منذ لحظة تأسيسها عام 2006، لم تُرِد الجمعية اللبنانية للفنون – رسالات أن تكون مجرّد إطار ثقافي يقتصر نشاطه على العروض الفنية والندوات الأدبية والمعارض التشكيلية. بل سعت دائماً لأن تكون مساحة جامعة بين الفنون والهوية، بين الإبداع والالتزام، بين التلاقي الثقافي والانتماء الوطني. واستطاعت على مدى الأعوام، أن تتحول الى علامة فارقة في المشهد الثقافي اللبناني، عبر برامجها وأنشطتها الممتدة من صالات المسرح إلى ساحات المعارض إلى مبادرات دعم الفنانين الشباب.
لكن هذا الوجه الثقافي لم يشفع لها، حين تحوّلت فجأة إلى هدف في مرمى السياسة، بسبب نشاط "صخرة الروشة" الشهير. فرئيس الحكومة اللبنانية نواف سلام الذي من المُفترض به أن يوجّه اهتماماته لأولويات الحكومة، من صدّ العدوان الإسرائيلي واستعادة السيادة اللبنانية وإعادة إعمار ما هدّمته إسرائيل، أو أقلّه معالجة الأزمة المعيشية والاقتصادية في البلاد، الى التفرّغ لمحاسبة من قام بفعالية إضاءة صورة سيد شهداء الأمة السيد حسن نصر الله والسيد الشهيد هاشم صفي الدين على صخرة الروشة، وأخر خطوة في هذا السياق، إدراج مشروع سحب العلم والخبر من الجهة المنظّمة للفعالية: الجمعية اللبنانية للفنون – رسالات، في جدول أعمال جلسة مجلس الوزراء في الـ 06/10/2025، أي نزع الشرعية القانونية التي تسمح للجمعية بالعمل.
وعليه، فإن جمعية رسالات اليوم في موقع الدفاع عن معنى الثقافة في لبنان، وهي اختبار حيّ لما إذا كان لبنان فعلاً سيظل مساحة حرية وتنوّع، أو يتحوّل إلى ساحة خالية من أي صوت لا يروق للحاكم الغربي الهوى.
كما لا يمكن اعتبار خطوة الرئيس نواف سلام محض إجراء إداري، بل يجب اعتبارها كرسالة سياسية ذات أبعاد أعمق. فسلام، المعروف بخلفيته الأكاديمية والدبلوماسية وعلاقاته الوثيقة بالعواصم الغربية، يريد على ما يبدو أن يوجّه إشارة واضحة: أنّ حكومته ستتشدّد مع كل ما يمثّل "ثقافة المقاومة"، حتى لو كان في ثوب فني.
ما هي أبرز المعلومات حول جمعية رسالات وأنشطتها؟
_تأسست في العام 2006، تحت عنوان أنها جمعية تُعنى بنشر ثقافة الفن الملتزم وتقديمه بقوالب إبداعية تحاكي الواقع.
_ تركّز "رسالات" في أعمالها، على الجوانب الثقافية والفنية للصراع مع الكيان المؤقت وقوى الاستكبار العالمي والغربي.
وهي منذ انطلاقتها، عملت على ألا تكون نسخة عن الجمعيات الثقافية "النخبوية" التي تحتكر الثقافة في صالونات مغلقة، بل استطاعت أن تعيد الفن إلى الناس، وأن تعيد ربطه بقضايا المجتمع، وبخاصة قضية المقاومة ومواجهة الحرب الناعمة ضد مجتمع المقاومة.
_تهتم الجمعية بتنظيم الأنشطة الفنية والثقافية الموجّهة نحو فئات الأطفال والناشئة والشباب والعائلة. وسرعان ما استطاعت أن تستحوذ على مكان لها فريد في المشهد الثقافي العام للبنان. فقد أنشأت قاعات للعروض المسرحية والسينمائية، وقدّمت برامج تدريبية للشباب، واستضافت معارض للفن التشكيلي، وفتحت أبوابها أمام الشعراء والكتّاب والموسيقيين. وعلى امتداد أكثر من عقد، صارت رسالات بمثابة مركز ثقافي متكامل، يجمع بين الأداء الفني والتثقيف المجتمعي.
وما ميّز رسالات عن غيرها من الجمعيات أنّها لم تتعامل مع الثقافة بوصفها مجرد ترف أو تسلية، بل كحاجة وطنية وإنسانية، متبنيةً مقولة أن الثقافة هي خط دفاع عن المجتمع، وأن الفنون قادرة على تعزيز الهوية في مواجهة مشاريع التفكك.
كل هذا والجمعية لم تُخفِ يوماً انتماءها للمقاومة: فهي تحتفي بفلسطين في أمسياتها، وتكرّم شهداء الكلمة والفعل، وتفتح منابرها لأصوات الفن الملتزم. لكن ذلك لم يمنعها أيضاً من استضافة فعاليات عابرة للطوائف والانتماءات، بل سعت باستمرار إلى تقديم صورة جامعة للبنان بكل أطيافه.
_ يدير الجمعية حالياً الأستاذ محمد خفاجة.
الكاتب: غرفة التحرير