الثلاثاء 22 آذار , 2022 03:35

كواليس اغتيال الشيخ ياسين: إسرائيل لم تحقق أهدافها

الشيخ الشهيد أحمد ياسين

شهدت الفترة الممتدة من العام 1987 الى العام 2005 ذروة العمل العسكري المقاوم – رغم بدائية أدواته وقلّة الموارد التقنية والمالية – حيث اندلعت الانتفاضتان اللتان تلقّى خلالهما جيش الاحتلال وعمق الكيان الاسرائيلي الضربات العسكرية، ووقعت في صفوفه الخسائر البشرية والمادية والاقتصادية. وهدّدت حركات المقاومة الفلسطينية أمن "إسرائيل" التي كان لا بدّ لها أن تبحث عن مخرجٍ لأزماتها.

السياسة الإسرائيلية: اغتيال القادة الفلسطينيين

يشرح رونين برغمان، الصحافي في صحيفة "يديعوت أحرنوت" في كتابه "انهض واقتل أولاً" أن السياسة الإسرائيلية قضت بـ " قتل الناس الموجودين فوق المفجرين في التسلسل الهرمي للجماعات الفلسطينية... وتوصلوا إلى استنتاج مفاده أنك لست بحاجة إلى قتل الجميع في هذا المستوى. كان كافيا قتل أو ضرر 25% لشل المنظمة".

كان من بين أهم القيادات في الساحة الفلسطينية، الشيخ أحمد ياسين الذي أسس حركة المقاومة الإسلامية – حماس عام 1987، وقبلها كان دائماً ما يتعرّض الشيخ لانتهاكات الاحتلال على خلفية المقاومة، واعتقل أكثر من مرة.

عام 1997 أطلق الاحتلال سراح الشيخ ياسين – بعد صفقة تبادل أجراها الكيان مع الأردن – وظن أن الشيخ لن يشكّل خطراً على "إسرائيل" نتيجة الشلّل ووضعه الصحي الا أن الاعلام العبري نقل أن تقديرات المسؤولين الاسرائيليين كانت خاطئة وقد تأكدوا من ذلك بعد تصريحات الشيخ في أكثر من مناسبة والتي حثّ من خلالها على ضرورة العمل المسلّح لانهاء وجود الاحتلال على أرض فلسطين ووجوب دفاع الشعب الفلسطيني عن نفسه.

كواليس اغتيال الشيخ ياسين

"أنا لم أصادف شراً بهذا الحجم في جسدٍ بهذا الضعف...وراء كل عملية نجده (احمد ياسين)"، هكذا عبّر  رئيس جهاز الشاباك آنذاك (2000 – 2005) آفي ديختر في حديثه مع الاعلام العبري، عن الشيخ الشهيد، مضيفاً أن المعلومات الاستخباراتية الإسرائيلية التي وصلت الى وزير حرب الاحتلال شائول موفاز آنذاك (2002 – 2006) كانت تتهم الشيخ ياسين بالوقوف في صفوف التخطيط والاشراف على أغلب العمليات التي استهدفت المناطق في الداخل المحتلة.    

نتيجة ارتباك الاحتلال وتخوّفه من انتقال العمليات الفلسطينية الى أعمال أكثر نوعية وأكثر "فتكاً" بالأهداف الإسرائيلية بحسب ما يصف رئيس الشاباك، أجرى ديختر نقاشات "جديّة" مع وزير الحرب "لايجاد الحل" وسط تخوّف إسرائيلي كبير من الرّد الفلسطيني في المقابل.

ويروي الاعلام العبري تفاصيل كواليس عملية اغتيال الشيخ ياسين حيث جلس على طاولة واحدة وزير الحرب، رئيس الاستخبارات العسكرية، رئيس "الموساد"، رئيس "الشاباك"، ورئيس أركان الجيش والقيادة العامة للجيش وأجهزة أمنية أخرى ودار النقاش المفتوح حيث تبدي كل جهة رأيها للتوصّل الى القرار. وفي النهاية كانت الأغلبية لصالح قرار الاغتيال. وقد حُملت "التوصية" الى رئيس وزراء الاحتلال أرئيل شارون الذي  وافق بدوره على العملية قائلاً: "أنا أمنحكم كل الدّعم، وابحثوا الوقت والوسيلة المناسبة".

