الجمعة 26 أيلول , 2025 03:15

نصر الله: القائد الذي شارك شعبه وفضح أنانية نتنياهو

السيد نصر الله احترم عقول الناس وأشركهم في صناعة القرار

 من يقرأ في مسيرة الأمين العام لحزب الله الشهيد السيد حسن نصر الله يلحظ أن العلاقة التي نسجها مع مجتمعه لم تكن قائمة على القائد الذي يملي، ولا على الحاكم الذي يتفرّد بالقرار، بل على قائد يحترم عقول الناس ويقدّر وعيهم، فيشركهم في صناعة الموقف ويجعلهم طرفاً أساسياً في صناعة القرارات. هذه السمة ميّزت تجربته السياسية والقيادية عن غيرها في المنطقة، حيث درجت أنماط الحكم والقرار على التفرد والأنانية. ففي المقلب الآخر يظهر نموذج مختلف تماماً – علماً أنه لا مجال للمقارنة في هذا الصدد ولكن لتبيان فشل قيادة العدو في مسارها المنتهج _ يمثله رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو، الذي اعتاد أن يتخذ قراراته بمعزل عن المجتمع الإسرائيلي، وفق حسابات شخصية ضيقة، في محاولة لإعماء الداخل الإسرائيلي عن الواقع وتغليب مصلحته الخاصة على أي اعتبارات أخرى.

القيادة التشاركية

ما ميّز السيد نصر الله أنه مارس ما يعرف في العلوم السياسية بالقيادة التشاركية أو الجماعية، أي تلك التي تقوم على إدماج القواعد الشعبية والنخب في صناعة القرار. لكن الفارق أنه لم يمارسها كفكرة مجتزأة من كتب الإدارة والسياسة، بل كموهبة قيادية أصيلة وملكة فطرية ترسّخت مع تجاربه الثمينة. فالرجل امتلك صفات القائد الكاريزمي، إلى جانب حنكة سياسية وذكاء استثنائي جعلاه يحوّل هذا المبدأ إلى ممارسة يومية دون تكلف أو اصطناع. فخطاباته كانت مساحة شرح وتوضيح وطلب رأي، حتى إذا اتخذ القرار، كان الناس شركاء فيه لأنهم أدركوا مبرراته وأهدافه.

هذه القدرة على إشراك المجتمع أنتجت نتائج مباشرة على بيئته أولاً، عززت الثقة بين القائد والجمهور، بحيث لم تعد العلاقة علاقة أمر وطاعة عمياء، بل علاقة اقتناع ورضى. وثانياً، رفعت من مستوى الالتزام، فكان الناس أشد استعداداً لتحمل التضحيات لأنهم لم يشعروا أن القرار فُرض عليهم، بل أنهم كانوا جزءاً من بلورته. وثالثاً، أسست لنمط من الوحدة ضمن المجتمع قلّما نجده في تجارب أخرى، حيث بقيت البيئة متماسكة ومترابطة رغم الضغوط الهائلة، والسبب أن القيادة لم تفصل نفسها عن الناس، بل جعلتهم شركاء في كل خيار. وبهذا يمكن القول إن السيد نصر الله طبّق القيادة التشاركية بأرقى صورها، كممارسة حيّة ولّدت قوة سياسية واجتماعية مستدامة.

نموذج القيادة الفردية

في المقابل، يظهر نموذج نتنياهو الذي يمثل الصورة النقيضة تماماً. فأكثر ما يعرف عنه أنانيته والانفراد بالقرار حتى أنه لا يرى أي حاجة للتشاور قبل اتخاذ العديد من القرارات، وغالباً ما ارتبطت خياراته بمصلحته الخاصة، سواء لتمديد بقائه في الحكم أو للهروب من الملاحقات القضائية. ولم يستطع نتنياهو أن يُشرك مجتمعه في صناعة القرار، بل لطالما كان يخاطبهم بخطاب دعائي هدفه إخفاء الحقائق وتقديم صورة مضللة عن الواقع. وفي حين كان السيد نصر الله يحترم وعي مجتمعه وعقولهم ويضعهم في صلب أي خيار، كان نتنياهو يتعامل مع الإسرائيليين باستخفاف، كأنهم جمهور غير موجود وليس عليهم معرفة شيء مما يجري.

تبعات هذا النمط من القيادة ظهرت بوضوح من خلال اهتزاز الثقة الداخلية، الانقسامات السياسية والاجتماعية المتفاقمة، التراجع في الشرعية، والتآكل التدريجي في وحدة المجتمع الإسرائيلي. إن غياب التشاركية أنتج هشاشة واضحة، لأن القرارات المرتبطة بذات القائد لا تملك غطاءً شعبياً واسعاً، ولا تترجم إلى التزام فعلي على الأرض. وعليه، يمكن القول إن الفارق بين النموذجين لم يكن فارق أسلوب فقط، بل فارق في المجتمع نفسه حيث ولّدت قيادة السيد قوة وصلابة ظهروا بوضوح في الحرب الأخيرة لدى المجاهدين ومجتمع المقاومة، بينما    ولّد أسلوب نتنياهو ضعفاً وتصدعاً لدرجة استجداء الجنود للقدوم إلى ساحة الحرب.

الاستنتاج الأهم أن تجربة السيد نصر الله لم تكن مجرد ممارسة سياسية، بل استلهاماً مباشراً من القيم الإسلامية. ففكرة القيادة التشاركية في العلوم السياسية تجد نظيرها في الإسلام بمفهوم "الشورى"، وهو المبدأ الذي أرساه القرآن ومارسه النبي وأهل بيته. السيد استحضر هذا المعنى وحوّله إلى واقع سياسي، فأثبت أن استلهام الدين لا يعني جموداً ولا تطرفاً، بل يمكن أن يكون إطاراً لبناء قيادة ناجحة وعلاقة سليمة بين القائد ومجتمعه. وبذلك زرع في بيئته قيماً رفيعة، وأسس لنموذج قيادي حظي بمحبّة واحترام عابر للطوائف والمذاهب، لأنه لم يُمارس التفرقة أو الإملاء، بل قدّم صورة القائد الذي يعيش قيمه ويجسّدها في عمله السياسي.

إن المقارنة بين النموذجين تكشف حقيقة أساسية مفادها أن أحد فنون القيادة تكمن في احترام عقول الناس والتعامل معهم كشركاء في صناعة القرار. وبنى السيد نصر الله بفضل قيادته التشاركية المستوحاة من الإسلام شرعية لا تهزها التحديات ومدرسة في الأخلاق تطبق حتى في خضم الحروب. بينما نتنياهو، بتفرده وأنانيته، أسس لمنظومة هشة تتآكل يوماً بعد يوم وتفتقد للقيم والأخلاق وتمارس القتل والتدمير بأبشع صوره بعيداً عن أي تحضر أو رقي.


الكاتب: غرفة التحرير




روزنامة المحور