الجمعة 20 أيار , 2022 04:34

الإمام الخامنئي: حرس الثورة في سوريا تكليف وواجب

السيد الخامنئي والأسد

تحيط كلمة قائد الثورة الإسلاميّة، الإمام الخامنئي، في لقاءه الأخير برئيس الجمهورية السوري، بشار الأسد، والوفد المرافق، بالتجربة السورية ككل، وعلى مدى عقد من المواجهة والصمود، لجهة انتصاراتها العسكرية والسياسية والقيادية والشعبية.  تؤسس الكلمة لهيكلية انتصار سوريا وفق المقوّمات الذاتية وعوامل الانتماء لمحور المقاومة والشراكة مع الحلفاء، تحديدًا العلاقات الثنائية الإيرانية السورية، وتطرح مواجهة التهديدات والتحديات ضمن أولويات طبيعة العلاقة بين البلدين في المرحلة المقبلة. ويمكن إجمال أبرز مفاصل الهيكلية الرئيسة بالعناوين التالية

ثنائية مقاومة الشعب والنظام

"مقاومة الشعب والنظام في سوريا والانتصار في الحرب الدوليّة مهّدا الأرضيّة لرفع مكانة سوريا وشموخها".

يؤكّد الإمام على دور المقاومة الأساس في الانتصار على الحرب الكونية على سوريا وتجاوز تداعيات مخطط إسقاط النظام والقضاء على مشروع "الشرق الأوسط" الجديد من البوابة السورية. وإذ يحدّد المقاومة طريق الحفاظ على السيادة والرفعة وقطع التدخل الخارجي فإن الإمام يصنّف نوعين من المقاومة في سوريا كان لهما فضل الانتصار وحماية مرتكزات الدولة واستمرار الثبات، وهما المقاومة الشعبية والمقاومة الرسمية. إنّ التلاحم بين الشعب السوري والنظام حول القضية وتضافر جهود كل من الشعب وقوى النظام السياسية والعسكرية والاقتصادية من أبرز عوامل انتصار سوريا وصمود الشعب والنظام، واستعادة التأكيد على دورها المركزي في العالم العربي والنظام الدولي بعد عقد من الحرب والعزلة والحصار. الأمر الذي تستحق معه سوريا شعبًا ونظامًا الاحترام والتقدير.

إنجازات الدولة السورية العسكرية والسياسية

 "النجاحات العظيمة التي حقّقتها سوريا في الميادين السياسيّة والعسكريّة".

 يقاس الانتصار بالحروب بمقدار تحقق الأهداف، وقد فشلت الحرب الكونية ضد النظام السوري مع فشل الأهداف التي أعلنت بداية الحرب، وباتت تتراجع مع الوقت. لقد سعى الغرب إلى إخراج سوريا من فلك الدول الممانعة وإخضاع إرادتها، واستعان بالدول العربية "الشقيقة" في إحداث عزلة سياسية، وأخرى اقتصادية عبر فرض الإدارة الأمريكية في عهد ترامب قانون قيصر العام 2019. وعلى رغم تحشيد كل المخططات الغربية وغرف العمليات الأمنية "الموك" والموم" وبرامج التدريب والتمويل للمقاتلين المرتزقة والتكفيريين من كل أنحاء العالم إسقاط نظام الأسد أو تغييره، كما كان يؤمل أن يحدث في زمن قصير من بداية الحرب، فإن سوريا تحدّت الحرب العسكرية وتداعياتها على شعبها وأرضها وصمدت رغم كل المعاناة الإنسانية والاقتصادية الناجمة بطبيعة الحال. لقد انهزم مشروع الخلافة الإسلامية في الشام والعراق عسكريًّا وسياسيًّا ورغم عودة داعش خلال السنة الماضية إلى الواجهة إلا أن ذلك لا يعني عودة المشروع، وإنما تفعيل أمريكي متجدد للخلايا النائمة في حرب عصابات تعتمد "الكر والفر"، وليس استعادة السيطرة الجغرافية. وإن كانت الأراضي السورية حتى اليوم مقسّمة إلا أن الدولة السورية ما زالت متماسكة ومحافظة على مؤسساتها وجيشها، وتبحث عن حلول لأزمات الشعب المتفاقمة بناء على المصلحة الوطنية وثباتًا على نهج الممانعة.

تنامي قوة سوريا

"سوريا اليوم ليست سوريا قبل الحرب، ومع أنّ الدّمار لم يكن في تلك المرحلة، لكنّ مكانة سوريا واحترامها اليوم هما أكبر بكثير من السّابق، والجميع ينظرون إلى هذا البلد على أنّه قوّة".

