الإثنين 05 حزيران , 2023 01:27

عملية غير اعتيادية.. ساحة جديدة تُفتح مع الاحتلال؟

صورة نادرة جدًا وغير معتادة لرئيس أركان جيش الاحتلال (هرتسي هاليفي حاليًا)، والى جانبه قائد الفرقة 80 وقائد "العصابة الحمراء" (ايتسيك كوهين حاليًا)، وقوات من جيش الاحتلال عند الحدود المصرية. عملية غير متوقعة بالنسبة للاحتلال، في المكان والتوقيت وهوية المنفّذ، سينتظر هاليفي اسبوعًا طويلًا لمعرفة خلاصة التحقيقات، وتقديم "رواية واضحة" لجمهوره.

وجّه الجندي المصري محمد صلاح صفعة مهمة، وربما مختلفة هذه المرة لمستويات الاحتلال الأمنية والعسكرية في منطقة يدعي الجيش السيطرة عليها، بالتنسيق مع السلطات المصرية، عند الحدود المصرية – الفلسطينية. اذ نفّذ الشهيد "صلاح" عملية وصفتها صحيفة "يديعوت أحرنوت" العبرية بـ "الفدائية"، وأدت الى مقتل 3 جنود للاحتلال برصاص من مسافة صفر، بعد أن اخترق السياج الفاصل عند معبر "العوجا" (نيتسانا).

الشعب المصري: "الله يقف مع فلسطين"

ثبّت الشهيد ابن الـ 23 عامًا الرأي الآخر للشعب والشباب للمصري، الذي لا ينسجم مع السلطة الموقِعة لاتفاقيات التطبيع منذ عام 1978، والذي لم يبدّل قضية عن فلسطين. فـ "صلاح"، نشر على صفحته الخاصة على منصة "فايسبوك"، عبارة "الله يقف مع فلسطين" كتعليق على تغريدة لمرشح سابق للرئاسة الأمريكية، مايك بينس، زعم فيها "أمريكا تقف مع إسرائيل"، وذلك في أيار / مايو 2021، أي في أجواء معركة "سيف القدس".

في المقابل، حاولت السلطات المصرية تبرير العملية، بادعائها أنّ الجندي كان يلاحق عملية تهريب مخدرات. وفي هذا السياق، زعم المحلل العسكري لصحيفة "هآرتس" عاموس هرئيل أنه " على الملأ أعلن المصريون رواية كاذبة عما جرى على الحدود، في اللقاءات مع شخصيات أمنية إسرائيلية على ما يبدو اعترفوا بالمسؤولية، ومن المحتمل أن يكون هناك خيط بين العملية الصعبة على الحدود، وبين أحداث أخرى وقعت في السنوات الماضية".

جملة الإخفاقات والانتقادات

هذا الحدث "الخطير وغير العادي"، كما وصفه أيضًا رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو، حمل معه العديد من الإخفاقات لجيش الاحتلال وقواته البرية المنتشر في المنطقة الحدودية. فالشهيد "صلاح" قتل عند ساعات الفجر الأولى جنديين، ثمّ لم يكتشف الجيش ذلك الا عندما لم يستجب القتيلان للنداءات المتكررة في نقطة الحراسة، ولم يعثر على المنفّذ الا بعمليات تمشيط للمنطقة، وبعد أن اشتبك مرّة أخرى مع الجنود.

سلّط الإعلام العبري الضوء على الإخفاقات موجهًا انتقاداته لتعامل القوات المعنية مع العملية. فقد اعتبر المحلل العسكري في موقع "واللاه" العبري أمير بوخبوط، أنّ "مفهوم الدفاع للجيش انهار على الحدود المصرية".

بدورها ذكرت صحيفة "هآرتس" أنّ "قوة اليمام الخاصة التي كانت تستعد للوصول لمكان الحدث عند الحدود مع مصر، انتظرت ساعتين حتى تنقلهم مروحية هناك، لكنها لم تصل لسبب غير معروف". وذكرت "يديعوت احرنوت" أنّ "الجنود الذين قتلوا لم يطلقوا رصاصة واحدة على المنفذ".

كذلك، كشفت التحقيقات الأولية للاحتلال، أنّ جنود الحراسة الذين تواجدوا في مكان تنفيذ العملية كانوا قد قضوا 12 ساعة متتالية من الحراسة ما عرّضهم للإرهاق، وبالتالي لم يكونوا قادرين على الاستجابة للحدث الطارئ. وفي هذا الإطار، طرح مسؤولون "إسرائيليون" أسئلة حول الضابط الذي أعطى أوامر الحراسة الطويلة تلك في تقرير نشره موقع "والاه العبري". بالإضافة الى أسئلة حول الثغرة في السياج الفاصل، والتي لم يتم التبليغ عنها.