المحاولة الأولى الفاشلة

استهدف جيش الاحتلال في السادس من أيلول / سبتمبر عام 2003 منزلاً ضمّ اجتماعاً لبعض مسؤولي حركة حماس قاصداً اغتيال الشيخ، الا أن العملية لم تنجح، وتذكر الأوساط الإسرائيلية أنه "توجّب الانتظار لفرصة قادمة".

الاغتيال في 22 آذار 2004

في الرابع عشر من آذار / مارس عام 2004 نفّذت المقاومة الفلسطينية عملية استشهادية طالت ميناء "اسدود" وأدّت الى مقتل 10 جنود وجرح آخرين، اجتمع المجلس الوزاري المصغّر "الكابينت" في اليوم نفسه وقرّر تنفيذ محاولة ثانية لاغتيال الشيخ. وباشر مخبري الاحتلال بتقديم المعلومات والصور "الواضحة" عن تحركات الشيخ في قطاع غزّة.

وفي 22 آذار / مارس، علِم الاحتلال بتواجد الشيخ ياسين في المسجد في حيّ الصبرا في القطاع، استنفر طائراته الحربية والطائرات المسيرة للتصوير ما بين الساعة الرابعة والنصف والخامسة والنصف فجراً. وبعد خروجه بثوانٍ تم التعرف استخباراتياً على الشيخ بشكلٍ مؤكّد. أُصدرت إشارة التنفيذ، فاغتال الاحتلال الشيخ بثلاثة صواريخ.

"إسرائيل" لم تحقق أهدافها: حماس تحالف مع إيران

اعترف رئيس الشاباك بعد ثماني سنوات من اغتيال الشيخ أن "التاريخ يعيد نفسه... الشخص الذي جاء بعد ياسين هو أحمد الجعبري" وقد كبّد الاحتلال الخسائر على كافة المستويات خلال تسلّمه مسؤولية نائب قائد أركان كتائب القسّام. واغتاله الاحتلال أيضاً في العام 2012 وعانى المخاوف نفسها السابقة من الرد الفلسطيني، وأضاف رئس الشاباك "نحن ننتظر من التالي"!

وبعد استشهاد القائد الجعبري، ثبّتت المقاومة الفلسطينية معادلة الردع التي تؤكّد ان استهداف الكوادر صار يكلّف "إسرائيل" ضرب عمقها بالصواريخ وتطوير التصعيد العسكري من كل الجبهات.

في الكتاب (المذكور سابقاً) – الصادر عام 2018 - الذي كشف العديد من أسرار عمليات الاغتيال التي نفّذتها "إسرائيل"، تطرّق برغمان الى مسألة ما إذا كان صحيحا قتل "القادة"، موضحاً أن ذلك يغيّر التاريخ، ولكن ليس دائما في الاتجاه المتوقع، ويقول "لقد قتلنا رئيس حزب الله عباس الموسوي، وحصلنا على حسن نصر الله، وتغيير كامل في أولويات حزب الله، للتركيز على إسرائيل. قتلنا الزعيم الروحي لحماس الشيخ أحمد ياسين لنجد حماس تتحالف مع إيران".

وبالتالي لم يستطع الكيان المؤقت يوماً  تحقيق أهدافه البعيدة من اغتيال الشخصيات الفلسطينية، حيث برز في الساحة الفلسطينية قادة عملت على تطوير القوة الصاروخية للمقاومة كما تفكيرها العسكري والأمني وقد ظهر ذلك واضحاً في المعركة الأخيرة "سيف القدس".


الكاتب: غرفة التحرير




روزنامة المحور