 إن القوة التي يتحدّث عنها سماحة الإمام هي المعايير المعنوية التي تؤّمن القوة الحقيقية والواقعية لا الاعتبارية، وإلا فإن قوة سوريا المادية بعناوين الاقتصاد والإعمار تعاني الضعف والأزمات. إنّ قوة سوريا هي بالحفاظ على كينونتها وهويتها المقاومة، بالحفاظ على الماهوية العربية القومية المقاوِمة لمشاريع الهيمنة الأمريكية وفرض الشروط الاستعلائية، وعدم القبول بمصادرة قرارها ووحدة كيانها أو التشكيك بانتمائها لخط المقاومة، خط الرئيس الراحل حافظ الأسد. إنّ القوة التي تشكّل الثقل السوري في موازين القوى وفق رؤية السيد الإمام هي في صلابة الموقف السوري إدراكًا لأهمية سوريا وحساسية موقعها الجيوسياسي في الصراع مع المحور الصهيو-أمريكي. إنّها قوة الحفاظ على الشارع السوري العربي الهوية والموقف رغم كل المآسي والنكبات التي مرّت بسوريا وما زالت نتيجة استمرار الضغوط والحصار والمماطلة بملفات إعادة الإعمار وتعافي الاقتصاد والعودة للجامعة العربية رغم الاختراق الإماراتي في جدار المقاطعة العربية.

دور الروحية العالية/القيادة لشخص الأسد في صنع الانتصار

«عوامل متعدّدة أثّرت في مقاومة سوريا وتحقيقها النّصر في الحرب الدوليّة»، مخاطبًا الرّئيس الأسد: «من أهمّ هذه العوامل الروحيّةُ العالية لدى شخص جنابكم، فنسأل الله أن تتمكّنوا بهذه الروحيّة أيضًا من إعادة إعمار ما دمرته الحرب، فهناك أعمالٌ كبرى أمامكم». ويقول في مورد آخر: «إن أهم سبب لانتصار سورية في حربها هو شخصيتكم وشجاعتكم».

 إن كلام سماحة الإمام في وصف الرئيس بشار الأسد ينضوي على معاني عميقة الدلالات مع الاخذ بعين الاعتبار ما يمتلكه السيد الإمام من نظرة ثاقبة وعمق في مستوى التحليل ومصداقية في الشهادة. ولعلّ كل الدلالات يختزنها مفهوم "القيادة" التي أثبت الرئيس بشار أنها طوع يده في إدارة الصراع ضد الحرب على بلاده. إنّ ما يتمتّع به الرئيس الأسد من كاريزما قيادية بما فيها من سمات وصفات معنوية عالية ساهمت بشكل أساس في الحفاظ على السلطة السياسية والعسكرية، وفي الحفاظ على نبض الشارع السوري، ولعل في طليعة تلك الصفات صمود شخص الرئيس في الوطن، وعدم التخلي عن الأرض والشعب وتحمّل المسؤولية أو الهروب كما هو حال العديد من رؤساء الدول في المنطقة بل والعالم. من هنا، فإنّ شخصية الرئيس الأسد وشجاعته كانت محط تركيز اهتمام الإمام الخامنئي حتى أنه حدّدها كأهم سبب في انتصار سوريا في حربها على الإرهاب. إنّه انتصار القيادة لشخصية هي امتداد لفكر الرئيس حافظ الأسد في عدم الاستسلام أو الخضوع.

الحرس الثورة في سوريا تكليف وواجب

 "إن لدى هذا «الشهيد الجليل [الحاج قاسم سليماني] تعصبًا خاصًّا لسوريا ولذلك كان يضحّي بالمعنى الحقيقيّ للكلمة، ولم يكن هناك فرقٌ بين سلوكه في سوريا وسلوكه خلال حرب الأعوام الثمانية التي فُرضت على إيران". وتابع: «الشهيد سليماني وسائر الشخصيّات البارزة من "حرس الثورة الإسلاميّة" ومنهم الشهيد همداني كانوا يبذلون الجهود حقًّا من أعماق أرواحهم وقلوبهم، وينظرون إلى قضيّة سوريا كتكليف وواجب مقدّس».