هنا، نقل المحلل العسكري "بوخبوط"، نقل "ضابط كبير" أنه "مع مرور الوقت سيتم الكشف عن التفاصيل المؤلمة، ولن أتفاجأ إذا طارت العديد من الرؤوس في القيادة الجنوبية". وفي السياق نفسه، رأى المحلل في القناة 13 العبرية أولر هيلر أنّ المنظومة الأمنية والعسكرية تدرس سلسلة من الاقالات والطرد بسبب الإخفاقات الكبيرة في المنطقة الجنوبية.

تسلسل الأحداث

فسّر تسلسل الأحداث، أن الشهيد صلاح نفّذ عملية خطط لها مسبقًا وكان مستعدًا لها ولتداعياتها، أي مستعد للشهادة. اذ ذكر موقع "والاه" أنّه "خطط للهجوم بعناية، وأعدّ له ببندقية، وأربعة مخازن، وسكين قطع بها الأصفاد عند معبر السياج"، ومن ثم دخل الى الأراضي الفلسطينية المحتلّة وسار عدة كيلومترات. وتابع الموقع "واضح أنه يعرف البقعة الجغرافية جيدا، وعلم بالفتحة التي دخلها بوقت مبكر، ولذلك تمكن من اختراقها بسهولة".

موقع "كود كود" العبري أيضًا، نشر بعض التفاصيل التي جاءت في التحقيق الأولي حول العملية، فقدّر أن الشهيد صلاح "مشى مسافة 5 كم من موقعه تسلق الجرف ووصل إلى السياج وكان على ظهره حقيبة بها معدات، قطع الأقفال التي تغلق المعبر الموجود في السياج، ودخل إسرائيل ثم اقترب من موقع الجنود، دون أن يتم التعرف عليه، وفتح النار".

وأضاف "عرف الجندي المصري كيفية الوصول إلى هذه النقطة، ويبدو أنه خطط لمسار التسلل وعرف موقع الجنود الإسرائيليين على بعد حوالي 150 مترًا من ذلك المعبر في السياج. حدث إطلاق النار الأول بعد السادسة صباحًا. وكان آخر اتصال بالجنود بعد الساعة الرابعة فجرًا، وصل رئيس القسم لتغيير المناوبة قبل الساعة التاسعة واكتشف الصورة الصعبة".

وتابع "تم التعرف على الجندي المصري على عمق حوالي كيلومتر ونصف في إسرائيل. من الحجارة الكبيرة أعد مكانًا للمأوى لنفسه. وفي المواجهة الأولى بعد الساعة 11:00 ظهرا إطلاق النار الذي نفذه وأصابه ضابط الارتباط من مسافة 200 متر، وفي المواجهة الثانية هاجمه لواء القطاع وقواته وقتلوه".

أعادت عملية الشهيد الجندي محمد صلاح الي ذاكرة الاحتلال عمليتين سابقتين نفذهما أيضًا جنديان مصريان، الأولى، كانت عام 1985 حين قتل الضابط المصري سليمان خاطر 5 "إسرائيليين وأصاب 7 آخرين في عملية عرفت بـ "رأس برقة" نسبة للمكان الذي نفّذت فيه عند ساحل جنوب سيناء. والثانية عام 1990 حين قتل الجندي أيمن الحسن 21 "اسرائيليًا" وأصاب 20 آخرين، وعرفت بعملية "رأس النقب" نسبة لقرية رأس النقب جنوب سيناء.

خلقت عملية الشهيد محمد صلاح تساؤلات جدّية اليوم، بالنسبة للاحتلال، هل باتت الحدود المصرية "غير آمنة" للجيش، وجبهة جديدة من المواجهة؟ خاصة وأن الاحتلال رفع مستوى خطر السياحة في شمال سيناء الى 4،وهو الأكثر خطورة، وفي جنوبها الى 2، حسب صحيفة "اسرائيل هيوم" العبرية. فيما ترى الشعوب المقاوِمة في هذه العملية، التي كسبت زخمًا إعلاميًا وتفاعليًا كبيرًا، الأمل بأن تتحرّك المياه الراكدة في تلك المنطقة وأن تكون ملهمة لمزيد من العمليات. كما تتطلّع أن تنضمّ الى مسار تصاعد أعمال المقاومة على مختلف الساحات.  


الكاتب: مروة ناصر




روزنامة المحور