الإثنين 06 آذار , 2023 06:38

تسميم الطلاب في ايران: معركة في الحرب التركيبية؟

التحقيقات الميدانية المتعلقة بحالات تسمم الفتيات في المدارس في إيران توصلت إلى ما وصفها بـ"العينات المثيرة للشبهة" وفق وزير الداخلية أحمد وحيدي، حيث وصل عدد طالبات اللواتي تعرضن للإصابة إلى ما يقارب 300، موزع على أكثر من 30 مدينة.

الإمام الخامنئي: لا هوادة في معاقبة مرتكبي هذه الجريمة

 في الوقت الذي شدد فيه الامام السيد علي الخامنئي على ضرورة متابعة المسؤولين موضوع تسمم التلامذة بجدية كونها "جريمة كبيرة لا تغتفر"، مؤكداً على أنه "إذا ثبت تسميم التلامذة وجب معاقبة مرتكبي هذه الجريمة بشدة. لن يكون هناك أي عفو عن هؤلاء الأفراد"، تتابع السلطات المختصة تحقيقاتها، في القضية التي تشي كل خيوطها -إلى حد الآن- أنها حادث مفتعل.

مطلع تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، أعلنت وزارة الاستخبارات الإيرانية عن إلقاء القبض على مواطنيْن فرنسييْن، جاءا إلى البلاد بهدف قيادة أعمال الشغب، بحسب اعترافهما. وأشارت في تقرير مفصل، إلى ان سيسيل كوهلر وزوجها جاك باري، سافرا إلى إيران لدعم أعمال الشغب وتحديثها بأساليب أخرى، والضغط نحو العصيان المدني. مضيفاً أنه خلال الاجتماع بين ضباط المخابرات الفرنسية والقادة الداخليين، تمت التوصية بضرورة جعل النواة الصلبة لأعمال الشغب اجتماعية وتميل نحو الشارع. أخبر كوهلر الجمهور أن نواة خلية التمرد يجب أن تكون موجودة في المراكز الاجتماعية مثل المدارس والمقاهي ومراكز ألعاب الكمبيوتر.

وما يوضح خيوط النهج الجديد المعتمد، هو التسجيل الصوتي المسرب، للناشط السياسي المعارض، مهدي حاجتي، الذي يحرّض على أعمال الشغب يقول: "أي عمل تستطيعون القيام به لخراب الجمهورية الإسلامية يجب ان تفعلوه... علينا ان نفعل ذلك مجتمعين، لا يستطيع أحد أن يفعل ذلك بمفرده".

بعد وفاة الشابة مهسا أميني، سُخّر الاعلام الغربي لاستغلال الحادثة وضرب الاستقرار الأمني في البلاد، توازياً مع محاولات لضرب العملة الوطنية. وبالتالي، يصبح الانهيار الأمني-الاقتصادي المزدوج غير قابل للاحتواء. فبحسب الناطق باسم الحكومة، علي بهادري جهرمي، فإن عدد الأخبار المتعلقة بالعملة الوطنية وصل إلى 35000 خبر خلال شهر واحد، غالبيتها مزيفة. فعلى الرغم من الفوضى المالية التي افتعلتها منصات يتم التحكم فيها عبر تطبيق تلغرام، قام البنك المركزي بضخ 750 مليون دولار في السوق، لم يتم شراء سوى 110 مليون دولار. وتؤكد هذه الخطوة، ان العملة الأجنبية متوفرة بما يكفي للحفاظ على الاستقرار المالي، بعكس ما يتم الترويج له.

القيادة المركزية الأميركية Centcom تدير الحرب التركيبية

لعبت وسائل التواصل الاجتماعي دوراً هاماً في تأجيج وتحريض وتأليب الرأي العام، بُعيد وفاة أميني، حيث تشير مصادر مطلعة لموقع "الخنـادق"، إلى ان 40% من الحسابات كانت تدار من قبل القيادة المركزية للولايات المتحدة Centcom، مؤكدة أن بعض الحسابات الخاصة بالمؤثرين، والتي يتابعها ملايين الأشخاص، كانت تُستَأجر، تماماً، كحساب علي كريمي، الذي استأجره رجل إماراتي ثري، خلال أعمال الشغب الأخيرة، وفق ما تؤكد المصادر.

اليوم، تندرج قضية تسمم الطالبات ضمن الإطار نفسه، فتشابك الخيوط يوصل إلى مكان واحد، خاصة وأنه يحدث بشكل ممنهج، وبمختلف المدن الإيرانية، وقد أكد عضو لجنة تقصي الحقائق في قضية تسمم طالبات وطلاب المدارس في مجلس الشورى الإيراني، محمد حسين آصفري، على أنه أكثر من 5 الاف طالب وطالبة في 230 مدرسة موزعة على 25 محافظة تعرضوا لهجمات التسميم... الأجهزة المعنية أجرت العديد من الفحوصات وأخذت جملة من العينات للكشف عن طبيعة وأسباب هذا التسمم لكن لم يتم الحصول على إجابات واضحة حتى الآن. لكن لحسن الحظ، لم يتم الإبلاغ عن أي حالات حادة، إلا ان الأعداد بارتفاع مستمر بحسب وسائل إعلام محلية.

