يتساءل كثيرون حول مصير ومستقبل محور المقاومة، على وقع الحروب التي خاضها منذ عملية طوفان الأقصى، فمن ناحية يرى البعض أن هذا المحور في طور التفكك، نتيجة الخسائر التي تعرض لها بعد 600 يوم من حروب خاضها حلفاء طهران، إلا أن لمعهد الأمن القومي الإسرائيلي رأي آخر، ففي دراسة ترجمها موقع الخنادق، أعتبر المعهد أن المحور يعمل "كشبكة لا مركزية ومرنة ذات مصالح وهويات مستقلة، وتتمتع بقدر أكبر من الاستقلالية"، مؤكداً أن المحور يعمل "بدرجة معينة من التنسيق والالتزام حيث لا تزال طهران تُزوّده بالتمويل والأسلحة والدعم". ويضيف "لذلك، من المناسب النظر إلى هذا التجمع الإقليمي من نموذج محور هرمي إلى نموذج شبكة مرنة وديناميكية".
تجدر الإشارة إلى أن أعضاء محور المقاومة انتهجت نوع من اللامركزية بعد اغتيال القائد قاسم سليماني، وتوسعت أكثر في هذا الإطار بعد حرب طوفان الأقصى، وأكد كاتب البحث في هذا السياق أن "الشبكة (المحور) لم تعمل أبدًا كإطار هرمي تحت القيادة والسيطرة الإيرانية المباشرة. بدلاً من ذلك، عملت كرابطة فضفاضة" بحسب تعبيره، مشدداً على أن التحالف لا يزال يحافظ على "الشراكة الأيديولوجية والأهداف المشتركة الواضحة (مقاومة إسرائيل والولايات المتحدة) والتعاون والتنسيق الاستراتيجي والعملياتي الواسع".
النص المترجم للمقال
بعد انهيار نظام الأسد، وتآكل حزب الله، وتزايد الضغوط على الميليشيات الشيعية، هل لا يزال هناك "محور شيعي" متماسك بتوجيه استراتيجي من طهران؟
تتطلب التطورات الرئيسية التي شهدتها المنطقة منذ اندلاع الحرب في قطاع غزة، وخاصةً في الأشهر الأخيرة، إعادة النظر في مدى ملاءمة مفهوم "المحور الشيعي" الذي تقوده إيران. فعلى مدى العقدين الماضيين، عملت طهران على تشكيل شبكة من الجهات الفاعلة الإقليمية، معظمها كيانات شبه حكومية، تستند إلى أيديولوجية مشتركة لمقاومة إسرائيل والغرب، بهدف توسيع نفوذها وبناء عمق استراتيجي. وبينما كان هذا "المحور" يُعتبر في الماضي نظامًا مركزيًا ومنسقًا جيدًا، فإنه يتضح الآن بشكل متزايد أنه يعمل كشبكة لامركزية ومرنة، ذات مصالح وهويات مستقلة، وتتمتع بقدر أكبر من الاستقلالية. إضافةً إلى ذلك، فإن انهيار نظام الأسد في سوريا، وتآكل القدرات الاستراتيجية لحزب الله، وتزايد الضغوط على الميليشيات في العراق والحوثيين في اليمن، إلى جانب ضعف قدرة إيران على الردع، قد أضعف هذا المحور بشكل كبير وقوض تماسكه. في الوقت نفسه، لا تزال الشبكة التي نسجتها إيران على مر السنين تعمل بمستوى معين من التنسيق والالتزام، حيث لا تزال طهران تُزوّدها بالتمويل والأسلحة والدعم. لذلك، من المناسب النظر، مع مرور الوقت، في ضرورة تحويل تحليل هذا التجمع الإقليمي من نموذج محور هرمي إلى نموذج شبكة مرنة وديناميكية. علاوة على ذلك، من الضروري صياغة سياسات مُصممة خصيصًا لكل عنصر من عناصره، مع تحديد الخلافات الداخلية ونقاط الضعف والفرص المتاحة لإضعاف قبضة إيران على المنطقة وزعزعة العلاقات بين شركائها.