منذ ما يزيد على أربعة عقود منذ انتصار الثورة الإسلامية، يعكس النظام الجمهوري الإسلامي ثباتًا في مبادئ الثورة على مستوى الخطاب والممارسة لجهة التمسّك بالوحدة الإسلامية والسيادة الوطنية ونصرة المظلومين والعداء لإسرائيل والاستكبار العالمي الذي يحدد السيد الإمام الخامنئي مصاديقه في هذا الزمن بالمشاريع الأمريكية الصهيونية في المنطقة. وتتمحور دول المنطقة حول القضية والفلسطينية والمقاومة في تجاوز حدود الجغرافيا والاختلافات المذهبية. وبناء عليه، تنطلق حركة حرس الثورة خارج إيران إيمانًا بضرورة وحدة مسار المقاومة لدول المنطقة في المواجهة والاستجابة للتحديات عبر الامتثال لعناصر استراتيجية الاقتراب الموزّع لمحور المقاومة من تعميم قدرة محور المقاومة، وتراكم الخبرات، وإثبات القدرة، والردع النموذجي، ومكافحة الاستنزاف، وجهوزية المشروعية، واللحظة الاستراتيجية. إنّ التهديد الوجودي الذي تعرّضت له سوريا دفع قوى المحور إلى تجاوز كل العناصر التي ذكرت أعلاه، لصالح الضرورة القاهرة لتدخّل المحور بشكل مباشر في المواجهة.

مصيرية العلاقة بين سوريا وإيران وضرورة تقويتها

 إن العلاقة والارتباط بين البلدين «أمرٌ مصيريّ لكليهما، وينبغي ألّا نسمح أن تضعف، بل لا بدّ من أن نقوّيها قدر المستطاع».

 يتقوّم محور المقاومة بوحدة الأهداف الاستراتيجية والمصيرية ويقوم بذات الوقت على أسس راسخة وقوية في احترام خصوصيات كل دولة وسيادتها، ويتميّز بأنّ التحالفات القائمة من النوع الاستراتيجي القائم على المبادئ والمصالح المشتركة بعيدًا عن المصالح الفردية لدولة على حساب أخرى. وهي تحالفات أكثر ثباتًا في وقت الشدائد بحيث لا يتم تجميد العلاقة مراعاة لطرف مناوئ أو يتّخذ موقف حيادي بل تعبّر التحالفات عن انخراط في الخندق الواحد واصطفاف واضح المعالم والأسس والركائز وله تجلياته في المواقف والسلوكيات. وإذ يؤكّد السيد الإمام أثناء اللقاء مع الرئيس الأسد على ضرورة تنمية العلاقات مع سوريا والارتقاء بالعلاقات بين البلدين أكثر من السّابق، فإنّ الإمام يعوّل على الروحيّة والنشاط والإرادة العالية لدى شخص رئيس جمهوريّة إيران (السيد إبراهيم رئيسي) وحكومته.

 وهذا التأكيد يفتتح مرحلة أكثر قوة وثباتًا في العلاقات السورية الإيرانية ستحمل معها مزيدًا من القوة المعنوية والمادية لسوريا والمزيد من الإنجازات والانتصارات لمحور المقاومة. وإذ تترجم الزيارة بحيثياتها وتفاصيلها سواء في البروتوكول أو المضمون عمق العلاقة بين البلدين وتحالفها العميق والمشترك، فإنها تفتتح مرحلة جديدة متينة في استمرار الدعم السياسي والاقتصادي النفطي والخدمي والتجاري وتطويره، حيث تمّ توقيع مرحلة جديدة من الخط الائتماني الإيراني السوري لتزويد سورية بمواد الطاقة والمواد الأساسية الأخرى لسد النقص الحاصل في تلك المواد، لا سيمات في ظل التطورات العالمية الأخيرة.

الاستفادة من تجارب الماضي

"لا بدّ من إضاءة مسار المستقبل بالاستفادة من تجارب الماضي".

 يصنّف كلام السيد الإمام في خانة النصح لأهمية الاستفادة من تجارب الماضي في الحفاظ على منجزات الحاضر الإيجابية والانطلاق لبناء المستقبل. إنّ التجربة التي مرّت بالوطن السوري تجربة عظيمة الدروس وعميقة العبر وبحاجة لحمايتها ومنع أي تشويه يلحق بها، وفي طليعتها عبرة عدم التفريط بالعلاقات الاستراتيجية لصالح علاقات غير مضمونة النتائج مع أطراف غير موثوقة أو أظهرت أنه لا يمكن الاعتماد عليها أو تموضعت خلال الأعوام السابقة في الجبهة المقابلة لسوريا. إنّ العلاقات بهذا الإطار تفقد مصداقيتها وموثوقيتها لارتهان قرار هؤلاء لسياسات براغماتية أو خارجية على عكس من يملك القرار وتقرير المصير، ويحترم العلاقة مع الحلفاء إلى آخر الطريق. وتاليًّا، إنّ شراكة النصر لا ترقى إلى مستوى قوة شراكة المواجهة والنصر على تحقيق الإنجازات والجرأة على اتخاذ القرارات المصيرية المشتركة والتأكيد على الثوابت الاستراتيجية.


المصدر: مركز دراسات غرب آسيا




روزنامة المحور