ماذا لو توفيت إحدى الطالبات؟

يكمن الفرق بين وفاة الشابة أميني، وبين قضية تسمم الطالبات، أن الأولى حادثة تم استغلالها، بينما ترتكز خطورة الثانية بأنها قضية مدبّرة كأحد الأوراق التي تستخدم خططاً بديلة. ولأن طهران اعتادت على الهجمات بمختلف أنواعها منذ انتصار الثورة، ثم مع بدء استراتيجية الحروب بالوكالة والحرب الناعمة، تعلم السلطات الإيرانية ان ما يلي الهجمة على مدارس الفتيات، هو أحد السيناريوهات:

وفاة إحدى الفتيات، بعد إصابتها بالاختناق الناتج عن الغاز، واتهام إيران وبالتالي، اجترار خطاب وفاة أميني الإعلامي والسياسي، ثم تمويل وتأجيج أعمال الشغب مرة أخرى. أو استمرار الهجمات، واتهام إيران ايضاً بأنها مَن يقف خلفها، بدوافع مختلفة، قد تكون في بعض الأحيان بعيدة عن ثقافة وايديولوجية الشعب الإيراني، كمحاولة منع تعليم الفتيات، وهو ما لن يصدّقه الإيرانيون المستَهدَفون.

ردود الفعل تكشف خيوط التورط

استحوذت التغريدة التي نشرها السفير البريطاني في إيران، سايمون شركليف، على أهمية قصوى لدى الشارع الإيراني اولاً، ثم سلطات القرار. خاصة وأنها قد أتت في توقيت مثير للشكوك، لا تزال فيه السلطات الأمنية والصحية، تتابع التحقيقات اللازمة لمعرفة نوعية وماهية الهجوم. حيث نشر شركليف على منصة تويتر تغريدة قال فيها: "بصفتي أبًا، أتعاطف مع جميع الآباء والأمهات الإيرانيين القلقين على أطفالهم في المدارس بسبب سلسلة حالات التسمم التي لا تنتهي".

 ما استوجب رداً من القائم بالأعمال في لندن، مهدي حسيني: "حسب التقارير المعلنة فقد تم ارسال جنود بريطانيين الى اوكرانيا لخوض الحرب منذ بداية اندلاعها قبل عام وان عدداً كبيرا منهم قد قتلوا، وهناك ارقام متفاوتة عنهم أعلنتها المصادر الروسية والبريطانية الا أن هذه الارقام لم يتم تأكيدها من قبل المسؤولين البريطانيين...من المفترض ان يحظى الشعب البريطاني بحق الاطلاع على الحقيقة في هذا الموضوع".

فيما أعرب المتحدث باسم مجلس الأمن القومي في البيت الأبيض، جون كيربي، عن "قلقه العميق من تسميم الطالبات في إيران، وطالب الجمهوريّة الإسلامية الإيرانية بإجراء تحقيق كامل وشفاف في هذا الصّدد"، وقال: "التلميذات الصغيرات اللائي يذهبن إلى المدرسة يجب أن يقلقن فقط بشأن التعلم وليس سلامتهم الجسدية، وفي الوقت الحالي ليس لدينا معلومات كافية عن هذا الموضوع".

بينما أكّدت وزارة الخارجية الأستراليّة أنّ "الحكومة الأسترالية قلقة للغاية بشأن الأنباء الواردة بشأن تسمم مئات الطالبات في عدة مدن إيرانية"، وتابعت: "نحن نتابع الحدث عن كثب ونراقب الأوضاع بدقّة". إلا ان الأخيرين، لم يخبرا الشعب الإيراني، عن السبب الذي يمنعهما من رفع العقوبات عن طهران، حتى تستطيع تأمين الأدوية اللازمة لعلاج الفتيات اللواتي يقلقان عليهن. فبمعزل عن حيثيات القضية، ومن يقف خلفها، والمقاربة التي تنتهجها كل من واشنطن وكانبرا، لا مبرر لهذه المسرحية الهزيلة المستهلكة عند كل حادثة.

الجدير ذكره ان الفرقة البهائية المدعومة من بريطانيا تستغل حادثة التسمم، وتروج لها متهمة المسؤولين الإيرانيين، والرقص على جراح أهالي البنات المصابين في المدارس.