الهلال الشيعي: بين الرؤية والواقع
أصبح تعريف الشبكة التي تقودها إيران كمحور أمرًا شائعًا، على الرغم من أن هذه الشبكة لم تعمل أبدًا كإطار هرمي تحت القيادة والسيطرة الإيرانية المباشرة. بدلاً من ذلك، عملت كرابطة فضفاضة من المكونات المرتبطة بمصالح مشتركة ورؤية أيديولوجية مشتركة متجذرة في مقاومة إسرائيل والولايات المتحدة وحلفائهما الإقليميين. وبينما سعت إيران إلى الحفاظ على أكبر قدر ممكن من النفوذ - وممارسة السيطرة - على هذه المكونات، إلا أنها لم تُضفِ طابعًا رسميًا على أنشطتها من خلال تحالفات رسمية أو اتفاقيات ملزمة. علاوة على ذلك، في السنوات الأخيرة، وخاصة منذ مقتل قائد فيلق القدس قاسم سليماني في يناير 2020، أدارت إيران الشبكة بطريقة أكثر لامركزية مما كانت عليه في الماضي. وعلى الرغم من أنها استمرت في ممارسة نفوذ كبير على الشبكة، إلا أن هذا لم يعني بالضرورة سيطرة كاملة أو دائمة على كل جزء. إن التباين المتزايد في المصالح بين إيران ووكلائها واضح، على سبيل المثال، في محاولة الميليشيات الشيعية العراقية اغتيال رئيس الوزراء السابق مصطفى الكاظمي في نوفمبر/تشرين الثاني 2021 ــ على ما يبدو دون دعم إيراني ــ وفي العديد من الهجمات التي نفذها الحوثيون ضد أبو ظبي، والتي لم تتوافق بالضرورة مع مصلحة إيران في تحسين علاقاتها مع الإمارات العربية المتحدة.
مع ذلك، وبالتزامن مع لامركزية الشبكة، تعززت الروابط والتعاون المتبادل بين شركاء إيران. ويتجلى هذا التعاون المتنامي، على سبيل المثال، في الاجتماعات بين كبار قادة المنظمات الإسلامية الفلسطينية وقيادة حزب الله؛ وفي التنسيق لوضع الخطط العملياتية لحزب الله وحماس للتسلل إلى الأراضي الإسرائيلية؛ وفي مساعدة حزب الله للحوثيين والميليشيات الشيعية العراقية من خلال التدريب والتوجيه. في هذا السياق، لعب حزب الله وأمينه العام، حسن نصر الله، دورًا محوريًا، نظرًا لخبرة نصر الله الطويلة ومعرفته بإسرائيل، ولمكانته المرموقة ونفوذه في طهران، الذي ازداد منذ مقتل قاسم سليماني. إضافةً إلى ذلك، هناك جهد واضح ومتزايد من عناصر الشبكة لتسليح أنفسهم بكميات متزايدة من الأسلحة الدقيقة، بالتزامن مع تطوير قدرات مستقلة لتصنيع الأسلحة - بما في ذلك الصواريخ والطائرات المسيرة - ردًا على الجهود (التي تبذلها إسرائيل بشكل رئيسي) لمنع نقل الأسلحة من إيران إلى شركائها. وقد أدت هذه التطورات إلى خلق درجة أعلى من الالتزام المتبادل بين مكونات المحور وسمحت لها بتنويع الموارد المتاحة لها.
من "تجمع الساحات" إلى غرفة عمليات مشتركة
رغم محدودية قدرة إيران على إدارة مكونات "جبهة المقاومة" والتحديات التي تواجهها في إدارة هذا المحور، اغتنمت إيران الظروف الجديدة التي نشأت في الشرق الأوسط بعد اغتيال سليماني واتفاقات إبراهيم كفرصة لتعزيز التنسيق بين حركتي حماس والجهاد الإسلامي الفلسطينيتين الإرهابيتين والمكونات الأخرى للمحور في مواجهة عدوهم المشترك - إسرائيل. وفي إطار تنفيذ هذه الاستراتيجية، قررت إيران إنشاء غرفة عمليات مشتركة مسؤولة عن التنسيق العسكري واللوجستي والاستخباراتي الشامل بين حركتي حماس والجهاد الإسلامي الفلسطيني في قطاع غزة، وحزب الله في لبنان، والميليشيات الموالية لإيران في سوريا، والميليشيات الشيعية في العراق، والحوثيين في اليمن.
