والثانية في أوكرانيا. لقد قالها فلاديمير بوتين، الرئيس الروسي، لنظيره الأميركي جو بايدن خلال لقاءهما المطول في سويسرا، أن أوكرانيا خط أحمر. وبات من المعلوم أنه بعد الجولات المتكررة التي قادتها أمريكا من أجل اشعال الحرب مع روسيا في جزيرة القرم، ومن ثم في الدويباس، ومن ثم في قضية نشر صواريخ التوماهوك المتوسطة المدى على الحدود الروسية وفي أوروبا الشرقية. وفي كل مرة كانت روسيا تصمد، صموداً لافتاً حتى تضطر الأميركي للتراجع. واليوم فعلتها روسيا مرة أخرى في أوكرانيا وخلال عام واحد.

بحسب وكالة بلومبيرغ، فإن واشنطن أبلغت موسكو بالسماح لها بالتحقق من عدم وجود صواريخ توماهوك في رومانيا وبولندا. وجاء في تصريح للخارجية الأميركية، لقد تشاورنا مع الحلفاء قبل الرد على روسيا بشأن تحققها من عدم وجود التوماهوك. تصريحان هامان، ويهدفان إلى تبديد المخاوف الروسية، ولكن نشر منصات الصواريخ MK 41 تسمح باطلاق صواريخ توما هوك، وهذا واحد من أسباب القلق الروسي.

كانت الولايات المتحدة قد قررت وضع أكثر من 8500 جندي أمريكي في أوكرانيا في حالة تأهب، و2000 منهم سيتم نشرهم في أوروبا الشرقية في بولندا. وبحسب حجة واشنطن سيكون دور هؤلاء إخلاء الرعايا الأميركيين من أوكرانيا، ولربما كنا سنشهد تسلقاً ثالثاً، بعد فيتنام وأفغانستان، لموظفي السفارة الأميركيين والمترجمين الأوكرانيين هم وعائلاتهم أجنحة الـ B6، التي سيهرعون إليها بعد خروج الأميركيين.

جاء حشد الجنود الأميركيين متزامناً مع اتهام بايدن روسيا، بأنها بدأت الحرب على أوكرانيا، ونشر فيديو يتعلق بهذا الأمر. وهذا معناه ان أمريكا كانت ستذهب إلى سيناريو الخوذ البيضاء، الذي طبقته في سوريا حين قامت بالعدوان الثلاثي عليها في 2018، وقصفت مطار الشعيرات مع كل من الفرنسيين والبريطانيين. والعاقل لا يلدغ من جحر مرتين! وروسيا ليست دولة يستهان بها وهي تعرف هذه اللعبة جيداً وقد منعت أمريكا من القيام بها تكراراً في محاولة انتزاع قرار بقصف سوريا في الأمم المتحدة.

ولكن ما يحدث في أوكرانيا اليوم، هو بسبب حاجة بايدن لربح الإنتخابات النصفية! ولكن كما صرح منافسه ترامب، فإن ذلك قد يجر أمريكا إلى حرب عالمية ثالثة. وهذا ما سيقوض نتائج الديمقراطيين في الإنتخابات لصالح الجمهوريين. ومن أجل شد عصب الشعب الأميركي، لا بد من تقديم عدو جديد بعد انتهاء الشيوعية والإرهاب التكفيري. فأمريكا، بحسب زعمها، تنتصر على الإرهاب بقتل زعمائه في سوريا كلما احتاج الأمر لدفعة جديدة لإحياء البطولات الأميركية. والعدو الأمثل اليوم هو روسيا وكما أشار الدبلوماسي السبابق مايكل سبرينغمان حول إدارة الأميركيين لملفات العراق وأفغانستان وسوريا وليبيا. وأن الصحفيين الأوروبيين والأميركيين لم يحاولوا سؤال بايدن حول الدليل الذي نشره الأميركيون حول الفيديو المزعوم بدخول جنود روس إلى مناطق في أوكرانيا. لكن المشكلة التي يؤكدها سبرينغمان أن أمريكا بحاجة لعدو أجنبي، أو "بعبع"، لإخافة الشعب الأميركي. ولكن هذه المرة لم تستطع الولايات المتحدة لعبها بشكل جيد، فاقتضت خسارة الجولة الثانية.

المضحك في القضية هو الجهد الذي يبذله التركي من أجل البحث عن دور ما في اللعبة الدولية، وخاصة بعد تأكيد جايك سوليفان، مستشار الأمن القومي في البيت الأبيض، إلى جانب ابراهيم قالن نائب الرئيس التركي، مؤخراً، أن كلا البلدين ملتزمان بالدبلوماسية الجارية لحل أزمة أوكرانيا. كلام لذر الرماد في العيون! وهدفه إرسال رسائل لروسيا حول الطلب لتسوية ما لنزع فتيل التوتر. إذ أثبتت السنين العشر الماضية، أن الدور التركي محصور بجر جنودها في الحروب الأميركية.

كان منذ بداية العام الجديد لقاءان هامان قامت بهما روسيا، وقد جاء اللقاءان السياسيان الكبيران بعد مناورات قامت بها الدول الثلاث روسيا والصين وإيران. دول شكلت أزمة كبيرة للقوة الأميركية المتهالكة، واحدة في شرق أوروبا، والثانية في شرق آسيا، والثالثة في غربها.

