يشكّل موضوع التطبيع بين سوريا وإسرائيل أحد أكثر الملفات تعقيدًا في المنطقة، نظرًا لتشابك العوامل السياسية والإقليمية والدولية التي تؤثر عليه، فمع تغير موازين القوى، وظهور احتمالات للمرحلة الجديدة في سوريا، يصبح التساؤل حول إمكانية حدوث تقارب بين دمشق وتل أبيب مطروحًا أكثر من أي وقت مضى، في ظل التحولات الجذرية التي تشهدها سوريا بعد سقوط نظام الأسد، يبرز احتمال التطبيع مع إسرائيل كأحد الخيارات الاستراتيجية المطروحة، وإن كان ينطوي على تعقيدات بالغة، هذا المسار المحتمل يأتي في وقت أعرب فيه ستيف ويتكوف المسؤول عن الشرق الأوسط في إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عن تفاؤله بإمكانية انضمام سوريا ولبنان إلى اتفاقيات إبراهام خاصة بعد "الانتكاسات الأخيرة التي تعرضت لها القوى في البلدين المرتبطتين بإيران" كما جاء في كلمته أمام اللجنة اليهودية الأمريكية.
كما كشف الرئيس الأميركي دونالد ترامب، بُعيد لقائه بالرئيس السوري الانتقالي أحمد الشرع (الجولاني)، في الرياض، أنّ "الشرع أبدى تجاوباً حيال مسألة التطبيع مع إسرائيل".
وأردف ترامب لصحافيين على متن الطائرة الرئاسية أثناء توجهه من العاصمة السعودية الى الدوحة: "قلتُ له (الشرع): آمل أن تنضمّوا (إلى الاتفاقات الإبراهيمية) بمجرّد أن تستقرّ الأمور، فقال نعم... لكن أمامهم الكثير من العمل".
يرتبط هذا التوجه الأمريكي بمجموعة متشابكة من العوامل الداخلية والإقليمية، حيث يشهد المسار التطبيعي ثلاث مراحل متدرجة: تبدأ من تشكيل حكومة بدعم غربي-خليجي، مروراً باتفاقيات أمنية واقتصادية محدودة، وصولاً إلى التطبيع الرسمي المشروط بتحقيق الضمانات الأمنية الإسرائيلية.
لكن هذا التفاؤل الأمريكي يصطدم بواقع معقد، حيث يواجه المسار التطبيعي عقبات جذرية يأتي في مقدمتها الرفض الشعبي السوري التاريخي، بالإضافة إلى التجاذبات الإقليمية بين المحاور المختلفة، كما أن نجاح هذا المسار، مرهون بتوفر شروط أساسية تشمل حل القضية الفلسطينية وضخ استثمارات ضخمة لإعادة الإعمار، في وقت تبقى فيه إمكانية تحول سوريا إلى "دولة مستقرة ومزدهرة" على نمط رؤية ترامب للمنطقة أمراً يحتاج إلى اختبار الزمن.
مراحل المسار المتوقعة:
يرتبط موضوع التطبيع في سوريا مع اسرائيل بعدة عوامل منها طبيعة النظام الجديد، وموازين القوى الإقليمية، والمصالح الأمريكية والإسرائيلية وفي احتمالات السير في هذا الاتجاه الذي يتضمن مجموعة ظروف متشابكة ولها عدة مراحل:
المرحلة الأولى: مرحلة الانتقال السياسي
- تشكيل الحكومة الانتقالية مع دعم عربي وغربي بحيث تسعى الولايات المتحدة وحلفاؤها خاصة الدول الخليجية الى دعم تشكيل حكومة تكنوقراط "معتدلة" لتسيير المرحلة الانتقالية.
- ستراقب اسرائيل عن كثب الحالة الأمنية في سوريا ومدى نفوذ القوى الإقليمية الفاعلة على الساحة ومنها تركيا.