كان التنسيق المتزايد بين مكونات المحور واضحًا بالفعل في مايو 2021، خلال عملية "حارس الأسوار" التي شنها جيش الدفاع الإسرائيلي في غزة، عندما أنشأت إيران وحزب الله وحماس والجهاد الإسلامي الفلسطيني غرفة عمليات مشتركة في بيروت. وصرح إبراهيم الأمين، رئيس تحرير صحيفة الأخبار اللبنانية، التابعة لحزب الله، في مقابلة مع قناة المنار التابعة لحزب الله، أن غرفة العمليات النشطة خلال الحملة ضمت ضباطًا من الحرس الثوري الإيراني وكانت مسؤولة عن تنسيق ليس فقط تبادل المعلومات أو الإجراءات التكتيكية ولكن أيضًا التعاون الاستخباراتي. ووفقًا للأمين، تمكن حزب الله من جلب ضباط ميدانيين من حماس إلى بيروت عبر قنوات خاصة ونقل المعدات بنجاح إلى قطاع غزة خلال أيام القتال.
كشفت وثائق حماس التي ضُبطت في غزة خلال حرب "سيوف من حديد" عن مدى التنسيق بين القيادة الإيرانية وعناصر "محور المقاومة" - حزب الله وحماس والجهاد الإسلامي الفلسطيني. ووفقًا لهذه الوثائق، قاد سعيد إيزادي، المسؤول الكبير في فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني، جهود إيران لتهريب الأسلحة وتوفير التمويل، وإجراء تدريب للمنظمات الفلسطينية في الضفة الغربية وغزة، وتعزيز التعاون والتنسيق بين المنظمات الفلسطينية وحزب الله، وتنظيم العلاقات بين حماس ونظام الأسد في سوريا. ورغم أن هذه الوثائق تشير أيضًا إلى خلافات وتباين في المصالح بين عناصر المحور، إلا أنها تشهد على الشراكة الأيديولوجية والتعاون الاستراتيجي والعملياتي الواسع بين إيران وحلفائها الإقليميين في إطار هذا المحور.
ليس من المستغرب، حتى في خضم الاضطرابات الإقليمية الكبيرة، أن تواصل الجمهورية الإسلامية التقليل من خطورة الوضع، مؤكدةً التزامها بدعم المحور الموالي لإيران. وقد أكدت شخصيات بارزة في النظام الإيراني، بقيادة المرشد الأعلى علي خامنئي، أن إيران ووكلائها الإقليميين قادرون على تجاوز التحديات ومواصلة العمل في ظل الظروف الجديدة، ويعود ذلك جزئيًا إلى قدرتهم على إنتاج الأسلحة بشكل مستقل. علاوة على ذلك، لا توجد حاليًا أي إشارة على إدراك المؤسسة المحافظة في طهران للحاجة إلى إعادة تقييم استراتيجي بشأن استمرار عمل المحور الإقليمي الذي تقوده إيران.
