الجمعة 03 تشرين أول , 2025 04:00

ناقلات الجند الانتحارية في غزة: تكتيك حديث لإبادة مدنية

ناقلة جند إسرائيلية

في سياق الحرب الجارية على غزة، اعتمد الجيش الإسرائيلي تكتيكات قتالية حديثة تهدف إلى تقليل الخسائر الإسرائيلية مقابل إلحاق أكبر قدر ممكن من الدمار والخسائر بالجانب الفلسطيني. من بين هذه التكتيكات ظهرت عملية إعادة تأهيل ناقلات جنود مدرعة قديمة- خاصة طراز M-113—وتحويلها إلى ناقلات مُفخَّخة تُدار عن بُعد وتُدفع إلى داخل الأحياء السكنية والمناطق الحضرية المستهدفة، بما يضعها في صدارة وسائل تدمير البنية التحتية والأنفاق وفتح ممرات تقدّم للقوات البرية.

تعود جذور ناقلة الجنود M-113 إلى تصميمات الولايات المتحدة في منتصف القرن العشرين، ودخلت الخدمة عام 1960، وشاركت لاحقًا في مواجهات عدّة حول العالم. إسرائيل أدخلت نسخًا محلية من هذه الناقلات منذ السبعينيات، لكن مع تقدم التهديدات وتدهور مستوى تدريعها أُخرجت تدريجيًا من خطوط المواجهة واستبدلت بمركبات أحدث مثل "نامير" و"إيتان". مع ذلك، ظلّت هذه المدرعات مخزّنة ومُثقلة بإمكانات استخدام متعددة، فظهرت فكرة إعادة تجهيزها كمنصات روبوتية وغير مأهولة.

اتُخذ القرار التكتيكي بتحويل الناقلات إلى وسائل تفجيرية تُدار عن بُعد أو تُدفع إلى نقطة مُستهدفة بواسطة جرافات D9 أو مركبات أخرى. في شكلها الأولي، كانت الناقلة تُملأ بكمية كبيرة من المتفجرات وتُترك لتنفجر داخل مجمّع مبانٍ، ومع كل تفجير كانت الناقلة تتفتت وتتطاير حطامها محدثة تأثيرًا واسعًا ومرافقًا لتفجير العبوات المزروعة. فيما بعد طُوّرت نسخة أكثر "اقتصادية": تُحمّل الناقلة بصندوق متفجر يُترك في المكان ثم تُنسحب الناقلة إلى مسافة آمنة قبل تفجير الحِمل عن بُعد، ما يحافظ على هيكل المركبة نفسه ويُمكن إعادة استعماله لاحقًا. يصف بعض التقارير التأثير الناتج بأنه يوازي قوة قنبلتين ثقيلتين، وهو تأثير كبير على مستوى الممرات والمفترقات.

أُسندت دوافع تبنّي هذا التكتيك إلى حاجات ميدانية؛ فقد طوّرت وحدات الهندسة القتالية وسائل لتأمين محاور طويلة عبر شريط متسلسل من الشحنات المتفجرة، لكن تكلفة تلك الأنظمة وتعقيد تشغيلها دفع الجيش للبحث عن بدائل أرخص وأسرع. إعادة توظيف المخزون القديم من الناقلات قدّمت خيارًا عمليًا نسبياً لتنظيف المسارات، تفجير الأنفاق، وإحباط العبوات المزروعة دون تعريض الأفراد للخطر المباشر.

مع ذلك، تكشف التجربة الميدانية عن قصور وعيوب واضحة. معدلات الفشل في آليات التفجير لا تزال متكررة، وفي حال تعطّل جهاز التفجير وبقيت الناقلة محمولة بالمتفجرات داخل منطقة مختلطة بالمقاتلين والمدنيين، تضطر القوات إلى الحل الأخير المتمثل بإطلاق النار عليها من مسافة بعيدة لتفجيرها قسرياً. الاقتراب لترميم أو تفكيك الناقلة خطير جداً، خصوصًا في بيئة حضرية مشتعلة. إضافة إلى ذلك، فاعلية هذه الناقلات في هدم منشآت متينة أقل من الأدوات المتخصصة؛ فهي تصلح أكثر لفتح مفترقات وتطهير ممرات عرضية بدلاً من عمليات تطهير مبانٍ محصنة.

على صعيد التكامل التكنولوجي، طُبّقت تجارب روبوتية موازية: مسارات تطويرية لتحويل الناقلات إلى ناقلات إمداد روبوتية تنقل مؤنًا وذخيرة إلى الجبهات دون تعريض قوافل الإمداد التقليدية للخطر، ونماذج أولية لناقلات قاتلة مُزوّدة بأنظمة إطلاق نار قادرة على التعرّف على مسلحين والاشتباك معهم داخل الأزقّة. دخلت بعض النسخ مرحلة تجريبية سرية ومحدودة في الأيام الأولى من القتال، ثم أُوقفت لبحث مزيد من الضبط والتطوير.

تُشير التجربة الحالية إلى أن الناقلات الانتحارية تمثّل حلاً ميدانياً ارتجالياً وذو تكلفة منخفضة نسبياً، لكنه ليس حلاً نهائياً أو مثالياً. ثمة حاجة لتحليل معمق للأخطاء التقنية والتشغيلية التي أدت إلى حالات الفشل، فضلاً عن تقييم إنساني وقانوني لحجم الدمار الذي تُحدثه هذه الوسائل في مناطق ذات كثافة سكانية عالية. أما عسكرياً، فستحدد مسارات التطوير المقبلة ما إذا كانت هذه المركبات ستستمر كأدوات تفجيرية آنية أم ستتحول إلى منصات روبوتية متقدمة لأغراض لوجستية ومقاتلة وأكثر دقة في الاستهداف.

في خاتمة الأمر، توضح إعادة توظيف ناقلات جنود قديمة في شكل ناقلات مفخخة غير مأهولة كيف أن الحروب الحضرية تدفع إلى حلول تقنية مبتكرة أحيانًا، لكنها تفتح أيضًا بابًا للأسئلة الأخلاقية والعملية حول طبيعة القوة والمعايير التي تُستخدم في مناطق مدنية. التطور المقبل في هذا المجال سيعتمد على نتائج التقييمات الميدانية والتحسينات التقنية، وعلى قرار القيادات العسكرية بشأن فاعلية التدمير.


الكاتب: غرفة التحرير




روزنامة المحور