زاد الطين بلة على أمريكا، المواقف التي أطلقتها هنغاريا برفض نشر وحدات إضافية على أراضيها، بعدما كشف ذلك وزير خارجيتها، بيتر سيارتو، أن بودابست تلقت طلباً من الولايات المتحدة بذلك. وإذا ما كنا نذكر، فهنغاريا/ المجر كانت الدولة الأوروبية الوحيدة، التي رفضت الموقف الأوروبي المتلازم مع الموقف الأميركي في الحرب على سوريا. يأتي هذا الكلام لتوضيح مدى عمق العلاقة الروسية مع المجر في المرحلة الحالية، فمواقفها لا زالت مبدئية ومتمايزة مع حلفائها السابقين. في الثاني من هذا الشهر، خلال الزيارة التي قام بها بوتين إلى المجر، أطلع رئيس الوزراء الهنغاري، فيكتور أوربان، على المحادثات مع الولايات المتحدة، والمتطلبات التي يمكن أن تحفظ الأمن في أوروبا، والتي تتطلب قطع التزامات ملزمة قانونياً ما بين الأطراف.

جاءت زيارة بوتين بعد أربعة أيام من تصريح وزير الدفاع الهنغاري، تيبور بينكي، أن بلاده لديها ما يكفي من قوات مسلحة وطنية، ولذلك لا داعي لنشر وحدات إضافية من قوات حلف الناتو على أراضيها. ويبدو أن هنغاريا كانت لا تمانع رغبة أوكرانيا بالإنضمام للناتو، ولكن بعد أن "وقفت أوكرانيا ضد الهنغاريين القاطنين في ترانسكارباثيا (بغرب أوكرانيا)" و"تصرفت بشكل غير مقبول حسب معايير الحلف"، اتخذت الحكومة موقفا مفاده أن "أوكرانيا ليست مستعدة بعد للانضمام، ولا ترقى إلى مستوى توقعات الناتو"، وذلك بحسب وكالة نوفوستي. كلام كبير وذو معاني كثيرة وأهمها أن هنغاريا لن تكون جزءاً من دول شرق أوروبا ودول البلطيق التي ستحكم الحصار حول روسيا هذا ما سيكون له حساباته في التصعيد ضد روسيا.

خلال الشهر الماضي تلقت روسيا الدعم من عدد من دول القوقاز، من الشيشان، ابخازيا وأرمينيا، حيث كانت الجولة الأولى للمعركة ما قبل أوكرانيا. وفي هذا الإطار لا يمكن إهمال زيارة الرئيس الايراني السيد ابراهيم رئيسي إلى روسيا، وخطابه في الكرملن حول العلاقات المميزة مع روسيا، ومن ثم زيارة بوتين إلى الصين يوم الجمعة الماضي، وتوقيع الصفقة الأكبر في تاريخ تصدير الغاز الروسي إلى الصين. فروسيا تعلم كيف تدير معركتها الدبلوماسية بالتعاون مع حلفائها.

دلائل كثيرة حملها الأسبوعان الماضيان، واللذان وضعا الحد أمام التصعيد الأميركي. ووصلنا إلى الحقائق التي فرضتها القوة الروسية المتحالفة مع كل من الصيني والإيراني على الأرض. الناتو اليوم ضعيف، وكان يحتاج إلى أوكرانيا ليسترد جزءً من عافيته، ولكن يبدو أن حلف وارسو القديم يحاول النهوض مجدداً بشكل ما، وهذا ما أثبتته العلاقة مع هنغاريا ورفض دول القوقاز الدخول في معركة خاسرة.

الزيارة التي سيقوم بها رئيس فرنسا، إيمانويل ماكرون، اليوم الإثنين بعد تصريحات أطلقتها فرنسا بأن لا دلائل على حرب روسيا على أوكرنيا. ومن ثم في 15 من هذا الشهر سيحين موعد زيارة مقررة للمستشار الألماني أولاف شولتس، تأتي ضمن إطار استعمال الدبلوماسية في إزالة فتيل الحرب. فأوروبا اليوم ستواجه كارثة اقتصادية كبيرة إذ ما اختارت المواجهة الصعبة مع روسيا، وإذا ما اختارت مقاطعة الغاز الروسي الذي تؤمنه شركة غازبروم. وإذا ما كان بايدن يظن أن غاز كل من أذربيجان وقطر قادرين على سد الحاجة الأوروبية للغاز، فعليه إعادة قراءة التقارير المنشورة، وبأنه كاد يأخذ أوروبا والعالم إلى مصير مجهول. وبالتالي وحتى إشعار آخر فأوكرانيا خارج الناتو ولا صواريخ على الحدود مع روسيا، وتدفق السلاح الأميركي إليها ليس إلا رصاصات من عيار 7.62 لتلقيم البنادق الروسية القديمة.

هذا المقال يعبر عن رأي الكاتب ولا يعكس بالضرورة رأي الموقع


الكاتب:

عبير بسّام

-كاتبة صحفية، عضو في الرابطة الدولية للخبراء والمحللين السياسيين / ماجستر في العلاقات الدولية من جامعة LAU 




روزنامة المحور