يتجلى التزام إيران بـ"محور المقاومة" ليس فقط في التصريحات الرسمية، بل في سياستها الفعلية أيضًا. ففي الأشهر الأخيرة، واصلت إيران، بقيادة الحرس الثوري الإسلامي، جهودها للحفاظ على قدرات المحور التي تضررت في الحرب مع إسرائيل، وتعزيزها، وإعادة بنائها. وفي لبنان، تسعى إيران بشكل واضح إلى إيجاد طرق بديلة لتعويض خسارة الممر الاستراتيجي في سوريا، وتعويض الضربة التي لحقت بالقوة العسكرية لحزب الله، واستعادة قدراتها المتضررة جزئيًا على الأقل، لا سيما في مجال الصواريخ الدقيقة . وفي العراق، أبدت القيادة الإيرانية عزمها على الحفاظ على نفوذها على الميليشيات الشيعية، وعارضت علنًا نزع سلاحها ودمجها في القوات المسلحة العراقية. وفي اجتماع مع رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني، أكد المرشد الأعلى الإيراني أن الميليشيات الشيعية هي أحد المكونات الرئيسية للحكم في العراق، ويجب الحفاظ عليها وتعزيزها بشكل أكبر. وفي اليمن ، واصلت إيران دعم أنشطة الحوثيين ضد إسرائيل، وكذلك ضد حركة الملاحة في البحر الأحمر.
نظراً لإصرار الجمهورية الإسلامية على الحفاظ على نفوذها الإقليمي من خلال شبكة وكلائها وشركائها، فمن المفهوم أن تشير بعض التقييمات إلى أن إيران ستنجح في نهاية المطاف في التغلب على التحديات الحالية التي تواجهها هي و"المحور الشيعي"، بل قد تستغل هذه الأحداث كفرص لتعزيز قبضتها ومكانتها الإقليمية. وهذا يُشبه ما فعلته إيران في الماضي عندما اضطرت إلى مواجهة أزمات إقليمية هددت أمنها القومي، بما في ذلك الغزو الأمريكي للعراق عام 2003، والحرب الأهلية السورية، وصعود داعش ومكاسبها في الاستيلاء على أجزاء كبيرة من العراق وسوريا خلال العقد الماضي.
على خلفية التطورات الإقليمية الأخيرة، قيّم باحثون في مركز تشاتام هاوس البريطاني للأبحاث في مارس 2025 أن "محور المقاومة" لا يزال قادرًا على التكيف مع الواقع المتغير، حتى في مواجهة ضغوط خارجية شديدة. ووفقًا لتحليلهم، فإن أحداث العام الماضي - بما في ذلك انهيار نظام الأسد، وتضرر حزب الله، وتشديد العقوبات الاقتصادية على إيران - لا تشير بالضرورة إلى انهيار المحور. بل يعمل المحور كشبكة ديناميكية لامركزية ومرنة نجحت سابقًا في التكيف مع مجموعة من الصدمات العسكرية والاقتصادية والسياسية والاجتماعية، مستعيدًا قدرتها العملياتية الفعالة في كل مرة. وبفضل مرونته الهيكلية والتنظيمية، يمكن للمحور تعويض الضرر الذي يلحق بأحد مكوناته، مثل حزب الله أو النظام السوري، من خلال الاستفادة من مكون آخر، مثل الميليشيات الشيعية في العراق أو الحوثيين في اليمن، وبالتالي الحفاظ على نفسه. كما ساعد التحول من نموذج مركزي إلى نموذج أفقي أكثر لامركزية عقب اغتيال سليماني المحور على تجنب الاعتماد على مكون واحد، ومنح أجزائه المختلفة استقلالية أكبر. إضافةً إلى ذلك، فإن استخدام آليات اقتصادية متنوعة - بما في ذلك المؤسسات الرسمية كالبنوك المركزية، إلى جانب شبكات الصرافة وعمليات التهريب المرتبطة ارتباطًا وثيقًا بالمحور - منحه مرونة أكبر. علاوةً على ذلك، لا يمكن اعتبار منظمات مثل حزب الله والميليشيات الشيعية في العراق والحوثيين جهات فاعلة غير حكومية بحتة، لأنها مندمجة في مؤسسات الدولة، وبالتالي تتمتع بنفوذ وقدرة أكبر على التكيف.
