الثلاثاء 30 أيلول , 2025 04:19

المواجهات البرية في جنوب لبنان..تقنية الاستدراج

اعتمدت المقاومة إلى حدّ كبير خلال المواجهات البرية مع الاحتلال ما يُعرف بالكمون التكتيكي

عقب إعلانه الحرب على لبنان في 23 أيول/ سبتمبر 2024 أعلن جيش الاحتلال في 1 أكتوبر/ تشرين الأول 2024 انطلاق عملية برية "مركزة" في قرى الحافة الجنوبية للبنان، بعد أيام من ضربات جوية واسعة طالت مختلف المناطق الجنوبية والبقاع والضاحية. ووصف الإعلان الرسمي العملية بأنها "محددة" وقريبة من الحدود الفلسطينية المحتلة، ما عكس سقفاً منخفض نوعاً ما للأهداف السياسية والعسكرية على عكس الأهداف التي يعلن عنها غالباً. هذا السياق مهم لفهم قالب المواجهة حيث يعلم الاحتلال بشكل قاطع أن اعتماده على البر وتوسعة عملياته فيه هو رهان خاسر، لذا لجأ إلى القول بأنها "عملية برية قصيرة المدى"، بالاعتماد على الغطاء الجوي، لتحقيق الأهداف التي وضعها الاحتلال بسرعة كما ادعى. إلا أن الكفة في هذه المواجهات تعرف قبل البدء لمن ستميل لأن التفوق العسكري في الميدان هو من نقاط قوة المقاومة.

بداية الاجتياح ومساراته الميدانية

أكدت قيادة العدو أن العملية حينها نفذت وفق خطة مشددة تشرف عليها القيادة الشمالية والأركان العامة، وهدفها الدخول إلى عدد من القرى الأمامية. من زاوية المقاومة، مثل هذا الإعلان وحتى إن تمت أولى خطواته لا يُقرأ كحسم تلقائي، بل كاختبار لقدرة حزب الله على منع تثبيت الاحتلال للنقاط في هذه القرى واستنزافه. بحسب مصادر مختلفة، كان الهدف الإسرائيلي المعلن ضرب منصات صاروخية وإنهاء بنى تحتية قريبة من الحدود، لكن الباب بقي مفتوحاً حينها أمام أهداف غير معلنة.

الكمون التكتيكي

اعتمدت المقاومة إلى حدّ كبير خلال المواجهات البرية مع الاحتلال ما يُعرف بالكمون التكتيكي ما يعني خفض حدة العمليات الظاهرة لمنح العدو أريحية كاذبة أو مموهة، ثم البحث عن نقطة الانقضاض المناسبة. عملياً، الكمون لا يعني السكون التام بل ضبط وتيرة الظهور والاختفاء، وتركيز الهجمات عندما يتراكم العدو في نقاط قابلة للاستهداف. في الميدان، سمح الكمون للمقاومة بتقليل الخسائر المباشرة، مع إبقاء القدرة على توجيه ضربات موجعة عند حدوث خطأ تكتيكي من الجانب الإسرائيلي أو عند محاولته تثبيت نقاط أمامية.

تقنية الاستدراج

الاستدراج شكل ركيزة أخرى في التكتيك. يهدف إلى ترك مصائد أو نقاط تبدو هشة لتجذب قوات العدو، ثم تحويل المعركة إلى جبهة ملائمة للمقاومة ويمكنها التصرف فيها بمرونة. وهذه التقنيات رُصدت أيضاً في سلوكيات المقاومة في رفح وشمال غزة حيث وُصف القتال بقتال "الحرباء" القائم على المرونة في التحرك، ورصد تحركات العدو. في لبنان، الاستدراج تداخل مع معرفة المقاومة بشكل واسع في التضاريس والقدرات الدفاعية التي بنتها لأعوام في المنطقة ما جعل كلّ محاولة تثبيت إسرائيلي مكلفة.

التخطيط المركزي والتنفيذ اللامركزي

واحدة من نقاط القوة أن حزب الله يمزج بين تخطيط مركزي واضح ومرونة تنفيذية لامركزية لدى الوحدات الميدانية. هذا النموذج يسمح بسرعة اتخاذ القرار محلياً ضمن إطار استراتيجي محدد ما يسرّع الاستجابة للفرص ويصعّب على الاحتلال قراءة نوايا المقاومة أو استهدافها بدقة.

الدعم الجوي والقدرات التكنولوجية للعدو قد تخدم على المدى القريب في محاولات اختراقه للميدان، لكنها لا تضمن تثبيتاً إذا لم تُرافق بخطة لوجستية وأمنية لمواجهة الكمائن والاستدراج والقوة التي تتمتع بها المقاومة. فالخبرة المكتسبة من خلال مواجهاتها السابقة في عام 1982، وعام 2006 والقتال في سوريا أيضاً وتجارب غزة، تُظهر أن هذه الحركات المقاومة يمكنها إفشال أي خطط للعدو وتكبيده خسائر مستمرة. وهنا يبرز أن تحديد الكيان لسقوف أهدافه قبل الشروع في العملية كان له أسبابه لتجنّب الانزلاق إلى مواجهة استنزافية لا طائل منها.

من خلال المواجهة التي خاضتها المقاومة مع الاحتلال والتي استمرت ما يقارب الشهرين تبين أن الحسم في الميدان غير ممكن ولا يحقق للعدو أهدافه لأنه صعب في ظل الظروف التي بناها حزب الله في المناطق التي كان يعلم بأنها عرضة للاجتياح البري عند أي مواجهة. من هذا المنطلق، كانت الكفة الراجحة تميل خلال المواجهات البرية لصالح حزب الله وهذا ما أظهرته النتائج حيث كان الاحتلال طوال هذه العمليات يعلن عن "حوادث صعبة" يتعرض لها في جنوب لبنان، غير الكمائن التي نصبت له وصدم بها. والقتال الشرس الذي لقيه من مجاهدي المقاومة. ما حال دون تقدمه وكبده خسائر بشرية ومادية. وفي هذا الصدد كان الشهيد السيد نصر الله يقول دائماً أن "الدخول إلى جنوب لبنان ليس تهديداً بل فرصة تاريخية".


الكاتب: غرفة التحرير




روزنامة المحور