- مفاوضات غير مباشرة عبر الوسطاء كالولايات المتحدة أو الأردن ومصر، وقد تبدأ الاتصالات الغير معلنة نتيجة أن النظام الحالي بحاجة الى دعم اقتصادي.
المرحلة الثانية: التطبيع التدريجي
- اتفاقيات أمنية محدودة بخصوص الجولان والجنوب السوري مع ضمانات أمنية لإسرائيل.
- دعم اقتصادي مقابل خطوات سياسية نحو مشروع التطبيع قد يقدم هذا الدعم عبر السعودية أو الإمارات مقابل التزام النظام السوري بمسار تطبيعي ضمن مسار عام سياسي واقتصادي في المنطقة، كأن يبدأ تصدير الغاز والكهرباء الى سوريا ولبنان من مصر عبر الأردن كبادرة للثقة.
- فتح مكاتب اتصال أو علاقات تجاريه غير رسمية على سبيل تصدير المنتجات الزراعية من سوريا عبر اسرائيل الى أوروبا أو الخليج، واستقدام العمال السوريين للعمل داخل الأراضي المحتلة، مع امكانية فتح قنوات الاتصال عبر منظمات دولية أو شركات خاصة وتجارية وسياحية.
المرحلة الثالثة: التطبيع الرسمي (إذا تحققت الشروط)
- اتفاقية سلام برعاية ترامب على غرار اتفاقيات ابراهام مع دول الخليج، وقد تتنازل اسرائيل عن بعض الأراضي التي احتلتها مؤخرًا مقابل التزام سوري بتأمين حدودها في الجولان او اعتراف سوري بضم الجولان لحدودها أو اتفاق على صيغه معينة تضمن لإسرائيل البقاء في الجولان (كما جرى بخصوص مدينة طابا المصرية في سيناء).
- إقامة علاقات دبلوماسية كاملة وهذه النقطة تعتمد على تغيير جذري في الرأي العام السوري نتيجة العداء التاريخي لإسرائيل وتأتي ضمن مسار زمني قد يطول مع عمل إعلامي وسياسي لتهيئة الرأي العام السوري وتبدأ بالخطوات الاقتصادية على سبيل السياحة والاستثمارات ومشاريع الطاقة والمياه ثم الانتقال بعدها الى التطبيع السياسي.
العقبات المحتملة:
- الرفض الرسمي الإسرائيلي للتطبيع باعتبار أن السلطة السورية القائمة هي "نظام إرهابي إسلامي متطرف"
- إسرائيل تفضل تقسيم سوريا ما بين الأكراد والدروز والعلويين لمصالحها المعلومة
- المعارضة الشعبية: الشارع السوري لا زال يعتبر اسرائيل عدوًا وذهاب النظام الحالي في سوريا الى السير في تطبيع علني مع اسرائيل قد يواجه احتجاجات عنيفة خاصة مع الضعف الحالي لهذا النظام، والتجاذبات بين الفصائل التي شكلته وارتباطاتها مع الدول الإقليمية التي قد نتفجر وتتحول مجددًا الى صراع مسلح يجعل بقاء هذا النظام واستمراريته مهدده.
- الصراع الإقليمي: تعارض المصالح بين الدول الإقليمية قد يؤدي الى عرقلة التطبيع خاصة مع الصراع غير المعلن ما بين السعودية وتركيا والدول التي تدور في فلكهما، وكذلك استمرار اسرائيل في شن عمليات عسكرية تستهدف التواجد التركي على الأراضي السورية ورفضها التوسع التركي او السيطرة التركية على سوريا وتحولها لمجال حيوي تركي.
- ظهور فصائل مقاومة في الجنوب السوري: قد يؤدي ظهور فصائل مقاومة في سوريا الى عرقلة مسار السلام والتطبيع مع الكيان الصهيوني، مما يجبر الإسرائيلي على الاستمرار في الأعمال العسكرية ضد سوريا مع شعوره بنشؤ تهديد طويل الأمد وتوسعه مما يلغي فكرة السلام والتطبيع.
الكاتب: غرفة التحرير