أثيرت شكوكٌ أيضًا حول مدى ضعف عناصر المحور. على سبيل المثال، جادل الباحث جاك نيريا بأن حزب الله أبعد ما يكون عن نزع سلاحه؛ فهو يواصل إنشاء "كتائب مقاومة" تُحافظ على سيطرتها في جنوب لبنان وتُعزز قبضتها على القرى. وأكد أنه على الرغم من أن الضربة التي تلقاها حزب الله في الحرب الأخيرة أجبرته على تغيير تكتيكاته، إلا أنه لم يتخلَّ عن قوته، وهذا لا يُمثل ضعفًا حقيقيًا، بل هو تكيف مع ظروف مؤقتة. وفيما يتعلق بالعراق، زعم مايكل نايتس أنه على الرغم من الانتكاسات الأخيرة التي لحقت بشبكة إيران الإقليمية، فإن إيران والميليشيات الشيعية في العراق تواصل استغلال نفوذها وسيطرتها على الحكومة العراقية لتشغيل شبكات تمويل الإرهاب عبر قطاع النفط العراقي، مما يُعزز مكانة إيران الإقليمية. وأكد أن العراق أصبح رصيدًا استراتيجيًا أكثر مركزية لطهران، حيث تسيطر الميليشيات الشيعية ليس فقط على موارد الدولة، بل أيضًا على مؤسساتها.
الخاتمة والتداعيات: من "محور شيعي" إلى "شبكة شيعية"
على مدى العقدين الماضيين، تبلور مفهوم "المحور الشيعي" - وهو نظام جيوسياسي وعسكري وأيديولوجي (إطار "المقاومة") تقوده إيران، ويوحد حزب الله في لبنان، ونظام الأسد في سوريا، والميليشيات الشيعية في العراق، والحوثيين في اليمن. افترض هذا المفهوم وجود هيكل مركزي وهرمي ومنسق، يمكن تسميته "محورًا" بالمعنى التقليدي: تجمع سياسي متماسك يديره مركز ثقل واضح - طهران - يحدد التوجه الاستراتيجي لوكلائها.
ومع ذلك، فإن التطورات الدراماتيكية التي شهدها العام الماضي - ولا سيما ضعف إيران بعد الضربة الإسرائيلية في أكتوبر/تشرين الأول 2024؛ والأزمة الاقتصادية التي عصفت بالجمهورية الإسلامية؛ وظهور تهديد عسكري موثوق من الولايات المتحدة وإسرائيل؛ وانهيار نظام الأسد في سوريا؛ وتراجع حزب الله داخليًا تحت ضغط عسكري وسياسي؛ ووقف هجمات الميليشيات الشيعية العراقية في ظل تزايد مطالب نزع السلاح - تثير شكوكًا جدية حول استمرار أهمية مفهوم "المحور". في الوقت نفسه، يكتسب إطار تفسيري بديل أرضية: وهو أن هذا لم يعد محورًا حقيقيًا، بل شبكة فضفاضة - نظام مرن ولامركزي وغير متكافئ من الجهات الفاعلة المرتبطة بتقارب أيديولوجي ودرجة معينة من التنسيق والتعاون المؤقت، ولكنها مدفوعة بمصالح وهويات ووظائف مختلفة، كل منها يعمل وفقًا لاعتبارات محلية وأحيانًا على خلاف مع مصالح إيران الخاصة.
إن مسألة استمرار وجود المحور ليست مجرد مسألة نظرية؛ بل إنها تُشكل فهم طبيعة التهديد، وصياغة أهدافه، واختيار الأدوات لمواجهته. إن التحليل السطحي، أو التشبث بنموذج هرمي عتيق، يُخاطر بإغفال التحولات الجوهرية في التجمع الشيعي الذي تقوده إيران، والتقليل من شأن المدى المتغير لنفوذها. في المقابل، يُمكّن إدراك تعقيد الشبكة من وضع سياسات قائمة على السياق، تُحدد نقاط الضعف، وتُشجع على التمايز، وتُتيح فرصًا لإضعاف الشبكة - وربما حتى تفكيكها - من خلال وسائل مُتنوعة. ويتمحور السؤال المحوري حول فهم طبيعة الروابط والديناميكيات الداخلية داخل التجمع الشيعي، وكيف ينبغي لإسرائيل الاستعداد لمواجهتها.