"التخريب المشرّف": تحريض مكشوف يواجه بالذكاء والإعدام

كان مصطلح "التخريب المشرّف" أحد الشعارات التي تصدرت أعمال الشغب. لم يستطع الإيرانيون عزل هذه الاستراتيجية عما روّجت له الولايات المتحدة وبريطانيا غداة إلقاء القنابل الذرية والكيميائية على اليابان. إضافة، لاعتقاد تنظيم داعش الإرهابي الوهابي، عندما روّج لمعتقداته القائمة على ان "القتل فضيلة". حيث برزت خلال الأيام الماضية، دعوات من مؤثرين إيرانيين يحظون بدعم غربي (تسريب صوتي للناشط برويز ثابتي نموذجاً وهو زعيم فرقة معارضة في لوس انجلوس) يدعون الى تخريب كافة مؤسسات الدولة وتدميرها مدنية كانت او عسكرية وأطلقوا عليها اسم التخريب المشرّف (خرابكاري شرافتمندانه)، على قاعدة ان الغاية تبرر الوسيلة مهما كانت (حتى لو قضت بقتل أرواح بريئة في المدارس وغيرها).

من ناحية أخرى، يمكن اعتبار أي سيناريو قد تقدمه الأدوات الإعلامية الغربية، على انه "مبتذل" وفي إهانة لذكاء الجمهور الإيراني. اذ ان الروايات المقدمة من قبل هؤلاء قد تم إجهاضها تباعاً، من قضية مهسا أميني، إلى حسين روناجي الذي قيل إنه قد تم الاعتداء عليه في السجن، إلى أرميتا عباسي، التي جرى اغتصابها... خاصة وان الرواية التي يجري تحضيرها وفبركتها تتعلق بمحاولة "النظام منع الفتيات من التعلم"، وهي دعاية تستهدف بالدرجة الأولى الوعي لبث الذعر النفسي. رواية أثارت سخرية الشعب الإيراني فهو يدرك أهمية المرأة ودورها ونجاحاتها وإنجازاتها في ظل النظام الإسلامي.

وتجدر الإشارة في هذا الصدد، إلى ما ذكره البروفيسور الإسرائيلي دان شختمان، خلال مقابلة ضمن ما يسمى "سبت الثقافة" في بئر السبع، تحدث فيها عن موقفه المعادي لإيران: ان التحدي الأكبر لإسرائيل هو الديموغرافية... ما الذي يقوله نظام آيات الله للإيرانيين؟ لا يقولون تعلموا القرآن، بل تعلموا الهندسة... هل تعلمين كم مهندس يتخرج في إسرائيل كل سنة؟ أقل من 7000 في كل الجامعات والكليات. في المقابل، كم مهندس يتخرج في إيران كل سنة؟ حوالي ربع مليون. 70% من المهندسين في إيران هم من النساء اللواتي يتخرجن في كل سنة... من الذي يتقدم إيران ام إسرائيل".

مطالبات بالإعدام

وفي مذكرة تحليلية واجتماعية، يشير القاضي علي جهان بخش إلى المادة 280 من قانون العقوبات الإسلامي المعتمد عام 2013، التي تنص على ما يلي: "كل من يرتكب جريمة ضد السلامة الجسدية للناس على نطاق واسع ... نشر مواد سامة وميكروبية وخطيرة ... أو ساعد في مثل هذه الجرائم. طريقة التسبب في "اضطراب خطير في النظام العام للبلاد، أو انعدام الأمن، أو إلحاق ضرر كبير بالسلامة الجسدية للناس ... يعتبر فاسدًا في العالم ويحكم عليه بالإعدام".

حرب بيولوجية؟

بدأ الحديث عن الحرب البيولوجية منذ ما قبل عام 1764، كأحد الأساليب المستخدمة لتحقيق غايات معينة، من المؤكد انها تستهدف دولاً ومجتمعات بأكملها، اذ لا يمكن حصرها ضمن بقعة جغرافية محددة إذا ما تم استخدامها. وما يجعل الأمر أكثر خطورة، انه بينما يقوم فريق من العلماء بدراسة مسببات مرض ما، للعثور على نقاط ضعفه ثم ابتكار الدواء المناسب للقضاء عليه وقتل مسبباته، يكون فريق آخر من العلماء، مشغولاً بالعمل ذاته، ولكن لتحديد نقاط قوته وطريقة انتشاره ثم بيعه للساسة الدوليين في الغرف المظلمة كأحد أقوى الأسلحة الفتاكة التي عرفتها البشرية على مر التاريخ.

حديثاً، مر على العالم عدد من الحروب التي شنت باستخدام هذا النوع من الأسلحة، ومنها الجمرة الخبيثة، والايبولا وسم البوتولينوم. وفيما يؤكد بعض العلماء ان بعضاً منها قد استخدم فعلاً ولم يتم الكشف عنه، تدرك إيران انها قد تكون عرضة لأي نوع من الهجمات، خاصة وأنها في مواجهة دائمة مع أطراف تؤمن بالوصولية والغوغائية كنهج سياسي وفقه تفاوضي. فهل تكشف الصورة بعد اكتمالها عن ان هناك مَن أراد نقل المعركة إلى هذا الميدان بعد عجزه في الميادين الأخرى؟


الكاتب: مريم السبلاني




روزنامة المحور