إن المنظور الذي لا يزال ينظر إلى النظام كمحور يُركز على طهران كمركز ثقل، بافتراض أن كل عنصر يعمل كوكيل مباشر له، أو أن استهداف وكيل رئيسي واحد أو أكثر يُعادل عمليًا ضرب إيران نفسها. على النقيض من ذلك، إذا فُهمت على أنها شبكة فضفاضة، فيجب تحديد كل طرف على حدة - بتحليل مصالحه الفريدة، ودوافعه المستقلة، وعلاقاته المحلية، وتقييم درجة التزامه الأيديولوجي أو الهيكلي بإيران والمكونات الأخرى. قد يتطلب اعتماد هذا النهج من إسرائيل تعديل استجابتها لهذه الشبكة الإقليمية. على سبيل المثال، في مجال الردع، ستكون هناك حاجة إلى آليات ردع تفاضلية ومُصممة خصيصًا لكل ساحة، وفاعل، ومجموعة من الظروف. عسكريًا، قد يصبح من الممكن اتخاذ إجراءات ضد أي من الأطراف الفاعلة دون الحاجة بالضرورة إلى تحفيز الآخرين - ويمكن حتى استغلال هذه الإجراءات من قبل جهات فاعلة أخرى لتعزيز استقلاليتها. ومن الناحية السياسية، يتطلب الأمر سياسة تتجاوز مجرد تطبيق الضغوط المركزة على طهران، بل تستثمر أيضا الجهود في تشجيع الجهات الفاعلة البرغماتية في المنطقة، وتعزيز الانقسامات والخلافات الداخلية داخل الشبكة لإضعاف الالتزام بين مكوناتها، وخلق بدائل محلية للجهات الفاعلة دون الدولية المرتبطة بإيران والمدعومة من قبلها.
هذا لا ينفي وجود روابط أيديولوجية أو عسكرية أو اقتصادية أو سياسية بين إيران وشركائها الإقليميين. ومع ذلك، لا تشير هذه الروابط بالضرورة إلى تبعية مباشرة أو إلى إمكانية تدمير النظام بأكمله باستهدافه. بل على العكس، من الممكن أن يزيد هيكل الشبكة من قدرة النظام على البقاء، كما يتضح من أنشطة الحوثيين المستمرة، وجهود حزب الله للتعافي، والطرق التي تحافظ بها هذه الجهات على مكانتها داخل الدول التي تعمل فيها، حتى مع ضعف العلاقات الرسمية مع إيران. علاوة على ذلك، فإن الوضع الذي يحتفظ فيه كل طرف بدرجة من الاستقلالية قد يشكل تحديات أكبر لإسرائيل، نظرًا لغياب منطق تنظيمي موحد وراء أنشطة الشبكة.
مع ذلك، من السابق لأوانه إعلان نهاية مفهوم المحور. فجهود إيران المستمرة لاستعادة قدرات حزب الله، والتنسيق المستمر بينها وبين الميليشيات الشيعية، وبينها وبين الحوثيين، والتقارير التي تفيد بأن وقف إطلاق النار بين الولايات المتحدة والحوثيين قد تحقق جزئيًا بفضل الضغط الإيراني على الحوثيين لوقف أنشطتهم في البحر الأحمر لتجنب عرقلة المحادثات النووية، كلها تشير إلى أن التحالف الذي تقوده الجمهورية الإسلامية لا يزال يحتفظ بدرجة كبيرة من الالتزام المتبادل، والتماسك الأيديولوجي والعملياتي، والتنسيق الاستراتيجي، والأهداف المشتركة الواضحة. وحتى لو تصدع المحور وضعف، فإن الروابط الأيديولوجية والمصالح المشتركة والروابط بين مكوناته لم تتبدد بعد. على أي حال، لا تزال إيران تلعب دورًا محوريًا، في المقام الأول كمورد للأسلحة والخبرة والتمويل والدعم الأيديولوجي. وإذا توقفت إيران عن لعب هذا الدور، فمن المتوقع أن يتغير التحدي الذي تواجهه إسرائيل ويتضاءل...
المصدر: معهد دراسات الأمن القومي
الكاتب: Raz Zimmt